الأربعاء، 13 فبراير 2008

القطار والشعر 1

كتب يوم الأحد,تشرين الثاني 19, 2006

الورقة الأولى: ذكرى وحنين

كلما فتحت صفحة من الشعر العربي إلا وتبادرت إلى ذهني صورة القطار.
وهذا التلازم بين الشعر العربي والقطار اكتشفته، أول مرة، في زمن الطفولة عندما كنت أستظهر قطعا من محفوظات الشعر العربي وأنا أسير بجانب سكة القطار، أو أعبر قضبانها الحديدية.

ولا أعلم بالضبط كيف راودتني فكرة الشعر والقطار في تلك المرحلة المبكرة من حياتي، فجعلتني أربط هذا الربط العجيب بينهما كلما لمحت السكة الممتدة في الأفق البعيد، أو تتبعت حركة القطار الزاحف عليها مقبلا أو مدبرا كجلمود من حديد، أو جربت المشي مترنحا ومتمايلا على أحد القضبان الحديدية منتشيا بمرحي الطفولي الحالم المسافر، قبل أن أفقد توازني وأسقط جانبا.

ولكن الذي أعلمه جيدا أن قصتي مع القطار والشعر كانت حدثا مميزا في حياتي. وقد تطورت قصتهما وامتدت في كياني وفي واقع حياتي الخاص عبر مراحلي الدراسية كلها من الابتدائي حتى الجامعي.

وهكذا شاء القدر أن تكون السكك همزة وصل بيني وبين عوالم المعرفة، وحاجزا كنت أعبره في رحلة الذهاب والإياب إلى جميع مؤسسات التعليم التي ولجتها في مدينة فاس المغربية، بدء بالمرحلة الابتدائية فالإعدادية فالثانوية فالجامعية.

بل لقد شاءت محاسن الصدف أن يكون أحد أقسامي في المرحلة الإعدادية مشرفا بشكل مباشر على خط السكة الحديد، وعند بداية النفق الذي يشطر جزء من مدينة فاس إلى نصفين في اتجاه مدينة وجدة شرقا عبر باب الفتوح.

ثم توطدت علاقة الشعر بالقطار في عقلي وكياني أكثر في المراحل الثانوية والجامعية، عندما صار توجهي أدبيا خالصا، وعندما قويت لدي نوازع الأدب، وازداد شغفي بالأشعار العربية وتعمق وعيي بها وفهمي لأسرارها وأبعادها.

وربما كانت صورة القطار التي انطبعت في ذاكرتي مع مرور الزمن مطية خفية حملتني إلى عوالم الأدب، من حيث لا أدري.

وإذا كان الأمر كذلك فالله أسأل أن يجازي عني كل القطارات وكل العربات وكل السكك والقضبان التي أوصلتني إلى عوالم الشعر والأدب، وجعلتني أتخصص في دراستهما وفي تدريسهما بعد ذلك لطلاب الجامعة. وإن في مدينة أخرى غير مدينة فاس، وهي مدينة مراكش الحمراء.

ومدينة مراكش هي المعادل الموضوعي لمدينة فاس تاريخيا وحضاريا وعمرانيا. وهي نهاية المطاف للسكك الحديدية المتجهة صوب الجنوب المغربي، وعند محطتها يحزم جميع المسافرين حقائبهم ويجبرون على مغادرة جميع العربات، للانقطاع خط السكة عند هذه المدينة.

وقد شاءت الصدف أيضا أن يكون صديقي القطار هو من حملني إلي هذه المدينة أول مرة في خريف سنة 1986، لكن ليس من أجل الدراسة كما كان الوضع سابقا، وإنما من أجل الوظيفة والتدريس والعمل.
فما أغرب العلاقة بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، وما أعجب أمر القطار في حياتي بين رحلتي البداية والنهاية، وما ألطف الصدف .!!

اليوم، وقد بلغت من العمر أشده، وعيت أكثر من كل وقت مضى سر هذا الارتباط العميق في حياتي بين عوالم الأدب والشعر العربي وعوالم القطارات والعربات.

ولكن، هناك ارتباط حقيقي آخر اكتشفته اليوم بين عوالم الأشعار العربية خاصة وعوالم السكك. وهو غير ذلك الارتباط الخيالي المجازي الحالم الذي اكتشفته في طفولتي وصحبني شطرا كبيرا من حياتي.
وهذا الارتباط الحقيقي الخفي هو موضوع الإدراج الموالي.

ليست هناك تعليقات: