الخميس، 14 فبراير 2008

خط الإرهاب الدولي

كتب يوم الأحد,نيسان 29, 2007

ربما درج البعض منا على استعمال عبارة خط (جرينتش الدولي)، أوخط (الاستواء )، أو خط (الحرير) أو خط (العبيد) أو خط (القمح) أو خط (الأرز) أو خط (الغاز) أو خط (البترول) أو غير ذلك من الخطوط الدولية الوهمية الكثيرة الفاصلة القائمة في أذهان البشر، منذ القدم، لتمييز منطقة جغرافية عن أخرى، أو قوم عن قوم آخرين بفضيلة أو نقيصة في ناحية من نواحي الكرة الأرضية شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا لأسباب تاريخية أو سياسية أو اقتصادية أو طبيعية أو جغرافية أو ثقافية أو إستراتيجية أو استعمارية أو دينية أو حتى عنصرية أو استئصالية…

ومع أن الحديث عن موضوع الإرهاب قد طال في أيامنا هذه واستفاض، وأُشبع بحثا ودرسا، واختلفت حوله الآراء والمذاهب من كل حدب وصوب، وتنازعت حوله المصالح والأهواء بين الأقوياء والضعفاء عند تقاطع المصالح أو تعارضها، وتجاذبته العواطف والنوازع بين كل طالب أو مطلوب وتابع أو متبوع مدافعة أو مطاردة أو اقتفاء لأدنى شبهة أو أثر، وتحولت معه كرونولوجيا الإرهاب اليومية إلى أفعال على ردود أفعال، وأقوال على أقوال، وهكذا دواليك فيما يشبه الدائرة الحلزونية أو المتاهة اللامتناهية التي لا يلوح في أفقها أي بصيص لنقطة ضوء.

ومع كل هذا وغيره فلم أجد في حدود ما اطلعت عليه أية إشارة من الدارسين أو المحللين السياسيين إلى عبارة (خط الإرهاب الدولي)، أو أية محاولة لربطها بغيرها من الخطوط الوهمية الدولية القائمة في أذهان البشر.

وحتى لا أخوض في التفاصيل المملة لهذا الموضوع الشائك والذي يعلق بالأذهان ويمتزج بالوجدان كلما جرى ذكره على اللسان، فقد فضلت اختزاله في الإشارات العابرة التالية:

- يبدو من معاينة الوقائع والأحداث الدولية أن خط الإرهاب الدولي قائم من ناحية الحيز الجغرافي والمكاني، مع الأسف الشديد، في قلب العالم العربي، من خليجه إلى محيطه، كما يبدو على الأقل من نشرات الأخبار العربية والدولية؛ فكما يمكن لأي واحد منا أن ينسب خطي (الأرز) و (الحرير) مثلا إلى البلدان الأسيوية بامتياز، أو خط (العبيد) سيء الذكر إلى دول إفريقيا السوداء أيضا فكذلك قد يسهل على أي فرد من العالم أن يربط بين خط الإرهاب الدولي والعالم العربي بامتياز أيضا؛ فكأن قدر العرب وحدهم، أن يُطبع وسم(الإرهاب) على جبينهم، كأنه علامة من العلامات أو ماركة من الماركات التجارية المسجلة لدى البيت الأبيض الأمريكي، أو عند منتدى الأمم المتحدة صانع القرارات والإملاءات الدولية…

- إن هذه المقاربة الخطية التي تربط ربطا أوتوماتيكيا بين المواطنين العرب والإرهاب، وهذا ما تسعى سياسة أمريكا إلى ترسيخه في أذهان العالم بالفعل والكلام، تجعل من الكائن العربي مشروعا مفتوحا لصناعة الموت بدل الحياة بعد اليأس وانقطاع الرجاء، من خلال القنابل الجسدية أو الأحزمة الناسفة، تماما كما تجعل من المواطن (التايلاندي) مثلا كائنا يألف الانغماس في أحواض الأوحال والماء بجسمه النحيل الضئيل عند غرس الأرز أو عند حصاده.

والوضع نفسه ينطبق على المواطن الياباني عندما يعكف في مختبره على الروبوتات، أو الشرائح الإلكترونية فائقة الدقة والتقنية. وقس على ذلك سلوك كل فرد في أية ناحية من نواحي هذا العالم الذي يتسع مداه باستمرار للأقلية الغالبة المتحكمة ويضيق بنفس الوتيرة على الأكثرية المغلوبة المنبوذة. ….

- إن أخطر ما في هذه المقاربة الخطية أن تتبناها الأنظمة العربية الحاكمة من خلال سلوكها وخطابها وطريقة معالجتها لموضوع الإرهاب، حيث يبدو أنها قد آثرت المقاربة الاستئصالية لجذور الإرهاب الدولي حسب المنظور الأمريكي المعولم؛
وهكذا فقد فضلت معالجة هذا الإرهاب الفردي أو الجماعي بردود أفعال رسمية مضادة تضيف إلى النار المشتعلة هنا أو هناك مزيدا من الملح أو الزيت أو النفط أو الغاز، فكأنها تنكأ الجراح بجراح أخرى أشد عمقا وإيلاما ليتسع الخرق على الراقع، وليتحول المواطن العربي على مدار الساعة إلى وقود لا ينضب لتلك النيران المتأججة ومصدر ألم دائم للأجسام والعقول والنفوس، وليصبح خط الإرهاب هذا أكثر سمكا وامتدادا وقتامة في بلداننا العربية، وليتحول عالمنا العربي كله بمواطنيه وحكامه ومدخراته وطاقاته إلى درع وهمي يحمي في حقيقة الأمر مصالح أمريكا وحلفاءها وأصدقاءها المنغمسين هم أيضا حتى الأعناق في مشروع لعبة الإرهاب الدولية الأمريكية، ولتبقى أمريكا أكبر فترة ممكنة من ولاية بوش وعصابته بمنأى عن كوارث خط الإرهاب ذاك وزلازله، وحتى لا تحل بعقر ديارهم، أو تصيب مواطنيهم شظية من شظايا القنابل البشرية العربية الموقوتة….

ولأجل هذا الغرض فهي تعمد بشكل خفي تارة وعلني تارة أخرى، إلى محاصرة خط الإرهاب ذاك في حدوده الجغرافية العربية. فهي لا تريد أن تتكرر حادثة 11 أيلول سبتمر مرة أخرى على أرضها (المقدسة المصونة), ولو كلفها ذلك تدمير العالم العربي كله على رؤوس أهله وناسه؛ وما واقعة العراق الشقيق عنا بغريبة، ولا أحداث لبنان عنا ببعيدة لولا بقية من مقاومة شريفة، وإلا لكان وضع لبنان كوضع العراق أو أفظع.

- إن فشل العالم في معالجة موضوع التطرف ومحو خط الإرهاب الأسود القاتم الماثل على سطح خريطة العالم العربي، هو في حد ذاته، فشل للأنظمة العربية نفسها قبل أن يكون فشلا لأمريكا وكل حلفائها الدوليين الذين انجذبوا طوعا أو كرها إلى لعبة الإرهاب الأمريكية التي لم تعد خدعها تخفى حتى على السذج من الناس، وقد نالهم من الضرر والإثم ما نالها أيضا وذلك بمقدار قوة انجذابهم إلى كتلة النار الإرهابية المشؤومة تلك …

- وأعتقد في نهاية هذه المقاربة المتواضعة أن مشكل الإرهاب القائم في بلداننا هو ملمح بارز على فشل أنظمتنا الحاكمة في تدبير مشكل الخلاف القائم بينها وبين مواطنيها قبل كل شيء آخر، وفي الاستجابة التلقائية لأهداف شعوبها ومطامحها وتطلعاتها إلى التنمية والديموقراطية الحقيقية بعيدا عن كل إجحاف أو إكراه أو قمع أو مصادرة للحرية بذريعة من الذرائع الديماغوجية، قبل أن يتحول هذا الإرهاب، في مفهومه العام، إلى مشكل تصفية حسابات تاريخية أو استعمارية أوثقافية أو دينية أو سياسية …بيننا وبين بعض الدول الغربية المهيمنة بعد أن زادت شراهتها أكثر لالتهام مدخراتنا واستنزافنا بحجة الإرهاب نفسه، وأملا في فرض مزيد من سياسة الحجر والوصاية على أنظمتنا الحاكمة، ولفرض مزيد من الشروط المجحفة في حق المواطن العربي عند حله أو ترحاله لمجرد أنه عربي فقط، أو لمجرد سحنته العربية التي لا يملك معها أية قوة أو حيلة …

- وأعتقد أن الدرس الذي ينبغي أن تتعلمه أنظمتنا من مشكل الإرهاب الشائك هذا هو: كيف تستطيع أن توفر حياة مواطنيها للإنتاج وصناعة الحياة بدل أن تحصر سياستها في مقاربة أمنية هشة لها ولحلفائها في الداخل والخارج. ولذلك فإن هذه المقاربة الإستئصالية المستبعِدة لكل أشكال الحوار النزيه النبيه كثيرا ما تؤجج مزيدا من النيران الإرهابية بدل أن تخمدها، و كثيرا ما تضرب زيدا بعمرو، أو تحرق أخضرا بيابس، أو تخلط بين متهم وبريء؟!، أو ربما حتى لتستغل تهمة الإرهاب لأغراض ومقاصد شتى ظاهرها حق وباطنها باطل، كما قد يلوح للبعض…

- ترى، متى تتعلم أنظمتنا قطع الطريق على صاحبة الجلالة أمريكا حتى لا تعبث بأمننا التي لا يساوي عندها مقدار قلامة ظفر، قبل أن يحاول بعضنا عبثا العبث بأمنها غيرة أو انتقاما.؟!….
فهاهي ذي أمريكا ترضى لنفسها بشكل متبجح وسافر أن تضحي بدولة عربية كاملة ذات مجد وحضارة كالعراق الشقيق العظيم لتوفر حياة عدد ضئيل من مواطنيها، فهل تقدر أنظمتنا أن تتهمها جهارا بالإرهاب مثلا بعد أن أبادت وأحرقت وأتلفت وأزهقت من الأرواح العربية والمسلمة البرئية ما لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه وتعالى؟!

و هل يمكن أن نقيس إرهاب أمريكا الدولي المنظم والمدعوم والمبرر بالقرارات الدولية والضغوطات السياسية والاقتصادية لأهداف الهيمنة الدولية بإرهاب أفراد أو جماعات مطاردة أرادت بشكل أو بآخر أن تقول كلمة: لا في وجه أمريكا وربيبتها إسرائيل ولحلفائهما في الشرق والغرب، أو لتثير الانتباه إلى هذا الإجحاف والالتباس الكامنيين في حقيقة تلك العلاقة الملتبسة القائمة بين أنطمتنا مع مواطنيها من جهة، وبين علاقة أنظمتنا بأمريكا وحلفائها وأصدقائها وأعدائها من جهة ثانية؟.

- وكأن أمريكا تريد بسياستها الإرهابية المعاكسة هذه أن تبقى على الدوام هي المحاصِرة بدل المحاصَرة، والسابقة بدل أن تكون المسبوقة، والظالمة بدل المظلومة والمرهِبة بدل أن تظل في وضعية الخائفين الخانعين الذين لايقدمون ولا يؤخرون شيئا ذا بال من حقيقة وضعية عالمنا المعولم ظاهرا والمطبوع برغبات ومصالح الهيمنة الأمريكية على الأرض والعباد باطنا، إذعانا لشريعة الغاب وفرضا لسياسة الأمر الواقع على كل من شاء أو أبى، وإلا فإن تهمة الإرهاب قائمة أبدا بين كل قول أو فعل ومرفوعة في وجه كل الوجوه المتجهمة المستنكرة للسياسة الأمريكية لا محالة…

ليست هناك تعليقات: