الأربعاء، 13 فبراير 2008

على هامش اليوم العالمي للمدرس

كتب يوم الخميس,تشرين الأول 05, 2006

يصادف الخامس من أكتوبر تشرين الأول اليوم العالمي للمدرس…!!
لست أدري إن كان هذا اليوم المخصص للاحتفاء بهيأة التعليم والتدريس كافيا، أو مناسبا، أو سليما، أو مستحقا في هذه الزمن المعولم الذي تحولت فيه قيم الإنسان وأخلاق المهن إلى سلعة تجارية تخضع إلى جميع أشكال المساومات والمزايدات، وكل ألوان التطفيف والنفاق التجاري الرخيص…

وكثيرا ما أعلنت عن تذمري من ظاهرة الاحتفاء بالأيام؛ كيوم للحب أو يوم للشجرة أو كيوم للعدس أو البصل أو كيوم لصاحبنا المدرس هذا…!!

وربما يحاول الناس في هذا اليوم المحتفى به اختزال كل المشاعر وحصر كل الاهتمامات واختصار جميع المشكلات أو تحويلها أو تحويرها.

وما دام هذا اليوم المرصود للاحتفاء ينقضي بسرعة، فلم لا يفتح المجال للتنفيس وللقيل والقال..؟؟!! فسرعان ما تذبل الذكرى بين صبح ومساء، وتضيع الحقوق أو تؤجل في صخب الاحتفال والتكريم، ثم تهدأ الحركة وينقشع الغبار عن الحقيقة الراسخة التي تبقى سائدة وهي حقيقة الإهمال والنسيان..

ولاشك أن معظم المدرسين والمدرسات في مغربنا قد سرقهم الزمن، ونال منهم مِبرد الدهر؛ فتضاءلت أجسامهم من التعب والانحناء على الدفاتر، وقل سمعهم من ضجيج الصفوف ومشاكسات المشاغبين، وضعف بصرهم من غبار الطباشير وتلوث المكان من حولهم…

إني أرى أن قطاع التعليم العمومي يسير في طريق شيخوخة مزمنة لتضاؤل الفرص يوما عن يوم أمام جيل الشباب للالتحاق بهذا القطاع بذريعة عدم توفر المناصب، أو بحجة التقشف وترشيد تكاليف قطاع التعليم التي صارت عبئا ثقيلا ترجو الدولة الخلاص منه بكل السبل كأنه غدة درقية متضخمة أو زائدة دودية تلتهم ميزانية الدولة من غير فائدة مسترجعة.

إن فائدة التعليم لا تقاس بميزانية سنة واحدة، بل برؤية مستشرفة وتعهد مستمر على مدى سنوات عدة، وأي استعجال أو نفاذ للصبر، يوقع في الفوضى والارتباك، ويهد صرح التعليم من أساسه.

كل هذا الطابور الطويل المتقادم من جيش التدريس والتعليم ببلادنا قد لا يعني له هذا اليوم شيئا جديدا ذا مغزى حقيقي عميق في واقع الحياة، اللهم إلا ما يكون من رفع لشعارات التبجيل المألوفة، من قبيل لازمة شوقي المحفوطة عن ظهر قلب من غير جدوى:
قم للمعلم وَفِّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا


أو ما يكون من بعض الوعود المعسولة والشعارات الهلامية المرفوعة من قبل القيمين على شأن التعليم والتدريس، وهم يتجولون في أقسام هذه المدرسة أو تلك بكاميرات التجميل والتعتيم المعروفة، للتسويق وللمصادرة على الأوضاع الحقيقية المزرية لقطاع التعليم ببلادنا…

أعتقد أنه لا يمكن أن يقدر رسالة التعليم الشريفة غير من زاول هذه المهنة السامية في الحدود المعقولة المقبولة من النزاهة والإخلاص، ووخز الضمير، أو من اكتوى بنارها عن قرب كالزوجة والأبناء الذين قدر لهم أن يرتبط مصيرهم بمصير الأب المعلم، وخاصة عندما يجبر على الانتقال من مكان إلى مكان، فتتضاعف معاناته، وتتبعثر أوراقه، عودا على بدء، كأسطورة سيزيف العبثية، وهو يدحرج صخرته صعودا ونزولا…

ولو قدر لأحمد شوقي أمير الشعراء، وشاعر الملوك والنبلاء أن يكون معلما أو مدرسا لما حفظ عنه ذلك البيت المشهور، فليس من رجله في الماء كمن رجله في النار أو التنور…!!

وقد كان الشاعر إبراهيم طوقان الذي قضى شطرا من حياته في التدريس أكثر انسجاما مع حقيقة نفسه وحقيقة جميع المعلمين والمدرسين، بعيدا عن كل الشعارات والمزايدات …

وقد قال شاعرنا المعلم إبراهيم طوقان في معرض رده على شوقي ومعارضته لبيته المشهور في صراحة وواقعية:
ويَكاد يَفـْـلِقـُـني الأميرُ بقولــه
كاد المعلمُ أن يكون رسولا!!
لو جرب التعليمَ شوقي ساعةً
لقضى الحياة كآبة وعويلا
يامن تريدُ الانتحارَ وجدتهُ !!
إن المعلم لا يعيش طويلا !!

كل يوم وكل عام وأحوال المعلمين والمدرسين بخير وسلامة في أجسامهم وعقولهم…!!!

ليست هناك تعليقات: