الاثنين، 11 فبراير 2008

أصحاب ( الشكارة ) والبطون المتدلية

كتب يوم الأربعاء,أيار 17, 2006

في بلد فلاحي كالمغرب، يرتبط جزء كبير من مصالح الناس البسطاء فيه، في أمور حياتهم ومعاشهم على وفاء الطبيعة. ولا أجمل من وفاء الطبيعة هذه السنة الذي يبشر بمحصول وافر، وقد شمل عموم البلد من شماله إلى جنوبه..!!

والحمد لله على صندوق الموازنة الطبيعي هذا الذي يعلق عليه معظم المغاربة آمالهم، بعدما يئسوا من صناديق الدولة التي تُنهب ذات اليمين وذات الشمال…

ونتمنى أن يعود ريع الطبيعة هذه السنة على عموم الفلاحين البسطاء، علهم يعوضون بعض مستحقات السنوات العجاف الماضية، وأن لا يضيع مجهودهم سدى، في حمأة مضاربات ذوي ( البطون المتدلية)، وأصحاب (الشكارة) الذين يجهزون على عرق الفلاح البسيط المنتج عندما تُشترى منه بضاعته بأرخص الأثمان، لتباع بأضعاف ثمنها لباقي المواطنين المستهلكين العاديين …

وتلك من المفارقات الهائلة التي يؤدي ثمنها غاليا المغاربة الكادحون البسطاء لصالح حفنة من الوسطاء والسماسرة الذين تنتفخ بطونهم عند كل موسم فلاحي من تعب الفلاحين الضعفاء سحتا وظلما، مستفيدين من علاقاتهم الوصولية لدى مصالح السلطة التي يجب في حقها مراقبة حركة النشاط الفلاحي إنتاجا وبيعا وتسويقا، بدل أن يترك الأمر لمزاج الوسطاء المحتكرين، يتلاعبون بالأثمان كما شاءوا، دون حسيب أو رقيب يمكن أن يتدخل، أو يجعل للأمر حلا وسطا.

وفي المدن، لم يعد للمواطن المغربي البسيط مثلا، قِبلٌ بشراء الفواكه المعروضة هذه الأيام من كل لون وصنف بسبب أثمانها الملتهبة، فتراهم يمرون على رفوفها مرور الكرام، وحتى إذا غلبت شهوة البطن أحدَهم على نفسه فهو لا يتجاوز عند الكيل ربع كيلو من الكرز أو المشمش أو الخوخ أو البرقوق أو التين…

أما البطيخ الأحمر( الدلاع ) فقد يئس من شرائه مكرها، في الأسبوع الأول لظهوره حتى إشعار آخر، وفي انتظار أن تتدنى أسعاره لاحقا عند متم شهر تموز، وعليه أن يتحمل عبء السؤال من لدن عياله في هذا الوقت عنه وعن أنواع الفواكه الأخرى التي يسيل لها لعابهم لمجرد رؤيتها من خلال برامج الطبخ أو وصلات الإشهار على شاشات التليفزيون الملونة.

والحمد لله على الشاي المغربي (المُنَعْنَع) الذي يقوم في معظم الأحيان، على موائد البسطاء، مقام الفطور والغذاء والعشاء، بل وحتى مقام الفاكهة الطرية والمجففة…

وفي الأسواق القروية الأسبوعية تطالعك سحنة القرويين والقرويات الملوحة الداكنة من أثر أشعة الشمس، وأخاديد التجاعيد المحفورة على وجوههم تشبه جذع شجرة مسنة، وخشونة أيديهم، عند المصافحة، تشبه مشج الصوف عندما يضغطون على يديك بقوة غير معهودة عند الحضريين.

وتستطيع أن تقرأ على تلك التجاعيد، بكل يسر ووضوح، تفاصيل الكدح وحفريات البؤس والشقاء بين أيام الشتاء والصيف، وخاصة لدى النساء القرويات اللاتي يأتين إلى السوق بالكثير، ويرجعن إلى أكواخهن بأقل القليل، قانعات بما جاد به عليهن سماسرة الدجاج والديك والسمن والبيض والزيت والعسل، وغير ذلك مما تجود به البادية المغربية في السهل أو الجبل…

وفي عز الصيف المقبل يبدأ حصاد الانتخابات المغربية، بكل ما قد يكتنفه أيضا من كيل وتطفيف وتدليس،لأن أصحاب البطون المتدلية هم المتنافسون الأُول والمسيطرون على سوق الانتخابات المغربية قبل غيرهم، وهم القادمون إليها من كل فج عميق..

ولكن، ومهما حاولوا الاختباء وراء أقنعتهم الحزبية التي سرعان ما يتنكرون لها بعد انفضاض مهرجان الانتخابات بكل هرجه ومرجه، فإن بطونهم المتدلية تفضحهم، وخدودهم البيضاء المتوردة صحة وبرجوازية لا تتناسب مع خطاباتهم المتلونة تلون الحرباء، وكلماتهم الباردة التي يلوكونها برطانة فجة تبعث على الاشمئزاز …

وعليهم، خلال حملات التوسل والتملق إلى جماهير الفلاحين الكادحة في القرى والمداشر النائية أن يتحملوا بعضا من شواظ القيظ وبعضا من غبار الطرق الترابية التي يعِدون في كل استحقاق انتخابي بتعبيدها، ولكنها ما عبدت أبدا.

وتعبيد الطرق أبسط حاجات الناس اليوم في كثير من قرانا النائية المعزولة، علها تخفف عنهم عبء جر أقدامهم المتعبة، أو سحب دوابهم عبر نتوءاتها وأتربتها وأوحالها في رحلة الشتاء والصيف بين المداشر والأسواق القريبة والبعيدة في نفس الوقت.

وتلك الطرق الترابية التي تفصل بين المداشر والأسواق قد لا تتجاوز في قياس المسافات بضعة أميال يسيرة، ولكن إذا حسبناها بساعات العمر نكون قد وفرنا على أولئك القرويين قرونا من المشي الحافي على أقدامهم أو على حوافر دوابهم المثقلة بأكياس الغلة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مجموع سكان القرى والمداشر، بأجيالهم المختلفة من المعمرين والمخضرمين والقادمين الجدد توا إلى الحياة الدنيا…

أما حاجات كثير من قرويي المغرب وراء الجبال العالية أو خلف السهول المترامية إلى الماء الشروب والإنارة فتلك أم الدواهي ودونها خرط القتاد، والحمد لله أن الطبيعة لا زالت هي المتعهد الوحيد لهم في هذه الجوانب الحيوية.

ومع أنهم مثبتون على الخرائط الانتخابية وموزعون على جداول الإحصاء الرسمية بأسمائهم وألقابهم.. إلا أنهم لا يستدعون في الغالب إلا عند الضرورات السلطوية القصوى لتأثيث المشهد الانتخابي الذي لم يستطع إلى حد الآن أن يغير كثيرا من واقع حياتهم رغم تغير كل بوادي العالم من حولنا، ورغم ما يتقاطر على المغرب من مساعدات خارجية لصالح تنمية المناطق القروية، بحجة محاربة المخدرات أو الإرهاب أو الهجرة السرية …
ولو توقف عن باديتنا غيث السماء، لا قدر الله، لما كانت لنا حاجة إلى مثل هذه الحكاية… !!!

ليست هناك تعليقات: