الأربعاء، 13 فبراير 2008

كشكول شهر رمضان 5

كتب يوم الثلاثاء,تشرين الأول 10, 2006

حديث الأعراب :
الورقة الأولى: مقدمة عامة

عندما تذكر كلمة (الأعراب) ينصرف الذهن بسرعة إلى قوم بدو عرفوا بخشونة في العيش، وغرابة في اللغة، وصراحة في الخطاب، وصلابة في المواقف. إذ يمكن أن نميز في أخلاق الأعراب وطباعهم وأفعالهم وأقوالهم كثيرا من ملامح التناقض والاختلاف البين بين حياتهم وحياة الأفراد العاديين( المتمدنين)، ومن هنا تتولد كل مفارقاتهم وعجائبهم وغرائبهم.

ويمكن أن نفسر سبب اختلاف طبيعة نظرة الناس إلى الأعراب أيضا بحسب أصولهم ودرجة انتمائهم إلى البادية، وإن كان مفهوم البادية الآن قد أخذ طريقه إلى الزوال التدريجي بسبب زحف العمران والإسمنت والإسفلت، وبسبب رياح العولمة القوية التي تجتاح السهل والوعر، والتل والمنحدر.

ومن الناس من يعتبر الأعراب والبدو عموما مصدرا لكل نادرة مضحكة وفكاهة ملهية، كما هو الحال ببلادنا المغرب فيما يروى من مفارقات ونوادر ونكت (العروبية)، أو طرائف (الصعايدة) المصريين المشهورة، مثلا.

ومنهم من اعتبرهم مصدر كل ذخيرة معرفية أصيلة صالحة للمقايسة والمعايرة؛ فنحن نعلم أن كلام العرب في نحوه وصرفه ووزنه وعروضه قد تمت معايرته بكلام الأعراب في البوادي البكر التي لم تكن قد تطرقت إليها بعد شوائب الحضارة الطارئة.

وقد تكبد أهل اللغة كثيرا من المشاق والعنت من أجل جمع شتات اللغة من أفواه كثير من الأعراب والأعرابيات قبل مرحلة التدوين والتأليف، وقبل ظهور مدارس النحو العربية السماعية والقياسية.
ومهما اختلفت وجهة نظر الناس حول قضية الأعراب، فإن الخائض في موضوعهم لابد أن يخرج بفائدة ما…

وقد استوعب الأسلاف أنفسهم القيمة الدلالية الكبرى لحقيقة الأعراب في الوجود العربي المادي والمعنوي، لما تمثله من مرجعية ومصداقية وأصالة؛

ـ فقد روي عن أبي أمامة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: (إن الله عز وجل ينفعنا بالأعراب ومسائلهم).

ـ وقال الجاحظ المعروف بتتبعه لطرائف البشر على اختلاف طبقاتهم وألوانهم ومشاربهم عن الأعراب: ( إنّه ليس في الأرض كلامٌ هو أمتَعُ ولا آنَق، ولا ألذُّ في الأسماع، ولا أشدُّ اتصالاً بالعقول السليمة، ولا أفَتَقُ للِّسان، ولا أجودُ تقويماً للبيان، مِن طول استماعِ حديثِ الأعراب العقلاء الفصحاء، والعلماءِ البلغاء).

ـ واشترط الجاحظ أن يروى كلام الأعراب كما هو، فلا يغير أو يحور عن أصله مهما كان فيه من وعورة وغرابة، يقول: ( ومتى سمعتَ - حفِظك اللَّه - بنادرةٍ من كلام الأعراب، فإيّاك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارِجِ ألفاظها؛ فإنَّك إنْ غيَّرتَها بأن تلحَنَ في إعرابها وأخرجْتَها مخارجَ كلام المولّدين والبلديِّين، خرجْتَ من تلك الحكايةِ وعليك فضلٌ كبير).

وقد كانت سليقة الأعراب اللغوية هي منهجهم الطبيعي المتأصل في تمييز صحيح الكلام من فاسده؛ وجيده من رديئه، وقد حكى الأصمعي قصة تؤيد ما نذهب إليه فقال:
كنت أقرأ السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ فقلت كلام الله قال: أعد. فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله!! فانتبهت فقرأت: “والله عزيز حكيم”. المائدة 38 . فقال أصبت، هذا كلام الله !! فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. فقلت: فمن أين علمت؟ فقال: يا هذا؛ عز فحكم فقطع، فلو غفر ورحم لما قطع !!.

ومن طرائف الأعراب التي تدل على صراحتهم الفطرية أن أحدهم سمع قارئاً يقرأ القرآن حتى أتى على قوله تعالى: “الأعراب أشد كفراً ونفاقاً”. “التوبة: 97″، فقال: لقد هجاناً. ثم بعد ذلك سمعه يقرأ: “ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر”. “التوبة: 99″. فقال: لا بأس، هجا ومدح.

يتبع …

ليست هناك تعليقات: