السبت، 16 فبراير 2008

عندما يرقص بوش سيفا

كتب يوم يناير 16, 2008

من يتابع زيارة بوش الأخيرة إلى عواصم الشرق الأوسط والخليج يدرك أنها أشبه ما تكون برحلة وداع أخيرة قبل أن يحزم حقائبه ويشد الرحال إلى وجهة مجهولة للراحة والاستجمام، على عادة رؤساء البيت الأبيض المشؤوم في واشنطن بعد انتهاء مدة صلاحية حكمهم.

وربما يحاول بوش في آخر مشواره السياسي وبمشاهد الحفاوة والاحتضان المبالغ فيه وبالقبل وبالرقص على إيقاع الأهازيج الخليجية والتلويح بالسيف الطويل اللامع ذهبا وبذخا وترفا أن يعطي الانطباع لأصدقائه وأعدائه بأنه قد أنجز مهمته المستحيلة، تماما كما ينتهي ممثلو هوليود الأشاوس الشجعان من تصويرهم لآخر مشاهد بطولاتهم الحربية الدموية المدمرة بعد أن يقضوا على كل الأعداء والأشرار ويدمروا ويحرقوا كل شيء يعترض طريقهم، ليعودوا إلى قواعدهم سالمين غانمين، دون أن يتطرق إلى نفوسهم الكلل والملل أو يصيب عضلاتهم المفتولة البارزة أدنى خدش أو وهن ليتفرغوا بعد ذلك إلى الرقص واحتساء الكأس ومراودة النساء.

وكالعادة فقد بدأ بوش زيارته بالحج إلى الركن المفضل لديه من إسرائيل المتصهينة مركز اهتمامه الأول حيث قدم طقوس الولاء و العبادة والتبتل، قبل أن يكمل جولته الختامية الاستعراضية الثانوية ويتنقل بين عواصمها العربية من باب تأثيث المشهد العام ومن قبيل الديكور والإكسسوارلا أقل ولا أكثر،لأن حبه الأول والأخير لإسرائيل ثابت لا يمكن أن يتحول، على غرار قول شاعرنا الكبير أبي تمام من غير إضافة أو تعليق:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزلا في الأرض يألفه الفتى
وحنينه دوما لأول منــزل

حقا، إنه لمن المخجل في حق تاريخ الشعب العربي الحديث أن يستقبل حكامنا طاغية هذا القرن بوش بالرقص والتهليل، وأن يتورطوا وحدانا وزرافات في هذا الاحتفاء المبكي والمخجل، أو بالأحرى أن يكونوا مجبرين على توديعه، من غير حول ولا إرادة، بهذه الحرارة المفرطة إلى مثواه الأخير من حياته وبقية عمره، بعد أن يخلد إلى الراحة ويعتزل السياسة.
وتلك دماء الشعب العراقي والفلسطيني واللبناني المهدور لم تجف بعد، وشهداء غزة يتساقطون في كل يوم بالجملة عبثا كأوراق الخريف، وتلك آثار العدوان الأمريكي الصهيوني المشترك في الأهداف والوسائل شاهدة في أكثر من مكان عربي على عمق المأساة الكبيرة التي حلت بالشعب العربي في هذا القرن من المحيط إلى الخليج. وستبقى آثارها في العقل والوجدان مستمرة تتوارها أجيالنا المقبلة كما ورثنا نحن أثار النكسة تلو النكسة وتجرعنا حتى الثمالة كل كؤوس الوهم والخيبة.

فكيف تسنى لهؤلاء الحكام الجبابرة على شعوبهم فقط أن يطووا بهذه السهولة صفحات طويلة عريضة من جرائم بوش دون أن يتحرك فيهم أدنى حس أو يرف لهم رمش..!!
ثم وبعد كل هذا وذاك، ليقنعهم في النهاية أن عدوهم الوحيد المتبقي أمامهم بعد صدام هو إيران، وأن عليهم فقط أن يضخوا مزيدا من النفط في خرطوم الاستنزاف والشفط..!!

فأي خطر إذن ينتظر الشعوب العربية في المستقبل القريب، بعد أن امتدت أيادي حكامنا المتنفذين بالجاه وبعائدات البترول وبصكوك المسامحة والغفران إلى بوش بالتسليم والتهنئة والشكر مع إتحافه بأغلى الهدايا التي لا يمكن أن تكون إلا من حبيب لحبيب…!!

فقد أثبتت الدلائل والقرائن أن كل يوم امتدت فيه اليد اليمنى لحكامنا إلى العدو الصهيوني والأمريكي بالسلام والمصافحة إلا وجاء الرد السريع من يده اليسرى بالقصف والضرب والغدر والخيانة.

فمتى يتعلم حكامنا العرب من دروس المصافحات المخادعة وغدر الابتسامات الماكرة… ( السْنْ يـْضْحكْ للسْنْ والقلب فيه خديعة)، كما نقول في لساننا المغربي الدارج !!

ليست هناك تعليقات: