الجمعة، 15 فبراير 2008

التدوين العربي بين الهواية والاحتراف

كتب يوم السبت,تشرين الأول 20, 2007

لم تعد أهمية التدوين تخفى على جمهور المتصفحين الافتراضيين والورقيين على حد سواء. وخاصة بعد أن تسللت كثير من الكتابات الافتراضية بهدوء إلى عوالم النشر الحقيقي فسكنت بين دفتي الكتب وحلت بين أعمدة الصحف والجرائد. وفي ذلك اعتراف مبطن من الناشرين بقيمة التدوين وجدواه.

بل لقد خصصت كثير من الجرائد والصحف مساحة هامة للحديث عن التدوين والمدونات والمدونين، مع نشر بعض الإدراجات التدوينية المختارة.

وإذن، لم يعد التدوين مجرد هواية عابرة كسحابة صيف زائلة أو نزوة طائشة بل أصبح حقيقة راسخة تجري في وديان الانترنت الافتراضية مجرى الدماء في العروق الجسدية.

وإن مضى على بداية التدوين زمن قصير لا يتجاوز في العد ثلاث سنوات أو أكثر بقليل فإن ما ضخه المدونون العرب في بحار الإنترنت من مقالات وإدراجات وصور يكاد يشبه السيل عند انحداره من أعالي الجبال إلى سفوحها.

ولو حُول ذلك العمل الافتراضي كله إلى مطبوعات ومنشورات ورقية لتولدت عنه مكتبة هائلة تمتد من المحيط العربي إلى خليجه.

ولو نقح ذلك العمل الافتراضي وشذب من كل العوالق والطحالب، ونزع عنه كل الزبد الذي يذهب هباء لتمخض عنه عمل كثير جيد يدوم أثره ويستمر نفعه بين الناس.

ولكن ليس كل مدون افتراضي كاتبا حقيقيا بالضرورة، لأن كثيرا من المدونات لا يمكن أن يعول عليها في جد أو هزل أو في شيء قليل أو كثير، وهي أشبه ما تكون بلعب الصبيان قبل أن يرشدوا ويبلغوا سن الحُلم.

ولكن، كل كاتب حقيقي يسهل عليه أن يتحول إلي كاتب افتراضي متميز إذا ما سمح لنفسه بولوج العوالم الافتراضية من أبوابها الواسعة.

إن أول مُنطلق التدوين الاحترافي هو وضوح الرؤية لدى صاحبها، وذلك قبل أن ينتقل وضوحها إلى عموم القراء والمتصفحين.

والإنسان في العادة عندما يكتب أو يدون أو يرسم أو يغني أو يعزف إنما يكتب ما اتضح لديه من أفكار أو خواطر، أو ما ارتسم على سطح مخيلته من صور وألوان وأضواء، أو ما عزف على أوتار حسه المرهف من ألحان وأنغام.

وعندما يهتدي أي واحد منا إلى اكتشاف نوع من الوضوح في حسه ووجدانه أو في نفسه أو في عقله ثم ينقله إلى الآخرين في أحسن تعبير أو تصوير أو إيقاع يحرز فضيلة بشرية عليا تميزه عن سلوك الحيوان الذي يكاد ينحصر دوره في الأكل والشرب والتناسل. وتلك أدنى خصائص البشر البهيمية الدنيا.

ومع الأسف الشديد، فإن قِلة من المدونين العرب هم الذين يُعنون بأمر هذا الوضوح على حقيقته، ولذلك فهم يعانون كثيرا في عزلتهم الافتراضية أمام شاشة الحاسوب؛ فالوصول إلى اكتشاف الوضوح في جوانب النفس والعقل صعب، وأمر إخراجه إلى حيز الوجود الافتراضي أو الحقيقي أصعب لأنه يحتاج إلى إِعمال طاقة كبيرة تنهك الجسد وتوتر الأعصاب وتلهب المشاعر والأحاسيس.

وأكثر المحسوبين على عوالم التدوين افتراء وبهتانا لا هِمة لهم ولا رأي ولا فكرة، وإنما يدورون في حلقة مفرغة من العبث واللهو والهذيان الطفو لي الحالم غير المسئول، ومنتهى همهم عداد الزوار وتملق القراء والتحايل عليهم، والاستغناء بالصورة عن العبارة عجزا لا مهارة.

ولنا في مجتمع مدوني (مكتوب) خير مثال. فقد جمع هذا المجتمع الافتراضي الهائل أصنافا شتى من المدونين الصادقين ومن أشباه المدونين المتسلقين والمغامرين والمراهقين والمهوسين بعداد الزوار فقط .

ليست هناك تعليقات: