الأربعاء، 13 فبراير 2008

حدود الجرأة في التدوين العربي 2

كتب يوم الثلاثاء,تشرين الثاني 07, 2006

ــ الورقة الثانية: جاذبية التدوين وجاذبية القراءة بخصوص قضايا الجنس

إن نظرة سريعة على نتائج محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، تثبت أن موضوعات الجنس والحب والغزل والغرام والتعارف، وما يدور في معناها، هي الأكثر تداولا في بيئة القراءة الخاصة بالمدونات. ويكفي أن تدخل على محرك كوكل العملاق بواحدة من هذه الكلمات أو بمشتقاتها أو بمرادفاتها الكثيرة لتتأكد من النتيجة بنفسك.

وما ينطبق على المدونات قد ينطبق أكثر على المواقع والمنتديات، لأن زوار المواقع والمنتديات يكون، في العادة، أكبر من زوار المدونات بأضعاف مضاعفة؛ فعمل الموقع أو المنتدى وراءه مجهود جماعي وتقني هائل، وفوق ذلك فهو مدعوم بوسائل الإشهار والإسناد المادي والمعنوي من قبل الشركاء المتعاملين معه.

أما المدونة فتبقى عملا فرديا محدودا بالوقت والجهد والإمكانيات، مهما كان شأن صاحبها في الاطلاع والمعرفة، وفي قوة الأداء والتعبير، وفي التفوق التقني عند التصميم والإعداد لمواد مدونته.

وقد لا يخفى على القراء الكرام الصدى الكبير الذي خلفته موجة ما سمي ب ( السعار الجنسي ) التي ضربت بعض شوارع مصر، على حركة التدوين العربي طيلة الأيام القليلة الماضية التي أعقبت شهر الصوم. بل لازال الحديث عن هذه الظاهرة الغريبة الشاذة مستمرا ومتفاعلا إلى هذا الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور.

وكانت بعض المدونات المصرية سباقة إلى رصد أثر تلك الموجة في الشارع المصري، منذ اللحظة الأولى قبل أن تنتبه إليها المواقع والمنتديات والصحف، وبعض المحطات الفضائية المحدودة.

ومما يلاحظ أن المدونات التي تطرقت إلى موجة السعار تلك قد عرفت ارتفاعا ملموسا في عدد الزوار. حتى إن بعض جهات التعتيم المعترضة اتهمت تلك المدونات بالاختلاق والتزيد، بعد أن شككت في صحة وجود حادثة التحرش الجماعي في الشارع المصري أصلا، وأن الأمر لم يكن إلا محض ادعاء من قبل بعض المدونين للفت الأنظار، وجلب أكبر قدر ممكن من الزوار لمدوناتهم. انظر، على سبيل المثال، هذا الرابط

وقد كان بإمكاننا أن نتجاوز الحديث عن هذا الموضوع الساخن الذي يكثر تداوله الآن لولا دخوله ضمن السياق العام لهذا الإدراج، كما أنه يؤكد لنا الحقيقة التي أوضحناها منذ البداية؛ وهي أن الإقبال على مدونة ما يكون، في الغالب، مرتبطا بواقع القراءة الإلكترونية السائدة، وبواقع تعامل القراء العرب مع محركات وفهارس البحث الرقمية.

وإذن، فلا شك أن مؤشر القراءة الإلكترونية أصبح اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، يميل كثيرا لصالح موضوعات الجنس ومشتقاته، خاصة بعد هذه الثورة الجنسية الخطيرة التي تجتاح العالم بأسره، وبعد حركة الجنوح الجنسي الجماعي الشاذ في صفوف النساء والرجال على حد سواء، حتى صار الجنس كأنه البوصلة الأولى التي تحدد اتجاه معظم القراء، قبل السياسة وقبل الاقتصاد وقبل قضايا الفكر والأدب، وذلك لحظة إقبالهم على بيت الأنترنت العنكبوتي، عبر بواباته ونوافذه، وعبر شباكه وحبائله.

ولكي تتضح هذه الحقيقة أكثر في الأذهان أضرب مثالين آخرين أضيفهما إلى حادثة السعار الجنسي التي أسالت مدادا كثير على صفحات المدونات العربية، وشدت انتباه كثير من القراء إليها.

المثال الأول: واقع التدوين النسائي وصلته بقضايا الجنس في عالمنا العربي:
إن واقع التدوين النسائي ربما اختلف، قليلا أو كثيرا، عن واقع التدوين الرجالي، ليس لما قد يتوهمه البعض من تفاوت بين عقل المرأة والرجل، وإنما لما يحيط بواقع النساء المُدَوِّنات في عالمنا العربي من ملابسات؛

فهناك مدونات نسائية شيقة ومفيدة، بل إن بعض المدونات النسائية متفوقة كثيرا على مثيلاتها الرجالية من حيث الصراحة والجرأة، ومن حيث جوانب الفهم والتفكير والتعبير. والدليل الباهر على ذلك أن عدد المدونات النسائية المرشحة للإقصائيات النهائية لمسابقة ال( bobs) لهذا العام أكبر من عدد المدونات الذكورية، وهذا بغض النظر عن دوافع وخلفيات هذا الترشيح طبعا.

ومما يجدر التنبيه إليه أيضا بخصوص هذه المسابقة أن معظم تلك المدونات النسائية المرشحة للفوز بجائزة التدوين مصرية.

كما يلاحظ أيضا، وهذا مما له صلة بسياق الموضوع، أن تلك المدونات المرشحة قد بلغت حدا كبيرا من الجرأة في تناول قضيتين متباعدتين: قضية المعترك السياسي من جهة، وقضية معترك البوح النسائي المحظور من جهة ثانية. ومن هنا يبدو لنا التلازم الكبير بين السياق الجنسي والسياق السياسي في التدوين النسائي. ربما لأن كليهما يحتاج إلى أنواع جديدة من الجرأة والاختراق لم تعهد من قبل في دنيا النساء، ويبدو أنه قد آن أوانها، أو لنقل: إن ظروفها العامة مهيأة لذلك.

ولم تقف بعض المُدَوِّنات عند حدود الكشف عن ذاتهن من الخارج ونفسيتهن من الداخل، بصراحة مفضوحة، بل تجاوزن ذلك كله إلى الكشف عن جسد الرجل من الداخل والخارج أيضا بشكل مثير جدا، وهكذا عَـَّرين هذا الرجل كما كان يـُعريهن هو، من قبل ولا زال، من خلال الفعل أو الكلام أو الأدب أو الرسم أو النحت أو السينما أو التلفزيون أو الإشهار وهلم عريا…..

ففي مدونة الحرملك مثلا التي وقعتها صاحبتها المصرية باسم زبيدة، وهي من بين المدونات المرشحة للإقصائيات النهائية ل(bobs ) أيضا، ولهذا السبب عينه استشهدنا بها، نجد مساحة مكشوفة للحديث عن قضيب الرجل. ومادة القضيب، لغويا، من المواد التي يهتز لها محرك كوكل العربي بسرعة فائقة.

ولنا أن نتخيل عدد القراء العرب المهوسيين بالجنس الذين يمكن أن يقودهم الشيخ كوكل إليها( نقصد هنا مادة القضيب اللغوية)، سواء في مدونة الحرملك هذه أو في كثير من المدونات النسائية والرجالية الأخرى، لانريد الإفصاح عنها حتى لانتهم بالتشهير أو التغرير.

وكل ذلك فقط بسبب وجود مادة القضيب ضمن صفحة من الصفحات الإلكترونية التي تهتز لها حساسية الشيخ كوكل قبل أن تهتز لها مشاعر القراء الذين قد يدلهم عليها.

ثم، لك عزيزي القارئ، بعد هذا الذي قلناه، أن تختبر ما تشاء من مواد الكلام الأخرى المتعلقة بدنيا الجنس والغرام عند اختبارها وعرضها على محركات البحث العملاقة وتقيس النتيجة بنفسك.

ولكن، ومع هذا الإنجاز المبهر الذي استحقته نخبة من المُدَوِّنات العربيات عن جدارة واستحقاق، بعد ما أبدينه من جرأة في اقتحام جدار الصمت الذي يفصل عالم النساء عن عالم الرجال في واقعنا العربي، تبقى فئة أخرى من المُدَوِّنات العربيات المغلوبات على أمرهن. فهن لا زلن يعانين لعنة التحرش الجنسي في واقعهن الحقيقي وفي واقعهن الافتراضي على حد سواء. وقد لحقتهن إلى مدوناتهن أيضا، ولا زالت تطاردهن وتراودهن عن عقلهن وأنفسهن؛ وذلك من خلال التعليقات الرجالية المستفزة البعيدة عن موضوعاتهن المدرجة رغم أهميتها العلمية أو الفكرية أو الأدبية بالنسبة لكل عاقل حصيف منصف، أو من خلال المعاكسات الشخصية المزعجة التي تصلهن عبر بريدهن الإلكتروني.

المثال الثاني: تجربتي الشخصية في التدوين عندما خضت في الكلام عن الحب والعشق:
فقد سبق لي أن أدرجت بتاريخ 18 يناير/ كانون الثاني، من سنة 2006 موضوعا تحت عنوان: (كلمات في الحب والعشق) ضمن فئة: (حديث المرأة والرجل)، على موقعي الأصلي ضمن مدونات (مكتوب). وهذا رابطه.

وأدرجت نفس الموضوع، بنفس العنوان، على نسخة أخرى لمدونتي هذه على موقع ( blogs.ma)، بتاريخ:5 مايو/ أيار من سنة 2006، ضمن نفس الفئة أيضا، وهذا رابطه. ( حذفت هذه المدونة على هذا الموقع لسبب أجهله).

ومما ينبغي التنبيه إليه بخصوص هذا المثال الثاني، حتى نضع الأمور في سياقها، ويفهم القارئ الكريم المغزى الذي نقصد إليه، أن لهذا الموقع خاصية غير متوفرة في موقع مكتوب؛ إذ يوفر لكل إدراج عدادا خاصا بالزوار، بحيث يعطيك فكرة عن نوع الإدراجات والموضوعات الأكثر رواجا وتصفحا في مدونتك، إما بطريقة مباشرة، وإما عبر محركات البحث الكثيرة.

ومع أن مواد العنوان أعلاه ( كلمات في الحب والعشق ) أقل إثارة من مادة ( القضيب) التي وردت في مدونة الحرملك السابقة فالنتيجة تكاد تكون واحدة. وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن حديثي في هذا الموضوع لم يتعد العنوان،أما الباقي فهو كلام تراثي مشرق عن هذا الموضوع، في جوانبه العاطفية السامية، ويتجاوز بكثير واقع الإثارة الحسية المباشرة، بل ويتنزه عنها ليرتقي بالنفس إلى مدارج الكمال.

ولكن، لم يُفهم المغزى العميق من هذا الإدراج من لدن معظم القراء، وبدا لي أن هذا الإدراج كان في واد وأن التعليقات عليه كانت في واد آخر. وقد حافطت على تلك التعليقات، في الموقعين معا، لأجل هذه الدراسة، وحتى يكون قارئ هذه المدونة على بينة من حقيقة الأمر.

ولكن، عليك أيها القارئ الكريم، بعد هذا التوضيح، أن تقوم بمقارنة بسيطة بين عدد زوارهذا الإدراج الذي يحمل العنوان أعلاه وبين عدد زوار باقي إلإدراجات الأخرى، وتستعرضها بعناوينها المختلفة ومضامينها المتباعدة على موقع: ( blogs.ma) ليتضح لك الفرق الشاسع في عدد الزوار بين هذا الإدراج أو ذاك، وبين هذا الإدراج موضوع الدراسة، على الخصوص، الذي أخذ قسمة الأسد من عدد الزوار ومن عددالتعليقات أيضا.

وهكذا يتبين لنا، بما لايدع مجالا للشك، أن واقع القراءة في عالم الإنترنت محكوم بدوافع قبلية قابعة في نفوس القراء. وهي تفعل فعلها السحري الخفي، بعيدا عن أنظار معظم المدونين، في تقرير مصير هذا الإدراج أو ذاك، من حيث مستوى الإقبال عليه أو الإعراض عنه، مما قد لا تكون له علاقة ما بتوجه المدون، أو بمقياس الجودة والرداءة.

وإذن، ومن هنا، فلينظر المدونون في أمرهم، وليعدلوا من استراتجياتهم ومناوراتهم، إذا ما افترضنا أن واقع التدوين العربي مجرد لعبة سخيفة بين كاتب عربي افتراضي حتى النخاع وبين قارئ عربي واقعي بامتياز.

وفي نهاية هذا الموضوع نخلص إلى أن واقع القراءة الافتراضية في عالمنا العربي، اليوم، ربما هو أبعد ما يكون عن طموح الكاتب الافتراضي الجاد وعن مقاصده السامية النبيلة، على الأقل كما استنتجت أنا ـ العبد الضعيف ـ من تجربتي المتواضعة في التدوين، وقد أشرفت على نهاية عامها الأول. ( فلا أحد يمكنه أن يفهم حقيقة المدونين غير المدونين أنفسهم ).

وأهل التدوين والمدونات جميعا على موقع (مكتوب) المحترم وغيره من المواقع المستضيفة لنا أدرى بشعابهم وأعرف بحالهم، وإليهم جميعا وإلى أصدقائي منهم الأوفياء المخلصين، وإلى جميع القراء المميزين، وإلى جنود الخفاء في هذا الموقع الساهرين على سلامة موقعنا ومدوناتنا، من إداريين وتقنيين، أهدي هذا الإدراج المتواضع، عربون مودة وتقدير، مع خالص تحياتي للجميع.

ليست هناك تعليقات: