السبت، 16 فبراير 2008

التدوين الافتراضي والواقع العربي… وجها لوجه

كتب في فبراير 8, 2008

مع تضاعف عدد المدونات العربية بمتوالية هندسية في كل يوم يصبح من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، على شخص واحد ملاحقة كل الكتابات المدرجة في الفضاء الإلكتروني وتمحيص ما يرد فيها تِـباعا من قضايا وهموم، منذ بدء حركة التدوين العربي حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا الإدراج.

وإذا كانت مشاكل عالمنا العربي قد أخذت وقتا طويلا من الزمن حتى تفاقمت وتعقدت على النحو الذي هي عليه في الواقع فإنها لم تحتج إلا لسنوات معدودة على رؤوس الأصابع لتنتقل من مستواها الواقعي ذاك الراسخ على الأرض العربية بالأسباب والنتائج إلى مستواها الثاني الافتراضي، وهذا بعد أن انتشرت حُمى التدوين الرقمي في الأوساط العربية المختلفة كانتشار النار في الهشيم.

ولكن، قد يجدر بنا مع هذه السرعة الفائقة التي تم بها هذا الانتقال، احتساب فارق الزمن الافتراضي الجزافي الزائد عن حساب الزمن العادي في حياتنا الطبيعية؛ لأن هذا التدوين سيبقى معروضا في الرواق الإلكتروني الشاسع محلقا في السديم الافتراضي الممتد بلا بداية ولا نهاية بين السماء والأرض لزمن آخر بعيد عن إدراكنا، وذلك ما بقيت أسماء المدونات العربية ومدرجاتها ثابتة في مكانها ومواقعها على الشبكة العنكبوتية يُستدل على وجودها بالعناوين الإلكترونية وبمحركات البحث، حتى وإن اختفت أسبابها وآثارها من الواقع ومن نفوس أصحابها.

ومن هنا قد يصح لنا أن نعتبر مشاكل التدوين العربي منفردة أو مجتمعة جزء لا يتجزأ من مشكلات حقيقية واقعية موزعة بمقادير تكاد تكون متساوية على مجمل الأوطان العربية.

ولو ألقينا نظرة سريعة على مجتمع مدونات موقعي (مكتوب) و(جيران) فقط، لتبين لنا بالدليل القاطع أن الوطن العربي الافتراضي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر المدونين بالسهر والحمى وبالأنين والشكوى… !!

وعموما، فإن موضوعات التدوين العربي على اختلاف مستوياتها وطرق معالجتها بالكلمة أو بالصوت أو بالصورة ستظل من أهم المؤشرات الرقمية الحديثة التي يمكن أن تدل بوضوح وبصراحة على حقيقة الواقع العربي الراهن في كل تناقضاته وإحباطاته وأحلامه وتطلعاته مما قد لا تستطيع أن تظهره قنوات التواصل والإعلام الكلاسيكية المحسوبة على أجهزة الدولة إلا بطلاء التعتيم والتمويه، أو بسلسلة من عمليات المسخ والتشذيب والتركيب والتجميل للمزايدة أو المصادرة على المطلوب، من باب الاحتياط الزائد عن الحاجة، وتجنبا لكل ما من شأنه أن ….

وربما قد آن الأوان ليُعول أيضا على مجهود كثير من المدونين الذين قطعوا أشواطا متميزة في حقل التدوين الجيد المحكم كمحطات مرجعية لاستكمال دوائر البحث العميق المتخصص في مجال تحليل خطاب العربي المعاصر، خاصة وأن معظم المدونين الأصلاء يصدرون في الغالب الأعم عن دوافع حقيقية صادقة تضطرهم للبوح والتعبير، وهذا ما يفتقر إليه في الغالب الأعم كل تعبير أو كلام مأجور.

ومما لا شك فيه أن حل أي جزء من المشاكل الحقيقية العربية على أرض واقعنا الحقيقي يتبعه بالضرورة أثر مماثل على مستوى واقعنا الافتراضي، مما يؤدي إلى مزيد من الانفراج في الفسح الافتراضية وفي الزوايا التي يطل منها المدونون ببصرهم وبصيرتهم على عموم الناس قراء وزوارا ومعلقين.

فلو حُلت أزمة الديمقراطية في الوطن العربي مثلا أو قضية فلسطين أو العراق أو لبنان لوُضع عن كاهل المدونين العرب عبء كبير، ولعاد إليهم قدر كبير من الهدوء والاتزان والصفاء والتوافق مع النفس والمحيط والعالم..

كما يمكن أن نعتبر التدوين العربي في هذه المرحلة القصيرة التي اجتازها بكثير من الحماس والشغف والرغبة الملحة في التنويع والابتكار، بالإضافة إلى ما يَحْبـُل به في كل يوم من قضايا وشجون، حدا وسطا بين ثقافة النخبة وثقافة العامة، وبين ثقافة التعليم النظامي في المدرسة والجامعة وثقافة الشارع العمومي والتلفزيون، وبين ثقافة الكتب والمنشورات الورقية وثقافة الإعلام والوسائط الإلكترونية، وبين ثقافة الشيوخ والآباء وثقافة الأبناء والأحفاد، وبين ثقافة المتحررين المنطلقين بلا حدود ولا قيود وثقافة من يمشون على طريق لا عوج ولا أَمْـت فيها حذو النعل بالنعل، وبين ثقافة من يلوح بالسيف والدم ومن يلوح بالبوح والألم…. الكل في عوالم التدوين الافتراضي يسعى جهده ليدفع أو يدافع، ولينتقد أو يندد، وليقترح أو يوضح، بعد أن يحرق قدرا لا يستهان به من الوقت والطاقة والأعصاب.

وبعبارة أخرى افتراضية فقد أصبح التدوين العربي أهم وعاء ثقافي لفهم حقيقة العالم العربي من الداخل والخارج، ومن الأعلى ومن الأسفل، ومن اليمين واليسار ومن كل الأنحاء والاتجاهات. وإن بدا هذا الوعاء في بعض الأحيان أشبه ما يكون بالمرايا المقعرة نرى فيها أنفسنا ويرانا فيها الآخرون بأشكال غير الأشكال وأحجام غير الأحجام وألوان غير الألوان.

ليست هناك تعليقات: