السبت، 9 فبراير 2008

قصص التراسل والمراسلة بين الأمس واليوم

كتب يوم الإثنين,كانون الثاني 30, 2006

1- قصة الإشارة بالحاجب:

مقدمة:
أوشكت أيام البريد العادي على النفاد. وابتدأ الناس صفحة جديدة مع البريد الإلكتروني، وانتهت متاعبهم مع الطوابع والصناديق، وقصص ضياع البريد العادي والمضمون.
ووفر المسنجر المجاني على المتراسلين الجهد والوقت، وسهل عليهم طرق التعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم الفورية المصاحبة للكتابة النصية من خلال رسوماته وأيقوناته المبتسمة أوالغاضبة أو الخجولة… مما يضفي على المراسلة أجواء من الحميمية والحيوية، وخاصة في أوساط الشباب والمراهقين والعشاق.
ولكن، هل تساءلنا عن طرق المراسلة قديما، وعن حيلها والأجواء الخاصة والعامة المصاحبة لها؟!.

لقد انتبه الإنسان منذ وقت مبكر إلى أهمية التواصل اللغوي، واستطاع بذكائه أن يخلق داخل اللغة وعبرها مسافات للقرب والبعد، والصدق والكذب، والحقيقة والخيال..
فكل ما كان يخطر على باله وقلبه وعقله ونفسه كان يتشكل باللغة ومن خلال التعبير اللغوي، حقيقة أو مجازا.
نقول هذا، رغم ما يمكن أن يسجله بعضنا اليوم، من تراجع كبير لحجم المسافات التعبيرية اللغوية، خاصة لدى شباب اليوم، وحتى في أوساط المثقفين داخل الجامعات والمدارس أمام طوفان الصور الذي صار يغمرنا أنى كنا، وحيثما تحولنا بأبصارنا.
لقد أصبحت الصورة تنوب عنا جميعا في النطق والكلام والبوح الذي يبقى، في أكثر الأحيان عالقا في حناجرنا.

لكن، ورغم تقدم الصورة المذهل سواء في درجات وضوحها ونصاعتها، أو في قسوتها ولينها، أو في عريها وسترها، أو في قوة إشارتها ودلالتها، أو فيما يمكن أن يثار حولها من توابع وزوابع قد تتجاوز الأفراد إلى الجماعات وحتى الدول، فإن الصورة لابد لها في النهاية من حيز فضائي أو مكاني تتشكل به ومن خلاله، سواء تعلق الأمر بسطح ورقة، أوشاشة، أو جدارية، أو نافذة متجر أو سيارة، أونفق أو عربة قطار…
فهذا الحيز هو لها بمثابة الوعاء، وبدونه لا يمكن أن توجد الصور إلا في مخيلة الإنسان العبقرية التي لا تتأثر بعوامل الرطوبة والحرارة، وعمليات القص واللصق، أو المصادرة، أو التحوير والتزوير…
ولتبقى تلك المخيلة العجيبة داخل جمجمة صغيرة هي المصنع والمستودع الأول والأخير لجميع أشكال التعبير البشري في كل الأزمنة والأمكنة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وذلك قبل أن تكتب في السطور، أو تطبع على شرائح السليكون الإلكترونية، أو تبث عبر الفضاءات من خلال ذبذبات الأثير ودفقات الكهرباء والمغناطيس..

أعضاء الإنسان أداة حية للمراسلة:
انتبه الإنسان، منذ القديم، إلى أهمية حركة أعضاء جسمه، واستطاع بحيلته أن يحولها إلى رسائل قصيرة أو طويلة، مرموزة أو واضحة ، كما توضح ذلك قصة كاتب الحجاج مع جارية من جواريه، في زمن كان كل شئ، حتى عواطفه وأسراره القلبية يقع تحت قهر الاستبداد وسطوته.

رسالة حاجب العين:
روي أن كاتبا للحجاج علق (1) جارية فكانت تقف عليه وتمر بين يديه، وعلقته. فكانت تسلم عليه بحاجبها إذا غفل الحجاج. فكتب يوما بين يديه كتابا إلى عامل له، ومرت الجارية ولم تسلم، خوفا أن يفطن الحجاج.
فأحدثت في نفس الكاتب ما أذهله حتى كتب عند فراغه من الكتاب: مرت ولم تسلم! وختمه بخاتم الحجاج على العادة.
فلما ورد الكتاب على العامل أجاب عن فصوله كلها ولم يدر ما معنى قوله: مرت ولم تسلم! وكره أن يدع الجواب عنه، ثم رأى أن يكتب: دعها ولا تبال! وأنفذه إلى الحجاج.
فأنكر ذلك لما وقف عليه، ودعا الكاتب فقال: لا أدري!
وكان إذا صدق لا يعاقب بشدته.
فقال: أينفعني عندك الصدق أيها الأمير!
قال: نعم.
فأخبره الخبر، ودعا الحجاج الجارية فسألها، فصدقته أيضا ووافقته، فعفا عنهما ووهبها له.
—————-
هامش:
(1) علق : تعلق وأحب
والحكاية مقتبسة من كتاب ( إعتاب الكتاب ) لابن الأبار القضاعي الأندلسي.

ليست هناك تعليقات: