الأربعاء، 13 فبراير 2008

احتجاج قديم على ضرب النساء

كتب يوم الأحد,تشرين الثاني 26, 2006

عالجنا في إدراجات سابقة بعض قضايا المرأة والرجل في التراث العربي القديم، من جوانب مختلفة في زاويتنا المخصصة ل( حديث المرأة والرجل ).
وكنا في إحداها قد عرضنا لموقف الجاحظ الإيجابي من المرأة باعتبارها شريكة وقرينة، وأدرجنا له دعوة صريحة لإنصاف حقوقها. وقد قفز عنها كثير من الدارسين لتراث الجاحظ، أو لم يتنبهوا لها، وذلك رغم أهميتها وجرأتها في حينها، أي: في أواسط القرن الهجري الثالث.

وقد جهر الجاحظ بتلك الدعوة بدلا عن نساء المجتمع العباسي قبل أن تنشأ منظمات حقوقية نسائية معاصرة، وتوضع قوانين دولية لإنصاف المرأة من شريكها الرجل، وتعلن لأجل ذلك أيام من السنة بغرض الاحتفال والاهتمام بشؤون النساء وقضاياهن، كما في هذا اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني الذي خصص للتنديد بأشكال العنف المادي والمعنوي تجاه نساء العالم أجمع.

نقول هذا الكلام مع أن الظلم الواقع على الرجال والنساء واحد وممتد بين الأمس واليوم، غير أنه يتعدد في كل مرة ويتلون، وقد يتقنع ويتجمل.

وإذا حل هذا الظلم بأرض فلا يمكن أن يـُستثني من وقعه ومن وضرره أحد، لأن الإنسان امتداد لأخيه الإنسان؛ فلا فرق بين ذكر أو أنثى، ولا بين صغير أو كبير، ولا بين جليل أو حقير … وحدها الإنسانية تشقى بقول الإنسان وبفعله وبصنعه عندما ينحدر في اتجاه الدناءة.

ونريد في هذا الإدراج أن نكمل رسم باقي جوانب تلك الصورة القديمة الإيجابية التي رسمها الجاحظ في سلوك المواطن العربي القديم تجاه المرأة من خلال أفعاله أو انفعالاته، أو من خلال طبيعة نظراته أو تصوراته وانطباعاته، أو تجاربه معها كزوجة وشريكة، في أوضاع وظروف مختلفة.

وبعض مظاهر ذلك السلوك ربما كانت في، حينها، أكثر حضارية وعقلانية وإنسانية من سلوك كثير من رجال اليوم؛ إذ يبدو أن حضارة العولمة قد أثبتت عجزها عن تهذيب طباع البشر، وتخليق سلوكهم مع بعضهم البعض.

وربما تكون في الحكاية التراثية التالية إشارة وعبرة، مع قياس فارق الزمن طبعا. ولكن العبرة دائما تكون - كما يقال - بالنتيجة والموقف الإيجابي في السلوك الحضاري للبشر أنى وجدوا وحيثما كانوا:

وإليكم الحكاية، كما رواها شريح لصديقه الشعبي:
عن الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال: لقيني شريح، فقال لي:
يا شعبي عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولا.
فقلت: وما رأيت من عقولهن؟
قال: أقبلت من جنازة ظهراً، فمررت بدورهن، وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها، واستسقيت وما بي عطش.
فقالت لي: أي الشراب أحب إليك؟
قلت: ما تيسر.
قالت: ويحك يا جارية ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريباً.
فقلت للعجوز: ومن تكون هذه الجارية منك؟
قالت: هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة.
قلت: هي فارغة أم مشغولة؟
قالت: بل فارغة.
قلت: أتزوجينيها؟
قالت: إن كنت كفأ ولم تقل كفوا، وهي بلغة بني تميم.

فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسي والمسيب، ومضيت أريد عمها.
فاستقبلنا وقال: ما شأنك أبا أمية؟
قلت: زينب ابنة أخيك..!
قال: ما بها عنك رغبة.

فزوجنيها، فلما صارت في حبالي ندمت وقلت: أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت: أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل بها، فإن رأيت ما أحب.. وإلا كان ذلك.

فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها يهدينها حتى أدخلت علي. فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين. ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها. فتوضأت. فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران.

فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت: على رسلك أبا أمية. ثم قالت:
الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد، فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك مَنْكَح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا، وقد ملَكْت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.

قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت:
الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله أما بعد، فإنك قلت كلاماً إن ثَبَتِّ عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدَعيه يكن حُجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيتِ من حسنة فابثُثِيها وما رأيت من سيئة فاستريها.

فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهه أكرهه.
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.

قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى.
قلت: من هذه؟
قالوا: فلانة أم حليلتك.
قلت: مرحباً وأهلا وسهلا.

فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية.
فقلت وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا.
قالت: كيف رأيت زوجتك؟
قلت: خير زوجة وأوفق قرينة لقد أُدِّبت فأحسنت الأدب، وِريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً.
فقالت: أبا أمية إن المرأة لا يُرى أسوأ حالا منها في حالتين.
قلت: وما هما؟
قالت: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة.
فقلت: والله لقد أُدِّبت، فأحسنت الأدب، وِريضت فأحسنت الرياضة.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟
قلت: ما شاءوا.
فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معي يا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئاً.

وكان لي جار من كندة يُفزع امرأته ويَضربها، فقلت في ذلك:
رأيت رجالا يضربون نساءهم
فشلت يميني يوم تضرب زيــــــنب
أأضربها من غير ذنب أتت به
فما العدل مني ضرب من ليس يذنب
فزينب شمس والنساء كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكــــــــــب

كان هذا رأي وسلوك بعض العرب في المرأة قديما، قبل الإعلان عن عيد الحب، 14 فبراير شباط، وقبل اليوم العالمي للمرأة، 8 مارس آذر.

وللقارئ الكريم ، ذكرا كان أم أنثى، أن يستنتج من هذا النص ما يحلو له، ويتأول ما يروق له. ولكن عليه، قبل ذلك، أن يدير في ذهنه آلاف الصور الصامتة والناطقة، المكشوفة والمستورة، عن حقيقة نساء قد يحرمن اليوم حتى من الحوار والمحاورة التي حفل بها النص المقتبس، ويقتلن في حياتهن بالغصب والمراودة والكيل والتطفيف والمساومة…

لا أعتقد أن الصورة قد اختلفت كثيرا عن الماضي، وحتى ملكات الجمال والفتنة منهن، والعالمات والمثقفات بل وحتى الرئيسات والأميرات والمحظوظات منهن… لكل واحدة من الإناث نصيب من النكد وحظ من التعاسة قد يقل وقد يكثر، ليس دائما بسبب الزوج ربما بسبب أقرب الأقارب، وربما بسبب أبعد الأباعد أيضا..
———–
هامش:
النص مقتبس بتصرف حواري عن ( المستطرف من كل فن مستظرف) للإبشيهي.

ليست هناك تعليقات: