الخميس، 14 فبراير 2008

التدوين الافتراضي والنشر الورقي: أية علاقة وأي تعاون؟! 1

كتب يوم السبت,كانون الثاني 06, 2007

الورقة الأولى: مقدمة تمهيدية:

من الطبيعي جدا أن يعمل كل واحد منا على شاكلته ووفق ما يناسبه في هذه الحياة، ومن المنطقي أيضا أن يسعى كل واحد منا إلى إيجاد موطئ قدم راسخة له على سطح هذه البسيطة ما وسعه الوقت والجهد والعمل والتخطيط والتفكير، أو حتى المكر والدهاء إن اقتضى واقع الأمر وشرط التدبير.

وقد سبق لنا في إدراجات عدة أن تحدثنا عن طبيعة الكائن البشري العجيبة، وعن قدراته الفائقة على التنكر والخداع والتلون، حتى أنه يصح لنا أن نصفه ب (الكون الصغير) سليل الكون الكبير؛ لأنه يقدر بعقله الخارق الجبار المودع في جمجمته الصغيرة بين شحم ولحم ودم وعظم، وبحركات جسمه المحدودة بالزمان والمكان الأرضيين، أن يسافر إلى أبعد الحدود، وأن يستوعب كل أسرار الكون الفسيح وكل حقائق وخفايا عجائب المخلوقات الحية والجامدة. فهو جوهر هذا العالم ومستودع أسراره وكنوزه، والمؤتمن أيضا على مصيره.

أما اليوم، وبعد أن حقق الإنسان كل هذه الثورة التكنولوجية الرقمية الهائلة فقد أصبح مراد كثير من الناس أن يكون لهم موقع ثان في الحياة السماوية الافتراضية إلى جانب موقعهم على الحياة الأرضية الواقعية.

وفعلا، لقد اختصرت الرحلة المعرفية الرقمية الجديدة المفتوحة على كل الأبواب وعلى كل الاتجاهات كل الرحلات المعرفية السابقة التي كانت محدودة بالتضاريس وبالجغرافيا، وكل التجارب الشاقة مع القرطاس ومع الأقلام والمحابر، قبل الكتابة وأثناءها، وحتى بعدها إذا ما آل أمر أصحابها إلى جلادي الرقابة. تلك الكائنات البشرية الوحشية المتربصة ببنات الأفكار والعقول والمتجسسة دوما على خفقان الجوانح ونبضات القلوب…

الآن، وقد فرضت الحياة الرقمية الجديدة نفسها على واقعنا اليومي فرضا لا يمكن رده أو مقاومته أو الاعتراض عليه فإن سكان هذه الدنيا التي اختصرها الحاسوب الصغير إلى ما يشبه قرية صغيرة، ماضون قدما في طريقهم ليتحولوا إلى كائنات افتراضية، تحلق ليل نهار في أثير الفضاء من غير جوانح، وتسافر عبر الأجواء البعيدة من غير تذاكرجوية غالية، ومن غير حواجز جمركية، وإجراءات تفتيش مجحفة أو تعسفية.

والكل يسعى اليوم ليعرض زاده أو يوقد زناده عند منعطف من منعطفات طرق المعرفة الفضائية السيارة، ليبعث إشارة، أو يثير فضولا، أو يشعل شهوة، أو يقيم ثورة، أو يحرك زوبعة وغبارا أو يخمد فتنة أو يطفئ نارا …

إن طفرة المدونات العربية الهائلة التي نشهدها اليوم هي نفسها طفرة الحياة العربية الجديدة بكل ما تحمله من حقائق وأسرار، ومن آمال وأوهام، ونكسات وجراح، ومطامح وتحديات…

وقد كان شعر العرب، في زمن الصدق الأول، هو ديوانها ومستودع علومها وتجاربها، ثم تحول بعد ذلك عندما احتكره السلاطين إلى أسواق مفتوحة ليل نهار، كما فضائياتنا اليوم، لبيع الذمم وشراء الإطراء والولاء. إلا من اختار قهرا ومقاومة أن يفنى في روح الشعر ويغترب بروحه بعيدا عن إغراء الدينار الذي يلمع ذهبا، ويفر بجسمه من سيف الجلاد الذي يبرق بطشا وموتا…

ثم عندما دخل العرب عهد الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع ضلت المعارف العربية، مرة أخرى، طريقها الصحيح، وأصبحت تائهة في وسط الطريق تتقاذفها وتتجاذبها أهواء حكوماتنا الرشيدة وغير الرشيدة ومذاهب زعماء أحزابنا المعلبة والمستوردة وإغراءات المتنفذين من المستعمرين وأصحاب المال الخاص والعام. وخلف الجميع، كما عودنا التاريخ، يقف حشد هائل من المداحين وحملة الأقلام المأجورة.
أما باقي الكتاب الأحرار فمنهم من آثر العزلة بدينه ومبادئه، ومنهم من ارتجى السلامة لنفسه ولذويه، فلزم الصمت، أو اختار أن يمسك العصا من المنتصف؛ فكان أمره بين بين، لا له ولا عليه، ولا هو بأبيض ولا هو بأسود. وتلك أسوأ الحلول وأخبث الاختيارات..

إن المدونات العربية، اليوم ورغم طابعها الافتراضي، فهي تبقى المرآة الحقيقية التي تنعكس عليها صور حياتنا الماضية والحاضرة والمستقبلية كاملة وصارخة، مهما قد يشوبها من سخف واستهتار، ومن عري وفجور، لأن الحياة في بعض جوانبها الحقيقة هي كذلك، وكما نكون نحن ندون نحن.

إن التدوين اليوم، رغم ما يقال عنه من نقد وتجريح، يبقى، حتى في أسوأ حالاته، ثورة العربي الأعزل من خلال كلمة يرقنها أو صورة ثابتة أو متحركة يرسلها.

والتدوين بمعنى من المعاني هو صوت من ليس له صوت مسموع عند حكومته أو حزبه أو عشيرته أو أسرته، أو حليلته أو أبنائه، أو حتى عند نفسه إن كان يخاف من نفسه أو يخشى منها على ضميره.

وقد تكفي هذه المدونة التي أطلقت عليها اسم ( كلمات عابرة ) دليلا واحدا على حالة واحدة من حالات التدوين الكثيرة التي تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع المدونين على خريطة واقعنا العربي الافتراضي.

فعندما انطلقت إلى عالم الكتابة الافتراضية عبر هذه المدونة، منذ ما يزيد عن العام، لم أرج جزاء ولا شكورا، ولا فضلا ولا جاها، وإنما أحببت فقط أن ألقي بضاعتي المعرفية وخبرتي التعبيرية والشعورية في بحر الأنترنت ليلتقطها من يشاء..

وهناك عدد هائل من المدونين المغاربة والعرب مثلي ثابروا على التدوين، وأمضوا الساعات الطويلة من وقتهم المقتطع ربما من حساب عملهم وشغلهم أمام أجهزتهم الإلكترونية يعتصرون الأفكار، ويقاومون أثر العزلة الإجبارية التي فرضوها على أنفسهم أمام شاشة متوهجة تنسدل عليها حروف وكلمات وتنبعث منها حركات صور وأصوات.

وهناك كثير من الإخوة المدونين سبقوني إلى هذا الميدان منهم من لا زال مثابرا يواصل عمل التدوين، ومنهم من انقطع بعد أن سجل مروره وترك بصمته الواضحة في فضاء التدوين العربي.
أما من التحق بعالم التدوين في هذه الشهور الأخيرة فعدد هائل يصعب عده أو حصره.

وبعد الذي قلناه وأوضحناه نخلص إلى الأسئلة الاستفهامية التدوينية التالية:
ــ كيف يمكن تمييز جيد التدوين من رديئه داخل هذا الركام التدويني الهائل؟
ــ وما هي المعايير النقدية المضبوطة لمعالجة نصوص المدونات وتقييمها وتقويمها أيضا؟
ــ وما هي مظاهر التعاون الممكنة بين واقع التدوين الافتراضي وواقع الكتابة الورقية المطبوعة على أعمدة الجرائد والمجلات والصحف.؟؟
ــ وما هي حدود استفادة المطبوعات الورقية من جهود المدونين المخلصين؟؟

تلك الأسئلة ستكون موضوع الورقة الموالية، ونرجو من الإخوة المدونين والقراء الكرام أن يسعفونا بآرائهم ومقترحاتهم لتوسيع دوائر النقاش والوضوح حول هذا الموضوع.

ليست هناك تعليقات: