الأربعاء، 13 فبراير 2008

التدوين العربي وظاهرة القص واللصق

كتب يوم السبت,تشرين الأول 21, 2006

عندما التحقت بقافلة التدوين العربي على موقع (مكتوب) لم يكن هناك غير عدد قليل من المدونات العربية على قائمتها الرئيسية. وقد كان بإمكاني في ذلك الوقت أن أقرأ جزء كبيرا منها، وأن أستعرضها كلها، في وقت قصير جدا.

أما اليوم فقد أصبح عدد المدونين على هذا الموقع هائلا، وصار من المستحيل على أي متتبع حصرهم جميعا، على الوجه الصحيح، مهما أوتي من وقت وجهد، لأن وتيرة الالتحاق بعالم التدوين على هذا الموقع أو غيره لا تتوقف أبدا، بل هي ترتفع بشكل متوالية هندسية.

وتوفير مدونة شخصية لكل مواطن أو مواطنة داخل بلداننا العربية شعار رفعته سابقا، كما طالبت أيضا بالتحاق ساساتنا وحكامنا وأولي أمرنا إلى طوابير المدونين والمدونات.

ولكن ذلك الأمر مطمح بعيد المنال الآن، لغياب شروطه المعنوية والمادية والتقنية على أرض الواقع العربي المهترئ، كما تدل على ذلك نشرات الأخبار العربية المصبوغة على الدوام بدم العرب المراق، وما ينجر عن ذلك من مآسي وويلات، هنا أو هناك…

ومما زاد الأمر سوء تراجع وتيرة النمو العربي بسبب الفساد الذي يؤدي إلى الهدر الاقتصادي والمالي على المستوى القمة، وبسبب تفشي أمية الكتابة بالنسبة للذين لم يتعلموا مبادئ الكتابة من الأصل، وأمية القراءة من جهة ثانية، بالنسبة للذين انقطعت صلتهم بالقراءة تماما أو تكاد.

وأمية القراءة هنا، أفدح من أمية الكتابة، وأضرارها على المدى البعيد قد تتجاوز كل الحدود والتوقعات، لأنها تنعكس مباشرة على مردودية الفرد التي تبقى ثابتة على حالها، إن لم تتراجع وتتآكل مع مرور الأيام بسبب اكتفائه بما عنده وركونه إلى الخمول، فتتبلد حواسه وتتعطل مداركه، وخاصة عندما تغيب شروط التحفيز الضرورية. لتتعاون القمة والقاعدة على إفساد مستقبل هذه الأمة، وتعطيل مصالحها لعيب فينا كامن في معظم أمورنا الداخلية، قبل أن نعلق أسبابه على مشجب كل عدو بعيد أو مؤامرة خارجية.

إن واقع التدوين العربي الافتراضي لا يختلف كثيرا عن واقعنا العربي ذاك؛ وبعض المدونين يعملون، وربما من حيث لا يشعرون، على نقل كثير من ملوثاته المختلفة من مكان غير معلوم في الواقع الحقيقي، لبعده أو تعذر الوصول إليه إلى مكان معلوم في الواقع الافتراضي؛ لأن العناوين الإلكترونية تقود إليه، ومحركات البحث تدل عليه.

ومن أخطر الأمراض الملوثة لبيئة التدوين العربي ظاهرة القص واللصق.
والقص واللصق تقنية حديثة ارتبط وجودها بالحاسوب والأنترنت ومستلزماتهما، لتيسير تداول المعلومات الرقمية، ونقلها من حيز إلى حيز، ورفعها من نطاق إلى نطاق. وهي تقنية جديدة حلت محل الكتابة اليدوية والطباعة التقليدية، وتتميز بالسرعة والكفاءة العالية في معالجة وتنسيق المواد المنسوخة قبل لصقها في أية صفحة أو موقع أو منتدى أو مدونة.

ورغم إيجابيات هذه التقنية التي لا تعد ولا تحصى في تداول المعلومات الرقمية واستنساخها وحفظها للاستعمال لاحقا غير أنها صارت، في كثير من المنتديات والمواقع، وعند كثير من المدونين المتطفلين وأشباه المدونين وسيلة التعامل الأولى؛ ولا هَمَّ لكثير من أصحابها إلا رمي شباك القص واللصق على مواد الأنترنت المختلفة، واستخراجها بيسر، ودون حياء أو خجل من مكامنها الأصلية، دونما حاجة إلى بذل أدنى مجهود فكري شخصي، وكثير منهم يكتفي بعبارة: ( منقول) ليدلل بذلك على نزاهته، ويغطي على عجزه ونقصه.

وهكذا أصبحت تعيش في واقع الأنترنت العربي كائنات افتراضية طفيلية عديدة ومنوعة اعتادت العيش على موائد الغير، والتزود من الفتات المتناثر.

وهناك عدد من المدونين على موقع مكتوب أيضا، احترفوا مهنة القص واللصق عمدا، وعن سابق إصرار وترصد لغاية في نفس يعقوب؛ ليقال عنهم أنهم أكثر المدونين نشاطا، وأكثرهم إدراجا أو تعليقا، أو تواجدا على الموقع، ولو تم لهم ذلك بوسائل المكر والتدليس، أو بوسائل النسخ والفسخ والمسخ.

وكلمات النسخ والفسخ والمسخ مصطلحات عربية قديمة، ولها صلة بمبحث السرقات الأدبية. ومبحث السرقات، كما هو معروف، من أو سع المباحث في تاريخ النقد العربي القديم، وله علاقة وطيدة بما يسمى اليوم بحقوق الملكية الفكرية، وبمبدأ النزاهة العلمية.
وقد نبه كثير من القدماء النبهاء إلى سلبيات السرقات. وليس هنا مجال عرضها حتى لا نخرج عن حدود الموضوع.

وأنا لست ضد تقنية القص واللصق من حيث المبدأ، إذا اعتمدت في حدودها المعقولة المقبولة، أما أن تصير عادة المدون في كل تدوينة، ومبتدأه وغايته فهذا ما أرفضه، بل أعتبر عمله من قبيل الحشو المعرفي، ودليلا ساطعا على عجزه وخموله، بل ليت بعض المدونين يعون حقيقة ما يفعلون، ويقدرون خطورة منقولاتهم وضررها، في بعض الأحيان، على القراء والزائرين.

وليس عيبا أن نستفيد من كلام الآخرين، إذا اجتهدنا في أن نجعل كلامنا منتظما مع كلامهم بوسائل الربط اللغوي المختلفة وبوسائل الاستنتاج والتحليل والمقارنة. أما أن تغيب شخصية المدون تماما، وأن يحصر عمله في القص واللصق فقط فهذا ما لا يمكن أن يُتصور في عقل إنسان جبله الخالق على حب التجديد وشغف الابتكار.

أعتقد أن ظاهرة القص واللصق التي استفحلت في المدونات العربية، يمكن أن نجد لها مبررات في واقعنا العربي الحقيقي الذي يميل أكثره إلى الاستهلاك بدل الإنتاج الخلاق.

كما أنها أثر من آثار التنشئة الخاطئة التي تُعوِّد الفردَ على نزعة التملك غير المشروع، وأخذ ما لدى الغير سحتا وعدوانا، بالإضافة إلى ترسيخ نزعة التبعية المطلقة للسلطة ولرب الأسرة وللمعلم، أولكل ما يقوله الآخرون دون اعتراض أو أدنى فحص وتمحيص، فتمحى شخصية الفرد منا مع مرور الأيام وتذوب، ويصبح منفعلا غير فاعل. وكأنه بهذه الصفة في حكم العدم، مادام لا ينطق بلسانه هو، بل بلسان غيره.

ليست هناك تعليقات: