الأربعاء، 13 فبراير 2008

عقلنة التدوين العربي

كتب يوم الجمعة,تشرين الأول 27, 2006

ورقة تمهيدية لمشروع عقلنة التدوين العربي

هناك أسئلة فلسفية عميقة مرتبطة بعوالم المدونات العقلية والنفسية الخفية التي تكمن خلف عناوين المدونات العربية وشعاراتها ومضمون مدرجاتها المختلفة؛ من خطوط ومنمنمات، ومزخرفات وأصوات، وصور ورسومات، ومجسمات وأيقونات ثابتة أو متحركة.

وقد آن لتلك الأسئلة أن تفرض وجودها اليوم بقوة على كل متتبع عاقل مهتم بشأن التدوين العربي.
فكيف تتشكل تلك العوالم العقلية والنفسية الخفية، وكيف تشتغل، ولأي سبب أو غرض؟ّ!!

لا أريد هنا، الخوض فيما لا طاقة لعقلي الصغير به الذي يريد أن يعقلن عوالم التدوين العربي الفيحاء المتبددة من خلال شكل ومضمون كل مدونة مدونة، أو حتى أن أقف على جزء ضئيل جدا من حقائقها وأسرارها الخفية الغائرة في مطاوي عقول المدونين ونفوسهم. فهذا أمر موكول إلى جهابذة المفكرين والفلاسفة والعلماء المتخصصين. وقد آن لهم أن يتحركوا بعلمهم وخبرتهم الطويلة في البحث صوب المدونات الرقمية بدل أن يبقوا بعيدا قابعين في أبراجهم العاجية، عاكفين فقط على كتبهم الورقية.

فمن أصعب الأشياء على لسان الإنسان أن يتكلم على كلام غيره، ومن أصعب الأشياء على عقل الإنسان أن يخوض في الكلام عن عقول الآخرين السابقة أو المجايلة أو اللاحقة. فكيف يمكن له أن يعقلها أو يعقلنها…!!

وحتى إذا حاول، بكل ما أوتي من قوة وعزم وإخلاص، فسرعان ما يكتشف أنه قد وقع في ورطة، وأنه قدأضاع نفسه وجهده في متاهة لا بداية لها ولا نهاية، وأنه قد أصبح مطوقا بسلسلة مترابطة من العقول، يتناسل بعضها من بعض، ويثير بعضها بعضا؛ فبإزاء كل عقلٍِِ مدون عقلٌ آخر يقف له بالمرصاد.

وقد يحتدم ازدحام العقول المدوِّنة على طرقات المعرفة ومنعرجاتها وتقاطعاتها وتجاذباتها المختلفة لدرجة المجابهة والمناطحة والاصطدام، كما هو الحال على موقع مدونات (مكتوب) الافتراضية مثلا.

والحمد لله أن صدام العقول غير صدام الجسوم، وإلا لحلت بعالم مدوناتنا على موقعنا هذا الكارثة العظمى والطامة الكبرى، ولكان عدد ضحياه بعدد من يقتلون من العرب والمسلمين في كل يوم، على أراضيهم المغتصبة، وأماكنهم المستباحة في العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان…!!

وقد لا يخفى على المتتبعين لشأن التدوين العربي على موقع (مكتوب) تلك الأضرار النفسية والعقلية التي نجمت عندما احتدت درجة الاصطدام في بعض الأوقات بين المدونين أنفسهم،أو بين المدونين والمعلقين، عندما اجتاحتهم لبعض الوقت، عواصف التعليقات البذيئة الهوجاء سيئة الذكر. وقد أفقدت البعض توازنهم العقلي والنفسي، وقذفت بهم بعيدا خارج موقع مكتوب اضطرارا لا اختيارا.

وكان منهم من عاود الرجوع إلى موقعه بعد أن استتب الأمر، وعوفي من بعض الكدمات النفسية الطفيفة، كما أوضحت في إدراج سابق.

والحمد لله أنه سبحانه عز وجل قد هذب طباع كثير من المدونين بأخلاق الدين الحنيف ونقح عقولهم بالإيمان اليقين، وزينهم بالحلم والصبر، وأنضج تجاربهم في الحياة العملية بطول البحث والمدارسة، وبلطف المداخلة وحسن المجاورة والمعاشرة الفكرية الافتراضية.

وهل حروب الأعداء، وثورات المناضلين، ونزاع الأشقاء، وخصام الأحباء، وعداوة الأصدقاء، واختلاف الأجيال، وصراع النفس اللوامة والنفس الأمارة وغير ذلك من مظاهر الصراع والتضاد إلا رشح قليل من فيض معارك العقول المحتدمة في دواخلنا على الدوام.. !!
والحمد لله أيضا، أن عقول البشر تتفق في معظم حالاتها، لاستكمال جوانب نقصها، ولجلب مصالحها ودفع مضارها.

وعلى هذا الأساس يمكن للعقول المدونة أن يعقلن بعضُها بعضا، ويمتد بعضها في بعض؛ فتقع فكرة ما على فكرة، ويلتقي رأي ما مع رأي، وينسجم فهم ما مع فهم، وتتحد روح ما مع روح. وهذا بغض النظر عن ظروف المدونين في الزمان والمكان، وتباين اهتماماتهم وانشغالاتهم الفكرية والحياتية.

لا أريد من هذه الفذلكة (العقلانية) احتكار الرأي أو المصادرة على عقل أي أحد من الإخوة المدونين أو القارئين أو الزائرين الموجودين عند الطرف الآخر الممتد بيني وبينهم عبر أجهزة الحواسيب المتصلة.

وإنما أدعو هؤلاء جميعا، في هذه الخطوة الأولى، إلى التفكير في هذا المشروع المهم؛ أقصد: مشروع عقلنة التدوين العربي لتكون له فاعلية على أرض الواقع الحقيقي ومصداقية، ولينتقل قطار التدوين العربي من طور الهواية والتجريب إلى طور المهنية والاحتراف، وليقترن في الزمان والمكان بمشروع النهضة العربية العام.
وإذا فلا بد من عقلنته وترشيده. وأهل التدوين أدرى بحالهم وعند الثلة المميزة منهم الخبر اليقين.
أما وسيلة تحقيق ذلك فسنعرض لها في إدراج لاحق.

ليست هناك تعليقات: