الاثنين، 28 ديسمبر 2009

مدونو الإنترنيت.. كتاب اليوم والغد.

بالأمس القريب جدا كان من الصعب أن يظهر أحدنا على جمهور القراء إلا من خلال نشرة ورقية مكلفة للمال والجهد والوقت.

ولم يكن الطريق سهلا على أي كاتب ورقي مبتدئ ليُعرف بين عموم القراء معرفة أولية قبل أن يعلو سهمه قيلا أو كثيرا في سوق المطبوعات والمطويات ويشار إليه بالبنان.
فإن لم يكن مدعوما بالوساطة والمال ويئس من اكتساب ود القارئ اضطر إلى إقبار بنات أفكاره قسرا داخل خزانة محكمة الإغلاق حتى يقيض الله لها ناشرا يبعث فيها بعض دماء الحياة من جديد، على قدر ما يسمح به واقع النشر العربي الموبوء بأمراض الفرقة والتخلف والمحسوبية والزبونية।

أما اليوم وبفضل نعم التكنولوجيا، وبعد أن فتحت أبواب السماوات الافتراضية على مصراعيها أمام الصغير والكبير، والجاهل والعالم، والغني والفقير، فقد رُفع عن جميع المدونين الحالمين التواقين الحرج، وانتفت كل الأسباب القوية وغير القوية لوأد بنات أفكارهم الكبيرة داخل جماجمهم الصغيرة।

وأنت تقلب صفحات الإنترنت تمر أمامك عينيك آلاف المدونات والصفحات الإلكترونية من كل لون وحجم وصنف، يبهرك ذالك المجهود الرائع المتجدد الذي يبذله أصحابها في وضع العناوين، وفي التنسيق وفي التخطيط والتصميم।

قد يتناقض في كثير من الأحيان محتوى المواد المدرجة داخل مدونة ما مع شكلها الفني المبهر، فتشعر أن صاحب هذه المدونة منشغل أكثر بالطلاء والألوان، ولذلك فهو لا يكتب بضع كلمات حتى يضع إلى جانبها عددا هائلا من الأيقونات والصور، وكأن أبجدية الحروف المكتوبة ما عادت تكفي في زمننا هذا للإفهام والإبلاغ।

ولكن، هناك مدونات أخرى قد استغرقها الحرف جملة وتفصيلا، وغاص أصحابها بواسطته فقط، ومن غير استنجاد بالصور، على أفكار لؤلؤية فيها قدر كبير من اللمعان والإشراق والقوة والعمق، وكأن أصحابها قد خرجوا توا من رحم الإبداع، فحرارة المخاض الإبداعي تنبعث بين كلماتهم وحروفهم كما الخبز الطازج الطري الذي خرج توا من الفرن حين تقسمه نصفين।

لا أستطيع أن أنكر على نفسي أنني صرت أستفيد وأستمتع بقراءة المدونات، وقد صارت قراءة المدونات لدي عادة। وفي كل يوم يسعفني صيد الإنترنت باكتشاف المزيد منها.

غير أن الإبداع الرقمي الجيد وإن عز وجوده ضمن هذا الركام الهائل من التراب والغبار الافتراضيين يبقى علامة مضيئة تهدي درب السالكين فيه من كل فج عميق، يتسللون إليه لواذا عبر محركات البحث لا محركات السيارة أو نعال الأقدام حين تقودهم إلى كشك صحف وجرائد ومجلات منتصب على قارعة الطريق، أو مكتبة ورقية مهجورة داخل دروب المدينة العتيقة، وقد ضربت عليها العنكبوت بنسجها.
فهل آن الأوان لكي يستحق بعض مدوني الإنترنيت المتميزين صفة أدباء وشعراء وكتاب ومبدعي اليوم قبل الغد، خاصة وأن التدوين ابن اليوم والساعة، وتواريخ كل ما هو مدرج في واقع الكتابة الافتراضية صارت له بمثابة شهادة الميلاد।
لا شك أن التراخي الزمني في الكتابة والنشر الورقيين قد ولى، وأن طفرة الإبداع الرقمي الجديد صارت تحسب بالدقيقة والثانية।

وقد يكفي أن أرسل هذا الإدراج، بعد أن فرغت منه في هذه اللحظة، على الشبكة العنكبوتية من غير حاجة إلى متعهد أو ناشر، بمجرد ضغطة زر واحدة أقل في حساب الزمن من طرفة عين، لتنتقل ملكية هذا الإدراج إلى كل قارئ افتراضي قريب مني أو مقيم في منطقة نائية.

الأحد، 27 ديسمبر 2009

عالمك عند أطراف أصابعك… !!

لم يحدث في أي عصر من عصور المعرفة الإنسانية السابقة أن كانت الجماجم البشرية، بما ضمت من فكر وشجون وخيال، متصلة مع بعضها البعض كل هذا الاتصال، ومجتمعة كل هذا الاجتماع على جد أولهو، ومتفقة كل هذا الاتفاق على صلاح أوفساد وعلى رشد أو ضلال.

فما أروع طفرة الإنترنت التي نعيشها اليوم، وما أقدرها على كل هذا الاستيعاب المباح المتاح على مدار الساعة والوقت، من النقيض إلى النقيض، ومن الأقصى إلى الأدنى، ومن الرفيع إلى الوضيع ومن التقي إلى الخليع…!

لقد اختزلت العوالم الافتراضية كل العوالم الأخرى الكبيرة المتعددة المؤتلفة والمختلفة في عالم واحد متناهي الصغر يُستكنَه فقط بالسمع والبصيرة والبصر.

ولقد قرنت في نطام واحد مجهودات كل العقول والقرائح والأحلام والأوهام البشرية المتفرقة السابقة والحالية في جوف افتراضي واحد جامع مانع لاقرار له ولا أول له ولا آخر.

وقد جعلت كل المسافات الطويلة والقصيرة الآن عند أطراف الأصابع، وفي متناول اليدين بدل السعي بالقدمين، من غير حاجة إلى بذل أدنى جهد عندالحركة والانتقال من مكان إلى مكان.

إننا نعيش حالة من الديموقراطية المعرفية الافتراضية الفوضوية اللذيذة بكل مذاقاتها الشهية والمقززة في بعض الأحيان، غير أنها لاتحتاج كي تنتظم إلى خطيب منبري مُفوه أو صاحب سيف أو جاه أو سلطان.

وكل واحد منا يعيش هذه الحالة الديموقراطية الافتراضية على هواه حين يغوص أو يرخي شباك صيده في بحار الأنترت العميقة أو الضحلة.

السبت، 26 ديسمبر 2009

سر الغمازات الضوئية على الطرقات المغربية

تستخدم غمازات السيارة في العادة للتنبيه، فالضوء الكشاف المسلط علينا من الأمام أوالخلف علامة انتباه قوية تحفز بسرعة على العودة إلى الوضع السليم على الطريق عند الغفلة أو الشرود।

ولكن لاستخدام الغمازات الضوئية مآرب أخرى تتعدد وتتلون بحسب اختلاف المغاربة في السلوك والثقافة والمهن ووسائل العيش.
وهكذا يتحول وميظ الكشافات المتقطع والمتموج والسريع والبطيء إلى إشارات ورسائل كثيرة تفيض بالمعاني والدلالات مما قد يستدعي رسالة سيميولوجية خاصة।

غير أن مرجعية تلك الدلالات والإشارات تبقى محصورة بين أصناف مستعملي مختلف الطرق المغربية السيارة وغير السيارة في هذه الجهة أو تلك؛ فلأصحاب شاحنات نقل البضائع علامة ضوئية مخصوصة، ولأصحاب التهريب ترميز ضوئي آخر ربما يكون أكثر تعقيدا والتواء، وللخطافة وأصحاب النقل البشري السري في القرى والمداشر علامة ضوئية أخرى تتناسب مع طبيعة سياراتهم المهترئة، بل وحتى لأصحاب السيارات المخملية الفارهة ذوي الوسامة والوجاهة والمكانة العالية…

ولكن مهما تعددت وتنوعت لغة الغمازات الضوئية لدى المغاربة عموما بحسب الوظيفة أو الصنعة أو المكانة أو الجهة فإن لهم إشارة واحدة تفهم بحسهم الغريزي الواحد الذي يجمعهم ولا يفرقهم. وفحوى تلك الإشارة يقول: بالقرب منكم في هذا الاتجاه أو ذاك وفي هذا الطريق أو ذاك يكمن رجال الدرك أو الشرطة، خلف شجرة أو خلف رابية.

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

نخيل المغرب يزهر في موسم الشتاء

من يتطلع إلى شماريخ نخيل مدينة مراكش في أيام الشتاء هاته يلاحظ أمرا خارجا عن مألوف طبيعة أشجار النخيل؛ فقد خرجت عراجينها المزهرة قبل وقتها المعتاد بثلاثة أشهر أو أكثر. إذ المألوف والمعروف عن النخيل أنه لا يزهر إلا مع بداية شهر مارس أو أبريل.

وكنت أعتقد أول الأمر أن هذه الظاهرة محصورة في نخيل مراكش لعلة مرضية، غير أن الروبرتاج الذي بثته قناة المغرب الثانية في نشرة الظهيرة ليوم أمس أكد لي أن هذه الظاهرة الغريبة تعم نخيل المغرب كله। وحتى مزارعو النخيل في مناطقه المشهورة بالمغرب كزاكورة والراشيدية قد استغربوا لهذا الأمر وانتابتهم شكوك كثيرة حول مصير غلة نخيلهم المرتقبة. فمن الممكن أن تتأثر تلك الغلة المبكرة جدا برطوبة الشتاء، فالنخيل بأي أرض كان يحتاج إلى عدد معلوم من الأيام المشمسة جدا حتى ينضج على نحو جيد، والرطوبة الزائدة إن لم تتلف ثماره فقد تحد من جودتها.

ترى ما السبب في هذا التحول العجيب في الساعة البيلوجية لنخيل هذا العام؟ هل الأمر يعود إلى بداية خلل غير طبيعي في مناخ الأرض يمكن أن يقلب حياتنا على هذا الكوكب رأسا على عقب، حيث كل شيء يصير بالمقلوب॥ !!

وبعض خبراء الزراعة الذين تم استجوابهم قالوا عن الظاهرة إنها استثنائية لكنها قد تصبح ممكنة وطبيعية إذا ما توفرت لها الظروف الملائمة، خاصة وأن المغرب قد شهد السنة الماضية أمطارا قياسية أعقبتها حرارة صيفية قياسية أيضا مما حفز شجر النخيل على هذا الإزهار المبكر غير المعتاد।

وأنا أقلب صفحات الإنترنت وجدت هذا الموضوع المفيد عن النخيل، وهذا رابطه لمن يريد الاستزادة حول موضوع شجرة النخيل والعمليات الزراعية المرتبطة بها.

الخميس، 24 ديسمبر 2009

ويسألونك عن العلل والأسباب الافتراضية…. !!

لكل علة افتراضية سبب مزمن أو طارئ. وقد طال اغترابي وبعدي عن العوالم الافتراضية حتى يئست من الرجوع إليها بعد أن تبدد شملي الافتراضي وذهب كل واحد من أصدقاء وزوار مدونتي (كلمات عابرة) في سبيله، يرجو دارا غير الدار، ويطرق بابا غير الباب.

وقد بقيت خلال هذه المدة الطويلة أرقب هذه المدونة عن بعد خلسة كأني غريب عنها أو كأني لست ذاك الشخص الأول الذي أسس قواعدها الأولى من عناصر كوننا الافتراضي التى لا تعدو أن تكون دوائر كهربائية وأزرارا وشاشة ضوئية، فكنت بين اللحظة واللحظة كمن يعاين طللا دارسا عصفت به ريح الصحراء الهوجاء ونثرت أشلاءه المتساقطة على الطرقات المتفرقة بعد أن غادره أحباؤه وساكنوه।

والآن، صرت أومن، أكثر من أي وقت مضى، بأن البيوت الافتراضية كالبيوت الحقيقية تماما؛ فإذا ما غادرها أصحابها لبعض الوقت حلت بها الوحشة وأطبق عليها السكون. وربما صارت، لا قدر الله، مرتعا للخفافيش والذئاب والفيروسات التي تنشر فيها الخراب والفساد والدمار، لتغدو أثرا بعد عين، وكأنها ما كانت إلا لتزول.

ولقد ترددت كثيرا في العودة مرة أخرى عبر بوابتي (كلمات عابرة) إلى أصدقاء هذه المدونة القدامى والجدد، ولقد هممت أكثر من مرة بتسليم مفاتيح الولوج إليها إلى سلة النسيان من غير رجعة، وفي أحسن الأحوال إلى عهدة الزمن الافتراضي ليفعل بها ما يشاء؛ فإما أن يحييها عبر محركات البحث أو يحفظها لبعض الوقت في الأرشيف الافتراضي المهمل، حيث تتراكم المدونات على المدونات والمواقع على المواقع، كما هوحال مقبرة سيارات الخردة، حيث العربات المتهالكة يركب بعضها بعضا بدل أن يركبها الناس، وإما أن يرديها ويتلفها إلى الأبد।

وها قد مرت قبل أيام قليلة الذكرى الرابعة على إنشاء هذه المدونة المتواضعة دون أن أنتبه أو أُنَبه إلى ذلك. وأنا هنا لا ألوم أحدا بل ألوم نفسي أولا وأخيرا، فأنا أقر على رؤوس الأشهاد وفي بورصة التداول الافتراضي اليومي بأن هذه السنة الأخيرة من عمر مدونتي كانت عجفاء من حيث العطاء، وذلك بالنظر إلى المقالات القليلة المدرجة فيها، فهي عند العد لا تتجاوز أصابع اليدين فضلا عن القدمين.
وأنا أعتبر هذا الشح نوعا من الكسل الافتراضي الذي ألم بي، إن لم يكن نوعا من تبلد الجوارح والأفكار لدي لأسباب نفسية ولأخرى خارجية عارضة لا علاقة لها بالعوالم الافتراضية، بل تدخل ضمن نكد الحياة اليومية من حولنا التي قد تذهلنا أياما وأياما حتى تحدث غشاوة البصيرة ويصدأ سيف العقل.

وأنا هنا في هذا الإدراج الافتتاحي الجديد، وبعد هذا الغياب الطويل لست بصدد التبرير أو التفسير لحالة هذا الغياب الافتراضي الطويل الذي ناهز ثمانية أشهر كاملة حتى كاد أن يصبح لدي حالة مزمنة…

وقد يكفيني في هذه اللحظة أنني فكرت وقدرت ثم عزمت على الرجوع। غير أنني أشعر كأنني أبدأ من الصفر، فالرؤية لدي غير واضحة، وأناملي لا تطاوعني كثيرا على الاستجابة السريعة عند ملامسة الأزرار ر كما في السابق. فالأفكار لازالت تتفاعل في داخلي وفي كياني، وعسى أن تتمخض في القريب العاجل عن بعض ما يمكن أن يكون مفيدا وممتعا لزوار هذه المدونة الكرام.

الثلاثاء، 19 مايو 2009

هوس التحميل في بيئة التدوين العربي

ربما كان أكثرنا لا يثق ثقة كافية في المحتوى الرقمي المتنوع الهائل لأسباب كثيرة تخص واقع البيئة الافتراضية نفسها وما يحيط بمظانها ومصادرها من شكوك وظنون مرتبطة بطبيعة الأشخاص الذاتيين والمعنويين الافتراضيين أنفسهم أيضا؛ من هم؟ وما حقيقة أهدافهم المعلنة والصريحة وراء نشرهم وقذفهم بهذا المحتوى الرقمي في الطرقات الافتراضية السيارة التي لا تنقطع حركة الجولان الافتراضي بها على مدار الوقت؟.

وبما أن البيئة الافتراضية تقوم في الأساس على مبادئ تنظيمية لوغارتمية غاية في الدقة فإن الوصول إلى أي محتوى رقمي كيفما كان نوعه يبقى سهل المنال عبر محركات البحث التي هي بالنسبة إلى هذا المحتوى الضخم بمثابة المسبار المكتشف لأعماق أعماق بحر النت العظيم؛ فلها قدرة فائقة على التسلل الخفي إلى كل المواقع الافتراضية الصغيرة والكبيرة لرصد محتوياتها القديمة والجديدة وإدراجها على قوائم البحث والفهرسة الآلية بشكل روتيني لا ينقطع.

وتعتبر خاصية التحميل بالإضافة إلى خاصيتي القص واللصق من أهم التقنيات الرقمية للتحكم والتصرف في المحتوى الرقمي وذلك بنقله من حيز إلى حيز داخل البيئة الافتراضية نفسها أو خارجها عند استخدام الذاكرة الخارجية وملحقاتها العديدة من أقراص صلبة وشرائح إلكترونية دقيقة قد يكون بعضها في حجم حبة العدس. ومن أبرز الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في هذا المجال نقل جزء من محتوى موقع كبير إلى آخر أصغر منه، أو حتى إلى منتدى أو مدونة أو مجرد صفحة إلكترونية عادية، والعكس بالعكس أيضا.

وقد لاحظت في الآونة الأخيرة تزايد المدونات العربية المتخصصة في تحميل البرامج الإلكترونية والمحتويات الرقمية المرقونة من كتب ومجلات ومقالات وموسوعات، هذا فضلا عن المحتويات الرقمية المصورة كألعاب الفيديو وأفلام السينما وحتى حلقات المسلسلات التركية والأمريكية قبل أن يحين موعد بثها على القنوات الفضائية العربية بوقت طويل..

ولعل الميزة الأساسية لمثل هذه المدونات التي ليس لأصحابها من فضل إلا في النقل من هنا وهناك أن عدد زوارها يفوق أضعافا مضاعفة عدد زوار المدونات العادية التي يتعب أصحابها في تحرير مضامينهم بمجهودهم الخاص وفق رؤيتهم الخاصة للكون وطبيعة تكوينهم وتجربتهم.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضحالة بيئة التدوين العربي وافتقارها إلى الجدية المطلوبة وغلبة نزعة الفرجة والمتعة والتسلية فيها على الجوانب الجدية التي يمكن أن تؤسس لعهد ثقافي جديد مفتوح المصادر.

وأنا هنا لست ضد تقنية التحميل، ولست ضد تقنية اللصق واللصق، كما أوضحت ذلك في إدراج سابق إذا استثمرت هذه الوسائل المتاحة بسخاء في واقع بيئتنا الافتراضية في سياق هادف منتج يساعد على التكوين الذاتي للمتلقي ويساهم في بناء شخصية الزائرالافترا ضي من الداخل بدل تشتيت انتباهه بالتوافه.

فما أبعد الفرق هنا بين الهدم والبناء، وبين العمق والضحالة. وما أسهل إنشاء مدونة تقتات على الفتات وعلى موائد الغير، وما أصعب إنشاء مدونة تعتصر فيها أفكارك، وتتحف زوارك بعصارة فكرك وزبدة قريحتك!.
ما أسهل أن تكون حمالا كحمار يحمل كتبا وأسفارا لا يفقه من حقيقة أسرارها شيئا!، وما أصعب أن تبني لنفسك بيتا أو مدونة متواضعة بمجهودك الخاص.
فهل آن الأوان لظهور ميثاق شرف للمدونين يحمي حقوق الغير وينصف قلة من المدونين العرب الشرفاء الغيورين على أصالة التدوين وروحه الجوهرية قبل أن يطفح سيل التحميل ويجرف في طريقه كل أخضر ويابس.

الجمعة، 15 مايو 2009

وأخيرا: الأدب الرقمي في مناهج التعليم الجامعي بالمغرب ...!

لا زال تلقين مواد الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعات المغربية مرتكزا في أكثر جوانبه على جهود الأستاذ الإملائية الرتيبة, ولا زالت السبورة الخشبية العريضة تحتل صدارة معظم مدرجات وقاعات التدريس في معظم الجامعات المغربية.

نقول هذا الكلام رغم أن البيئة الافتراضية الأدبية العربية قد عرفت درجة كبيرة من الامتلاء في السنوات القليلة الماضية، بحيث أصبح في الإمكان الآن أن نتحدث عن أدب عربي رقمي له أصوله ومراجعه الافتراضية الخاصة المفتوحة أو المرموزة، وعن متن أدبي رقمي هائل في مضامينه وفي تجلياته الفنية والأسلوبية.وأعتقد أنه قد آن الأوان لمواكبة كل إنتاج أدبي رقمي متراكم أو جديد مواكبة نقدية واعية كفيلة بتمييز جيده من رديئه لتطوير المعرفة الأدبية، ولإنصاف جهود الأدباء الرقميين المخلصين حتى يُعرفوا أكثر، وتجد أعمالهم الأدبية الرقمية طريقها الصحيح إلى الطلبة والباحثين وعموم المهتمين.
وقد عمل مجموعة من الأساتذة في العقدين الأخيرين على اكتساب بعض المعارف الرقمية الأولية التي يتطلبها هذا العصر الرقمي الزاخر العجيب، وأقلها مثلا فتح حساب بريدي إلكتروني لإرسال البريد أو استقباله، ومنهم من تقدم أكثر في مجال التكوين الافتراضي الذاتي، وأثبت عن جدارة واستحقاق حضورا متميزا على الشبكة العنكبوتية من خلال موقع أو مدونة شخصية.

ولكن، ومع كل هذه الرياح الرقمية المتقلبة التي تهب علينا من كل اتجاه وصوب قد تجد في صفوف الأساتذة من لا يمتلك حسابا بريديا، بل ويعاني فوق ذلك من جفوة رقمية مزمنة تجعله لا يطيق التطلع إلى شاشة الحاسوب فضلا عن ملامسة لوحة المفاتيح ومداعبة الفأرة. ولذلك فهو قد يتحاشى الخوض في هذا الموضوع، وربما قدم بين يديه مبررات عدة، وأخفها مثلا أن شعاع الشاشة يضر بعينيه.
ولا شك أن أبناء اليوم من تلاميذ متمدرسين وطلبة جامعيين غير أبناء الأمس، وهم أكثر إقبالا على الانخراط التلقائي في البيئة الافتراضية من آبائهم وأجدادهم.

والسلاح الرقمي الذي يحمله التلاميذ والطلبة إلى حجرات المدرسة ومدرجات الجامعة في جيوبهم ومحفظاتهم منوع ومشكل بين هاتف محمول وذاكرة فلاشية رقمية، وأجهزة أخرى إلكترونية للعرض السمعي البصري بغية التثقيف، في أحيان قليلة، واللعب والتسلية في أغلب الأحيان.

ولا زال أكثرنا ـ كتربويين وموجهين ومعلمين وإداريين…ـ يعتبر أن حمل الأجهزة الرقمية إلى حجرات الدرس مجرد إزعاج ومضيعة للوقت، وما فكر أحدنا في يوم من الأيام في كيفية استثمار تلك الأجهزة الرقمية المحمولة استثمارا عقلانيا مرنا في تلقين المعرفة وتثبيتها في عقول المتعلمين اليافعين، بالنظر إلى تعلقهم الشديد بتلك الأجهزة . وهو تعلق قوي ومتغلغل في وجدانهم بحيث قد يزيد حتى عن تعلقهم بأصدقائهم وأقرب الناس إليهم.
والسؤال المهم هنا هو: كيف نجعل مختلف هذه الأجهزة المتوفرة في بيئتنا الرقمية الإلكترونية امتدادا طبيعيا للأقلام والدفاتر والكراريس، ثم كيف سيكون واقع تعليمنا التقليدي المتهالك في السنوات القليلة المقبلة عندما تتجاوز البشرية مستوى التعليم الملقن إلى التعليم التفاعلي، وتنقطع صلة الناس على هذا الكوكب بالدفاتر والأقلام انقطاعا باتا لا رجعة فيه .. ؟ !

وعندما تناهى إلى علمي عزم وزارتنا القائمة على الشأن التربوي والتعليمي ببلدنا المغرب على إدراج مادة الأدب الرقمي في ترسيمة المنهاج التربوي الجامعي الجديد ابتهجت خيرا، واعتبرت هذه الخطوة فتحا جديدا من شأنه أن يضع كليات الآداب ببلادنا على سكة التطور الكوني الجديد، وهي التي بقيت حتى اليوم منغلقة على عوالم التقنية وكأنها تعيش في صحراء قاحلة بين قطيع الجمال وكثبان الرمال.
لكن، واقع التجهيزات المرصودة لهذا المطمح الحيوي قليلة إن لم نقل منعدمة حتى الآن، ليبقى تدريس الأدب الرقمي التفاعلي مجرد حبر على ورق في غياب التجهيزات التقنية الضرورية. وشيء طبيعي أنه لا يمكن تدريس الأدب الرقمي إلا في حجرات رقمية معدة لهذا الغرض، أما أن يدرس الأدب الرقمي عبر السبورة والطبشور فذلك ضرب من المحال.

ومع كل هذاوذاك أعتقد أن فكرة هذا المشروع قد جاءت متأخرة عن مثيلاتها في كثير من بلدان العالم الرقمي المتطور. وربما حكم على مادة الأدب الرقمي بسنوات أخرى من التأخير الإضافي لا يعلمها غير الله تعالى، في انتطار خروج مسلسل الإصلاح الجامعي ببلادنا من التخبط والارتجال، وانعدام التوافق بين الطموحات الكبيرة والإمكانيات شبه منعدمة، وكل ذلك على حساب الوقت الميت الضائع بين تجربة فاشلة وتجربة أخرى اكثر فشلا…

وفي نهاية هذا الإدراج يجدر بنا أن نشير إلى أن الأدب هو الأدب سواء أكان ورقيا أو رقميا، ما دام مستوعبا للتجارب البشرية التي يفرضها تطور الكائنات البشرية من الداخل والخارج وفي المحيطين: الخاص والعام.

الاثنين، 11 مايو 2009

احذر أن تمد أنفك إلى الخارج… !

عنوان هذا الإدراج تحريف للعبارة التحذيرية التي نجدها في ردهات القطارات وحافلات النقل العمومي ببلادنا, وفحواها:( احذر أن تمد ذراعك إلى الخارج).

وأذكر أنني كنت شديد الشغف بتتبع وقراءة مثل هذه العبارات والإشارات التنبيهية التي يمكن أن يصادفها أحدنا في عربة أو حافلة أو قطار، أو حتى في المرافق العمومية ذات الاستخدام العام.
ومن هذه العبارات المستفزة أحيانا: (ممنوع البصق والتنخيم)، (الفرامل قوية تمسك بالمقابض والقضبان)، (لا تتكلم مع السائق)، (ممنوع الخروج قبل الوقوف النهائي للقطار)… وغير ذلك من الأمثلة العجيبة التي تحمل في طياتها كثيرا من الأمراض اللغوية على مستوى بناء الجملة وتركيبها النحوي، وقد نعود إلى هذا الموضوع الطريف بنوع من التفصيل في إدراج لاحق.

وربما أدرك القارئ الكريم منذ الوهلة الأولى السبب الذي أوحى لنا بهذا العنوان؛ ففي هذه الأيام العالمية الموبوءة بأنفلونزا الخنازير، ومن خلال الصور القادمة إلينا من البوابات الحدودية العالمية عند المرافئ والموانئ والمطارات نفهم سبب هذه القيامة التي قامت حول الأنوف المتورمة المزكومة والأجسام المحمومة.

ولم يحدث في أي وقت مضى أن جهزت محطات استقبال المسافرين في كل نقط العبور العالمية بأجهزة الرصد الحراري فائقة الدقة، وهي تنذر بصفيرها كلما رصدت ارتفاعا غير طبيعي في حرارة أحد القادمين أو العابرين ليعم الهلع وتنتشر الفوضى وتقوم القيامة ويعزل ذلك المسافر المسكين سيء الحظ عن العالم الخارجي في المحجز الصحي ويحكم عليه وعلى المرافقين له والمحيطين به بوضع الكمامات وكتم الأنفاس ويسأل سؤال منكر ونكير: من أنت ، ومن أين قدمت؛ هل من بلاد الخنازير أم من بلاد الحمير؟، وماذا قدمت وماذا أخرت؟، وكأنه في يوم الحشر، وكأن زبانية جهنم قد أحاطت به من كل جانب…

حقا إنها لدنيا غريبة أن تتساوى فيها عولمة المعلومات والفيروسات الإلكترونية الفتاكة بالأجهزة الرقمية مع عولمة الأوبئة والجراثيم الفتاكة بالأجساد الآدمية. وأن يكتب على أحدنا أن يكون بين صبح أو مساء في وضع المسجون داخل زنزانة بحيث لا يستطيع أن يمد أنفه إلى الخارج قيد أنملة.

السبت، 9 مايو 2009

عام الحصيدة

من يسافر في هذه الأيام عبر ربوع المغرب ويسير بمحاذاة طرقه السيارة وغير السيارة أو سكة القطار يدرك أنه قد ولج في حصيدة ممتدة بلا بداية ولا نهاية.
ومنذ عقود خلت لم يحدث أن أخذ الفلاحة المغاربة التقليديون والعصريون كامل أهبتهم وعدتهم لموسم حصاد متميز وواعد بالعطاء الكثير كما في هذا الموسم.

وفي الوقت الذي بدأ فيه أسطول الحصاد العصري الجرار يخرج من مخبئه ليزحف في اتجاه الحقول الواطئة لجمع غلال القمح والشعير لا زال للمنجل نصيبه الموفور في التهام ما تبقى من حقول الحبوب المعلقة في أعالي التلال والجبال، وعند منحدراتها الصعبة الضيقة التي تستعصي حتى على حركة الدواب والأقدام فضلا عن عجلات آلة حاصدة أو جرار.

ولا حديث في أوساط الفلاحة التقليدين البسطاء عند التقائهم في أسواقهم الأسبوعية في هذه الأيام إلا عن المنجل والتبانتة(1) والصباعات(2) والتويزة والخماسة والمقاطعية(3) والكاعة والدرسة وهلم جرا….
وقد مضى عهد طويل لم تتحرك فيه حركة (الشوالة) كما تحركت في هذا الموسم. والمقصود هنا بالشوالة حركة حصادة الشمال في اتجاه الجنوب. فمن المعروف أن القمح ينضج في جنوب المغرب قبل شماله. وتلك فرصة لنزوح حصادة الشمال الجماعي في اتجاه الشاوية والرحامنة والحوز أوسوس أو فكيك في اتجاه الشرق للعمل المؤقت في حقول الغير…
وقد تستمر هذه الحركة شهرا كاملا أو أكثر قبل أن تعود جماعات الحصادة التي كانت تتنقل بمناجلها في كل موسم عبر الحافلات والقطارات وحتى مشيا على الأقدام لتوفير ثمن المركوب، لما يعرف به الحصادة في العادة من قوة ومن شجاعة وصبر وتحمل.
وخلال هذه المدة يكسب هؤلاء الحصادة بعض المال يدخرونه لأوقات الشدة، ويكتسبون عادات جديدة في العيش وفي التصرف وحتى في فنون الكلام لهجة وأهزوجة قبل عودتهم إلى قواعدهم سالمين غانمين…

وأذكر جيدا كيف كان يتباهى بعض هؤلاء الشوالة العائدين إلى قريتنا الصغيرة التي تقع في الشمال بما كسبوه من مال وبما جلبوه معهم من تحف بسيطة، تماما مثلما يتباهي اليوم بعض عمالنا في الخارج بما يجلبونه معهم من سيارات فارهة وهدايا، عند عودتهم في عطل الصيف وفي مواسم العودة المقترنة بالأعياد.

وقد لا يستغرب البعض منا من شعار الوزارة الوصية على الشأن الفلاحي بالمغرب الذي أطلقته هذا العام؛ وهو شعار المغرب الأخضر على غرار تونس الخضراء.
وهو شعار قد تم إعلانه خلال معرض مكناس الفلاحي الأخير للاستهلاك الخارجي فقط، وهو لا يعني في الداخل إلا فئة قليلة من كبار الفلاحين الإقطاعيين الذين لا ينتجون في ضيعاتهم العصرية إلا للأسواق الخارجية الغربية التي يصدرون إليها بالعملة الصعبة ما لذ وطاب من عجيب الخضر وغريب الفواكه التي ما وجدت في يوم من الأيام طريقا سهلا أو صعبا إلى مائدة المواطن المغربي المسكين إلا ما يراه عبر وصلات الدعاية والإشهار..
ثم ليبقى وضع غالبية الفلاحة المغاربة المساكين على حاله أو أسوأ بسبب سلوك السماسرة والمضاربين من أصحاب الشكارة الذين يغتنون على حساب الفلاح البسيط والفلاح الأجير كالبق العالق بالبقرة الحلوب يمتص دمها وطاقتها من غير هوادة أو رحمة.

ثم كيف يمكن لهذا الشعار أن يجد له صدى في أوساط عموم المغاربة الذين لم يعرفوا في السابق موجة غلاء كاسحة كهذا العام. إنه وباء الغلاء الفتاك بالجيوب، وأثمان الخضر والفواكه ما عرفت انخفاضا أو استقرار طيلة هذا العام.وقد أصبح مجرد التفكير في حمل القفة إلى سوق الخضر والفواكه مدعاة للحيرة والتخبط والإحباط، فتقدم رجلا وتؤخر أخرى وتفكرمرتين وتساوم ثلاث مرات أو أكثر، وخاصة عندما تدرك أن جيبك قد أصبح خاويا على عروشه قبل أن تملأ ربع تلك القفة الملعونة، وقبل أن تأتي على اقتناء أمهات الحاجات الضرورية لسد رمق الجوع اليومي، من بضعة حبات بطاطس وفلفل وطماطم…أما الفواكه فتلك قصة أخرى…

ترى،هل أصبحت الحصيدة مصيدة لجيوبنا، وماذا يجدي شعار المغرب الأخضر إذا لم تتحول معه موائد الكادعين في هذا البلد إلى ربيع متعدد الأصناف والألوان؟
ــــــــــــ
هامش:(1) التبانة هي الصدرية التي يضعها الفلاح على صدره وكانت تتخذ من جلد البقر أو الماعز لتقيه من الأشواك ومن نباتات الأحراش.
(2) الصباعات يتخذها الحصاد من أنبوبة القصب على قدر أصبعيه: الخنصر والبنصر خاصة لوقايتهما من ضربات المنجل العشوائية.
(3) المقاطع هو المساعد الرسمي للخماس، وتكون أجرته نقدا أوعينا، من جنس حبوب وغلال الموسم

الأربعاء، 6 مايو 2009

فتور الزمن الافتراضي

مع أن الزمن هو الزمن بدقائقه وثوانيه، بليله ونهاره، وبربيعه وخريفه، وببرده وحره وهدوئه واضطرابه غيرأن الناس فيه هم غير الناس في كل مرة؛ فالناس يتغيرون على مدار الوقت والساعة، بل قد يستبدلون جلودا غير الجلود وثيابا غير الثياب وأنوفا غيرالأنوف، وحتى قلوبا وأسماعا وأبصارا … وهلم تغييرا وتبديلا واستعارة من الداخل والخارج والظاهر والباطن। والبشر في تغيرهم في كل وقت وحين كالثعابين عندما تطرح جلدها القديم الذي ضاق بجسمها مرة واحدة في كل موسم فتتركه عالقا بين الجحور الضيقة. أما البشر فييتغيرون ويخطئون ويصرون ويلحون ويحلفون زورا وبهتانا…

والغريب في الأمر أن معظم الناس يعتقدون اعتقادا جازما بأن الزمن هو الذي يتغير وليس هم الذين يتغيرون في كل مرة ألف مرة. ولذلك قد يستطيع أي واحد منا بسهولة ومن غير خوف أو حرج أو حتى استحياء أن يلوم هذا الزمن المسكين أو حتى أن يسبه، ولكنه مع الأسف قد لا يجد الشجاعة الكافية للوم نفسه فضلا عن لوم غيره.
وهذا يذكرني بصنيع بعض الشعراء الجبناء الذين يكتفون في مضمار البطولة الجوفاء بتصويب مدافع هجائهم ولومهم نحو القمر المنير مع أنه بعيد وهادئ ووديع وثابت في مداره لا يتزحزح عنه قيد أنملة.

وقد فكرت بعد هذا الغياب الطويل عن التدوين أن أفتتح سلسلة مقالاتي الجديدة عن التدوين والمدونات بهذا الإدراج الذي جعلته يمعن قليلا في ميتافزيقا العوالم الافتراضية.
وأذكر جيدا أنني عندما التحقت بقافلة التدوين العربي منذ ثلاث سنوات ونيف كنت أحس بأن الزمن الافتراضي حينها كان في أوج إقباله وفي أتم إطلالته بهاء وإشراقا، وقوة وعطاء، وأنه كان يعج بالحركة والصخب والعلاقات الافتراضية المتشابكة التي وصلت في بعض الأحيان درجة عالية من الحميمية والصراحة والشفافية الافتراضية، وذلك من خلال ردود الأفعال وحتى من خلال بعض التعليقات النارية التي ربما دلت على نوع من الحماسة الافتراضية الزائدة لدى البعض.

أما اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت فقد بدأت أحس فتورا وركودا وخمولا وهبوطا حادا في درجة التفاعل والتعليق الموجب أو حتى السلبي من خلال متابعة كثير من المواقع المعروفة والمدونات الصديقة. وربما كان خير دليل على هذا الفتور الافتراضي هذا التباعد الذي قد يلحظه الزائر الكريم إذا ما انتبه إلى حجم المسافة الزمنية الفاصلة بين الإدراجات الأخيرة من مدونتي هذه بالنسبة إلى إدراجاتها الأولى، وانخفاض حاد في عدد التعليقات المواكبة لهذه الإجراجات الأخيرة بالنسبة إلى الأولى أيضا، وهذا رغم الارتفاع الملحوظ في عدد الزوار الذي عرفته هذه المدونة في الآونة الأخيرة من كافة البلدان العربية عامة ومن بلاد تونس الشقيقة خاصة، فتحية صادقة إلى كل زوار هذه المدونة المتواضعة من تونس الخضراء ومن كافة البلدان العربية والعالمية الذين يمرون بها بالصدفة أو يعبرون إليها من بوابات ونوافذ محركات البحث والإبحار الإلكترونية.

فمن الذي تغير ياترى؟، ومن المسؤول عن هذا الفتور الذي بدأت أحسه، وربما قد لا يحسه غيري إذا كان حديث العهد بالبيئة الافتراضية؛ فهل هو الزمن الافتراضي الملعون أبدا كصنوه الحقيقي، أم أنا، أم البيئة الافتراضية العربية والعالمية برمتها؟ !.
وهل أنا وحدي الذي تغيرت بعد مرور كل هذا الوقت الذي أمضيته في التدوين وفي العيش في كنف البيئة الافتراضية فترة طويلة بحساب عقارب الساعة التي تأبى أن ترجع إلى الخلف، أنا الكائن الافتراضي الصغير سليل هذا الكون الافتراضي الكبير بكل مواقعه ومنتدياته ومدوناته وصفحاته الهائلة التي تبتدئ ولا تنتهي إلا بإغلاق جميع نوافذ الحاسوب الصغيرة والكبيرة وقطع روابط البيئة الافتراضية الأصلية والفرعية.ومن منا لا يتغير أو يضجر وخاصة بعد كل الذي عاينته وعاينه غيري من كافة الأجيال الافتراضية العربية شيوخا وشبابا ويافعين من حروب مدمرة وإحباطات سياسية واقتصادية وصراعات بينية ثنائية وجماعية عصفت بكافة بلداننا العربية في هذا العقد الأول من الألفية الثالثة؛ وهذا منذ حرب الخليج الأولى مرورا باحتلال العراق عنوة وغصبا والحروب الصهيو أمريكية على لبنان وغزة وانتهاء بالأزمة الاقتصادية العالمية التي أعقبت رحيل بوش الملعون عن المعترك السياسي غير مأسوف عليه .وقد سببت تلك الأزمة ركودا كبيرا في نفوس جميع الناس المنتمين إلى هذا العالم الأرضي قبل جيوبهم حقيقة ومجازا وافتراضا.
أم هو وباء الفتور الافتراضي الموسمي الذي بدأ يستشري في أجسام الكائنات الافتراضية مثلما يستشري في هذه اللحظة وباء أنفلونزا الخنازير في الأجساد الآدمية، ومن قبله وبالأمس القريب كان وباء أنفلونزا الطيور، ولست أدري إن كان وباء أنفلونزا الحمير مدرجا على قائمة الجوائح والكوارث البشرية المستقبلية !!؟.

ربما احتاج الكائن الافتراضي منا بين الفينة والأخرى إلى مغادرة منصة التدوين وإلى إغلاق حاسوبه وعزله عن التيار الكهربائي وعن صبيب الأنترنت إلى وقت محدد حتى ينقشع ضباب العياء والارهاق والفتور الذهني والنفسي من حوله، وحتى يغيب ضجيج مراوح التبريد الإلكتروني عن سمعه ووهج الشاشة من عينيه، وليتطلع مرة أخرى إلى ضوء الشمس ويمسك بيديه تراب الأرض الذي يمشي عليه أو يداعب بأنامله تيار الماء المتدفق عند نهر أو جدول، وليصافح بيديه موج البحر الحقيقي بدل بحر النت الافتراضي عبر أزرار لوحة المفاتيح ومؤشر فأرة الحاسوب الإلكترونية.

أعاذنا الله جميعا من كل فتور في الجسد وفي الأعضاء وفي كل الجوارح وفي النفس وفي العقل وفي الهمة وفي الحياة كلها بوجهيها: الحقيقي والافتراضي.

الثلاثاء، 17 مارس 2009

نظام المجموعات البريدية العربية؛الواقع والآفاق.

لم تعد أهمية البريد الإلكتروني لتخفى على أحد. وقد لا نبالغ إذا قنا بأن العوالم الافتراضية بكل ما تعج به ما هي إلا نظام جد متطور لبث رسالة ما واستقبال أخرى، بالحرف أو بالصوت أو بالصورة أو بكليهما معا، وحتى بالرمز أو الأيقونة.

وقد سبق لنا في إدراج قديم أن تحدثنا عن فن التراسل بين القديم والحديث بصيغة المفرد عندما يكتب الشخص لنفسه فقط، أو بصيغة المثنى عندما يشرك غيره في الخطاب؛
ففي الحالة الأولى يحتفظ الكاتب بتلك الرسائل لنفسه ويغلق عليها الأدراج ويختم عليها بالسر والكتمان، وقد لا تكتشف أو تظهر للناس إلا بعد وفاته.
أما في الحالة الثانية فيسمح الشخص لرسالته بالعبور من مكانه الأول إلى المكان الثاني الذي يقيم فيه الشخص المُرسل إليه، فتنتقل ملكية تلك الرسالة بالضرورة إلى الطرف الثاني، ولا ترجع إليه كرة أخرى إلا في شكل رد أو جواب إذا كان مضمونها يحتمل ردا أو جوابا.
وأمر طبيعي أن يتحول كل مكتوب إلى رد أو جواب، غير أننا تعودنا الاهتمام بالرسائل أو المكتوبات الأولى وقلما انتبهنا إلى ردودها وأجوبتها الثانية التي تقتضها ظروف الزمان والمكان المختلفة.

وقد خصصنا هذا الإدراج في مرحلة أولى للحديث عن المجموعات البريدية واقعا وأفقا، باعتبارها شكلا من أشكال التراسل البريدي أيضا ولكن، ليس بصيغة المفرد أو المثنى، كما جرت العادة، وإنما بصيغة الجمع حيث يحرص المنضمون إلى المجموعات البريدية على توجيه رسائلهم ليس فقط إلى فرد واحد وإنما إلى أكبر عدد من الأفراد.

وقد لاحظت في الآونة الأخيرة إقبالا متزايدا من لدن المجتمع الافتراضي العربي على الانضمام إلى نظام المجموعات البريدية؛ ومنهم صفوة المدونين وصفوة المثقفين من الصحفيين الورقيين والافتراضيين والكتاب والقصاص والروائيين والشعراء والفنانين وكثير من المهتمين والقراء الجيدين والمتابعين الجادين للشأن العربي الافتراضي الراهن.
وفي الحقيقة لقد بدأت أمضي كثيرا من الوقت في قراءة ما يرد علي عبر المجموعات البريدية العربية التي انضممت إليها أو التي استدعيت إليها من طرف أشخاص لا أعلمهم جازاهم الله أحسن الجزاء على ضم عنواني البريدي إلى مجموعاتهم.

وأنا هنا لا أنكر على نفسي مدى الفائدة التي أجنيها من قراءة محتوى بريد تلك المجموعات شكلا ومضمونا وأسلوبا وتحليلا ومنهجا ورؤية وإبداعا. إذ يظهر أن نظام المجموعات البريدية العربية، في صورته الحالية على الأقل، قد حاز لنفسه قدرا عظيما من المسؤولية والجدية والاحترام. إذ يحرص المتراسلون في هذه المجموعات البريدية على توخي مبدأ الجودة والفائدة والمتعة بدل الاقتحام والتطفل والإزعاج. ومن هنا يمكن أن ننعت نظام المجموعات البريدية بأنه بريد الصفوة أو النخبة العربية الافتراضية.

ويبدو أن نظام المجموعات البريدية كأنه قد أعلن حربا خفية على نظام البريد الإلكتروني العادي الذي لا يخلو في الغالب من البذاءة والضحالة والإسفاف، وعلى نظام البريد المزعج الذي يعلق بالبريد الإلكتروني كما الغبار والدخان. وقد تجاوز نظام المجموعات البريدية مرحلة الإخبار العادي بمسافة بعيدة إلى محاولة ترسيخ نموذج ثقافي وفكري جاد يبقى ألقه مستمرا على الدوام أسوة بكثير من المواقع الافتراضية والمدونات العربية الجادة.

وإذا كنت لا أتردد طرفة عين في شطب عشرات من الرسائل البريدية العادية أو المزعجة دفعة واحدة وقذفها إلى الأبد في سلة الأزبال الافتراضية فإني أتردد كثيرا في شطب رسالة واحدة من الرسائل التي تردني عبر نظام المجموعات البريدية، فقد صارت عندي أشبه ما تكون بالوثاق والمراجع المفيدة والكتيبات النادرة والجذاذات البحثية النفيسة التي أحرص كثيرا على الاحتفاظ بها وتوثيقها وتجميعها في مجلد خاص حتى يتسنى لي الوقت الكافي لدراستها والكتابة عنها وتقييم محتواها في إدراجات لاحقة إن شاء الله تعالى.

الخميس، 5 فبراير 2009

إذا ما طغى الماء… !!

كنت في فاتح نوفمبر الماضي قد كتبت إدراجا تحت عنوان: “هل سيستعيد المغرب دورته المناخية الممطرة.. ؟ !!“.
ومنذ ذلك الوقت إلى حدود هذه الساعة التي أكتب فيها هذا الإدراج، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر عرف المغرب بحمد الله وفضله ولا يزال تساقطات مطرية وثلجية هائلة لم يعهد لها المغرب نظيرا منذ عهود كثيرة خلت يقدرها بعض المعمرين المغاربة الذين أمد الله في عمرهم حتى هذه اللحظة بما يزيد عن نصف قرن أو أكثر.

ومع أن عموم المغاربة قد استبشروا خيرا بهذا الخير العميم، غير أن طفح الماء الزائد عن الحاجة جعل كثيرا من السهول والأراضي الواطئة مهددة بالغمر والفيضان، وخاصة بعد امتلأت كثير من السدود عن آخرها وعجزت عن احتجاز كل هذه المياه المتدفقة عبر الأنهار والجداول.
وما أحداث فيضان وادي بهت بعد عجز سد القنصرة عن كبح جماح مياهه التي أبت إلا أن تتجاوز حاجز السد العلوي، وتتفوق على الإسمنت والخرسانة لتغمر مساحات زراعية شاسعة بمنطقة الغرب و تغرق تجمعات سكنية قروية وحضرية مجاورة للوادي كمدينة سيدي سليمان.

لقد كشفت أمطار الخير هذه عن هشاشة المغرب غير النافع، حيث بقيت كثير من القرى والمداشر المنسية وراء التلال والجبال معزولة بعد انهيار الجسور والقناطر التي جرفتها السيول، لتبقى إلى أن يشاء الله منكوبة في عيشها وماشيتها وبيوتها الطينية.

وحتى الأحياء الهامشية في كبريات المدن المغربية لم تسلم معظم دورها الآيلة للسقوط من الانهيار؛ فكانت هذه الأمطار المباركة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير المغربي المتهالك في بنيته التحتية وما تحت التحتية إلى درجة الصفر والعدم فعرت بالمكشوف عن مغرب الترقيع والتلفيق وعن مغرب النفاق والمراء، فإذا ما طغى الماء انكشف الغطاء وتبن ما طبخ خلسة في الإناء…

الثلاثاء، 27 يناير 2009

بيان عن سبب الغياب

وردت علي كثير من الرسائل الإلكترونية من الإخوة الأصدقاء وزوار كلمات عابرة يستفسرون عن سبب غيابي عن المدونة، وهو غياب طال حتى تجاوز الشهر.

وعليه، فقد تزامنت أحداث غزة الأليمة مع نزلة برد شديدة أصابتني، وأبعدتني عن شاشة الحاسوب قسرا، ثم كانت الداهية بوفاة الوالدة رحمها الله، وغفر لها وأسكنها فسيح الجنان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكل هذه الأحداث الجسام والعلل العارضة التي لا يملك الواحد منا لها ردا شوشت خاطري وألجمت لساني.

وأتمنى من الله العلي القدير أن يلهمني الصبر والسلوان، وأن أعود قريبا إلى نشاطي المعهود في التدوين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وشكري وامتناني موصولان إلى جميع الإخوة الذين شغلهم غيابي خلال المدة السابقة، فبعثوا إلي رسائلهم الرقيقة يستوضحون ويستفسرون عن سبب الغياب.