الأحد، 24 فبراير 2008

ملاحظات على منام الوهراني

- نجد في منام الوهراني أربع إشارات مهمة متعلقة ببعض تفاصيل سيرته؛ في الأولى إقرار صريح بمغربيته، وفي الثانية إفادة بأنه رجل فقيه ومن حفظة القرآن، وفي الثالثة إشارة تاريخية بأن الوهراني كان بدمشق أو نواحيها في حدود سنة 553 هجرية. أما الإشارة الرابعة فتصنفه ضمن كتاب المقامات الساخرة.

- من القضايا التي عالجها الوهراني في هذا الفصل: انتقاده لمذهب النحويين في تفسير بعض القضايا النحوية كترخيم النداء، واعتراضه بطريقته الساخرة على أسلوب الكتاب في عصره الذين جنح أكثرهم إلى التنميق والتزويق الفارغ من المحتوى الممتع أو المفيد.

- وفي مواقف الوهراني الساخرة، سواء في منامه هذا أو في مقاماته ورسائله، قدر كبير من الجرأة والسخرية "الكاريكاتورية"؛ ومع أن أحداث المنام تجري يوم الحشر، وهو موقف مهيب ومحفوف بالقداسة غير أن ذلك لم يمنعه من زج بعض الشخصيات المشهورة والمغمورة التي شهدها أو التقى بها في عصره أو التي عرفها من خلال التاريخ في مواقف ومشاهد تعج بكثير من السخف والمجون، بل حتى شخصيات الملائكة والخزنة التي صورها في منامه لم تسلم من تطاوله وسلاطة لسانه. ولكن كل ذلك يعرضه الوهراني من وراء المنام كقناع أوذريعة في وجه النقد ومقص الرقابة؛ فمن يقدر أن يحاكمه على ما يقوله من كلام على لسان شخوصه، أو من خلال ما يفتعله من مواقف ومشاهد في المنام. ثم أو ليس المنام مجرد تهيؤات وخيالات، رغم ما قد يصاحبها من لغو وهرطقة وهذيان. ثم أليس النوم نفسه وما يجري فيه درجة من درجات الموت.؟! فمن يقدر أن يحاسبه على موته الذي قد ينتعش بالمنام، كما ينتعش الأحياء الأموات في الواقع المتردي والحال المائل بالتمني والترجي، كما تسند الحيطان والسقوف المتداعية في الأحياء الفقيرة الهشة بألواح الخشب.

لقد حول الوهراني بخياله الجامع هذا المنام إلى يوم قيامة مصغر، على مقاسه ومقاس كثير من الشخصيات والأسماء المعروفة بالملامح والصفات وبالأقوال والأفعال. وقد أعمل الحيلة الفنية لاستدراجها واستدعائها بالتدريج حسب ما يتطلبه منطق الحكي والسرد إلى منامه بأسلوب ساخر فني متميز. وهذا الأسلوب الذي قل سالكوه في تراثنا العربي القديم والحديث أيضا كان ينظر إليه في تراثنا الأدبي على أنه فاكهة الأدباء ونتاج قريحة الظرفاء المبدعين الذين يشكلون القلة القليلة التي كثيرا ما ينظر إليها باحتقار وازدراء. لأنها قد تصيب بسهامها الحادة كبد الحقيقة المضمرة بالتدليس والتمويه، وتعري وتفضح كثيرا من الناس الذي يدعون الطهر والفضيلة ظاهرا، وهم في الحقيقة والباطن من أشر وأوسخ خلق الله.

وإذافرضنا أن المنام مجرد خيالات وأوهام فإنه مع ذلك يرشح بحديث النفس وفيضها. إن لم يكن عبارة عن صورة متشظية لواقع مر عاشه الوهراني الذي لم تنصفه الحياة فعاش على الهامش .

فوراء قناع المنام إذن، تكمن مواقف الوهراني الجريئة في كشف حقائق الأمور حول كثير من القضايا السياسية والاجتماعية والأدبية والفكرية في عصره وفي التاريخ عن طريق اختيار المشاهد والمواقف الدالة برمزيتها الشفافة أحيانا وبوقاحتها التي تخدش حياء القارئ وتستفزه تارة أخرى.

وفي هذا الفصل كما في الفصول اللاحقة مزج غريب بين المقدس والمدنس، وبين المكشوف والمستور في سلوك الفرد والجماعة، في اللحظة ذاتها وفي التاريخ.

لقد نجح الوهراني في توظيف المنام توظيفا فنيا بارعا ليصبح عنده أشبه ما يكون بشاشة افتراضية عملاقة تنعكس عليها مفارقات الواقع الشخصي والحياتي من حوله عبر الحوار المركب وحول طريقة بناء المشاهد والخلفيات، وعبر حركة الشخوص في تدافعهم وإقبالهم وإدبارهم واختفائهم من الشاشة، تماما كما يحدث في أي شريط سنمائي عجائبي أو رواية "فانتازمية".
يمكن قراءة متن منام الوهراني كاملا في مدونتنا المتخصصة بنقر الرابط التالي:
منام الوهراني: (النص الكامل)

ليست هناك تعليقات: