الجمعة، 15 فبراير 2008

طواحين الأسعار بين الأمس واليوم

كتب يوم الأربعاء,أيلول 19, 2007

بدأت حرب الأسعار تدور رحاها، من جديد، في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان في بلادنا المغرب.
وأكبر مؤشر على ذلك ثمن الخبز الذي ارتفع بمقدار السدس.

والخبز، كما هو معلوم لدى عموم المغاربة سيد مطبخ الكادحين والعمود الفقري لمعدتهم، إن صح التعبير. فقد تخلو موائد معظم المغاربة من كل شيء إلا من بعض كسر الخبز مصحوبة بالزيت أو الزيتون، كما أوضحنا في إدراج سابق.

وأكثر هم المغاربة في سد رمقهم ورمق ذويهم قبل طلب الكماليات، وجل سعيهم وكدحهم من أجل تأمين كسرة الخبز التي تعني في مفهومها العام حقيقة الحياة. فمعتقدات المغاربة وأوهامهم العجيبة حول الخبز لها أكثر من مظهر؛ سواء في سلوكهم أو في عاداتهم وحتى في كلامهم الذي يدور معظمه حول الخبز وما جاوره…وربما عدنا إلى تفاصيل ذلك في مناسبة أخرى.

ولم تتأخر نشرات الأخبار المغربية كثيرا، في رصد خسائر حرب الأسعار ومخلفاتها على الجيوب والبطون اضطرار لا اختيارا، ومقدمة كل الأسباب والذرائع الحكومية الممكنة ومتعللة بالعوامل الدولية الخارجة عن إرادتها كما تزعم، من قبيل ارتفاع أسعار النفط والقمح العالميين وهلم جرا.

وعلى هذا تحاول الحكومة المغربية أن تضع نفسها أيضا في صف المواطنين المغاربة الكادحين فترد على شكوى بشكوى علها تقلل من حجم الاعتمادات المرصودة لقطاع التموين الغذائي، على غرار المثل المغربي الدارج: ( ضربني وبكى، سبقني وشكى ).

ونحن أيضا في هذا المقام لا نملك إلا أن نرفع عقيرتنا ونردد مع أبي العتاهية ما قاله في الزمن العباسي القديم، عندما رفع رسالة شكوى منظومة وممهورة باسم كل الجياع والعرايا المتذمرين من غلاء الأسعار في وجه الخليفة المهدي، قال من قصيدة طويلة جدا أكثر فيها من التدوير:
من مبلغ عني الإمــــــا
م نصائحا متواليــــــه
إني أرى الأسعـــــــــــا
ر أسعار الرعية غاليه
وأرى المكاســب نزرة
وأرى الضرورة فاشيه
وأرى غيوم الدهـــر را
ئحة تمر وغاديـــــــــه
وأرى المراضـــــع فيه
عن أولادها متجافيــــه
وأرى اليتامــــى والأرا
مل في البيوت الخاليــه
من بين راج لم يـــــزل
يسمو إليك وراجيـــــه
يشكون مجهدة بأصـــوا
ت ضعاف عاليــــــه
يرجون رفدك كي يروا
مما لقوه العافيــــــــــه
من يرتجى للناس غيــــ
رك للعيون الباكيـــــــه
من مصبيـــــــات جوع
تمسي وتصبح طاويه
من يرتجى لدفاع كـــــر
ب ملمة هي ما هيـــــه
من للبطون الجائعـــــــا
ت وللجسوم العاريــــه
يابن الخلائف لا فقـــــد
ت ولا عدمت العافيـه
إن الأصول الطيبــــــــا
ت لها فروع زاكيــــه
ألقيت أخبارا إليــــــــــــ
ك من الرعية شافيــة

وإذا كانت هذه القصيدة تعكس واقع الحال في زمن بغداد الغض الطري عندما كان زمام البطون والرقاب أيضا بأيدي الخلائف، فماذا يمكن أن نرتجي من واقع حالنا كله الذي آل زمامه إلى كبريات الشركات والبنوك التي تعرف غبر لغة الأرقام، ولاتملك قلبا ولا رحمة؟!!!

ليست هناك تعليقات: