السبت، 16 فبراير 2008

موقع المدون العربي في دنيا الوسائط والتقنية

كتب في ديسمبر 28, 2007

رغم كل ما أنجزته الثورة الرقمية الحديثة على مستوى تعميم ونشر المعرفة والأخبار والقصاصات وحتى الخزعبلات بالكلمة والصورة الثابتة أو المتحركة، ورغم طابع السهولة والمرونة التي يتيحها التصفح الإلكتروني للبحث عن المعرفة والتفاعل معها أو التصرف فيها بالاسترجاع والحفظ والقص والنسخ أو حتى المسخ، فلا زال للتلفزيون وللصحافة الورقية سحرهما الذي لا يمكن أن يدفع أو يقاوم.

ففي الوقت الذي نبحر فيه داخل عوالم الانترنت الفسيحة المدهشة والمرعبة والوقورة جدا والمخزية جدا أيضا يخيل إلينا أن ليس هناك مجال آخر لمعرفة تفاصيل صورة إنسان اليوم إلا عبر ما يمكن أن يتدفق من أبواب السماوات الافتراضية المفتوحة على مدار الساعة من إشارات وعلامات…

وفي الوقت الذي نغلق فيه جهاز الحاسوب ونخرج إلى الشارع للتجول أو التبضع أو للابتعاد عن ضجيج الحاسوب، أو لنلقي نظرة على جديد الجرائد والصحف فإننا ندهش للكم الهائل من المنشورات الورقية المكدسة داخل الأكشاك أو تلك المعروضة عن يمينها ويسارها ومن الأمام ومن الخلف وحتى على الأرصفة، بحيث يخيل إلينا أيضا أن ليس هناك مجال آخر للتعرف على متجددات السياسة والحوادث ولمتابعة أخبار الناس ومنجزاتهم وأسرارهم وفضائحهم إلا عبر ما يعرض على أعمدة الجرائد والصحف.

وإذا حولنا أنظارنا صوب شاشة التلفزيون المربعة أو المستطيلة يخيل إلينا أيضا أن عالمنا كله قد اختزل في هذا الصندوق السحري العجيب الذي يحسن المزاوجة بين فن الإلقاء والكلام وفن تحريك الصور.

تلك ثلاث متغيرات كبرى تعمل الآن على تشكيل وعي ولاوعي إنسان هذا العصر وتجعله تائها مأخوذا بسحرها وجاذبيتها معظم الوقت، إلى درجة قد تذهله عن نفسه وعن أقرب الناس إليه.

. وكثيرا ما أتساءل مع نفسي: ماذا سيكون مصير الفرد منا لو قدر له في لحظة من الزمن أن تلتقط حواسه كل الإشارات الرقمية والموجات الصوتية التي تخترق أثيرنا السماوي دفعة واحدة… فربما ارتبك الجسم كله أو احترق أوأصابه الخلل..!!

والحمد لله الذي ألهم الإنسان القدرة على الإبداع ليخلق لنفسه في كل عصر ما يصلح أن يكون امتداد لذاته وعقله من الآلات والوسائط، على قدر مبلغ علمه واجتهاده.

والحمد لله الذي قسم أرزاقنا وأفعالنا وأقوالنا وأسماعنا وأبصارنا على قدر أعمارنا المحدودة بضيق الزمان والمكان، ليبقى عملنا الدنيوي دائما مشوبا بالنقص حتى يكمله غيرنا من بعدنا..

وإذن بعد الذي قلناه، ما موقعنا نحن ـ معشر المدونين ـ من الإعراب، وماذا تبقى لنا من الفتات المتناثر على موائد الإنترنت والصحافة والتلفزيون؟

وكيف يتأتى لنا أن نلفت إلينا الأنظار، أو نسمع صيحاتنا المبحوحة وسط هذا الضجيج الرقمي والصخب الأثيري المتلاطم من حولنا قبل أن تضيع في واديها السحيق؟

صحيح، لقد استطاع بعض المدونين أن يلفتوا نظر المواقع الإلكترونية الكبيرة، وربما التحق بعضهم بجريدة أو صحيفة، أو بمحطة إذاعية أو تلفزيونية، وربما وجد بعضهم مقالاته منشورة هنا أو هناك.

وربما تمكن البعض من جلب قدر بسيط من المال العائد من بعض الخدمات التقنية الخاصة أو من بعض الإعلانات التي قد يبثها عبر مدونته….

لكن تبقى ميزة التدوين الكبرى أنه المساحة الحرة المتاحة في هذا العصرالرقمي العجيب بسخاء لفك العزلة عن الذات ومقاومة حالة الصمت العربي القابعة في داخل كل واحد منا.

ليست هناك تعليقات: