السبت، 16 فبراير 2008

من الثورة النووية إلى الثورة المنوية

كتب في يناير 28, 2008

قد يخرج هذا الإدراج قليلا عن عادتي في الكتابة، ليس بسبب اختيار هذا الموضوع فقط، رغم أهميته القصوى في تحديد مستقبل البشرية، وإنما بسبب العنوان أعلاه نتيجة لحساسيته الشديدة؛

ففي عالمنا العربي الذي تطغى عليه التركيبة الازدواجية وحتى الثلاثية والرباعية يصعب علينا كثيرا أن نجد شخصيات فردية حقيقية، أي شخصيات أحادية التركيب والطبع والمزاج، واضحة الأهداف والمقاصد ثابتة على المبادئ والعقائد. ولعل أصدق مثال على هذه التركيبة المختلطة المثل المغربي السائد:( كـيْخاف ما كـيْحشمْ ).

وأعتقد أنه داخل كل بلد عربي نظائر كثيرة لهذا المثل المغربي الدارج لا أعرف منها غير المثل المصري الذي حفظته عن ظهر قلب من فرط إدماني السابق على تتبع المسلسلات المصرية في فترة تكويني التلفزيونية: ( ناس بِتـْخاف ما بْتِخـْتـِشيشْ).

وكما يمكن أن ينطبق هذا المثل علينا نحن - معشر المواطنين من الدرجة العادية وما تحت العادية - المسيجين داخل حظائر القهر والصمت، يمكن أن ينطبق أيضا على حكامنا - من الدرجة الأولى المصنفة في إطار السدة العالية والمقام الرفيع وما فوق ذلك ..، وإلا كيف نفسر صمتهم وعجزهم عن فك حصار غزة ومد الحد الأدنى من يد المساعدة، وليس كل اليد، إلى إخواننا الفلسطينيين المشردين المنكوبين الذين يستنجدون ويستجدون من خلف الحواجز والمعابر… !!

لافرق بينا وبينهم إذا؛ فنحن نخاف ونطيع من تحت، وهم يخافون ويطيعون من فوق. والمثل السابق يشملنا جميعا. والحمد لله على هذا الوضع الذي لا نحسد عليه والذي جعلنا حاكمين ومحكومين سواسية وفي صف واحد متراص أمام هذه الازدواجية .. !!

وبين الخوف والحياء تكمن أزمة التفكير والتعبير والتدبير في هذه الأمة، وإن كنا نعلم جميعا حسب ما تنص عليه أبجديات التربية والتوجيه والتعليم عندنا: أن (لا حياء في الدين)، وأن (العلم والخجل لا يجتمعان). ولكن، كم من وجوه نعرفها عبر المصافحة وعبر الإعلام وعبر التلفاز وهي في حقيقة الأمر وجوه غير الوجوه لأنها ركبت من مثنى وثلاث ورباع وهلم جردا وعدا… !!

ومما عقد عنوان هذا الموضوع أكثر أنه يجمع بين أزمة الخجل الأدبي وأزمة الخجل السياسي عندنا دفعة واحدة، فأكون بذلك قد ورطت نفسي مرتين مُرتين (نسبة إلى المرارة):

فأنا أعلم أن محركات البحث الأمريكية العملاقة ستترصد هذا الإدراج بمجرد إرساله على الشبكة العنكبوتية لحساسيتها المفرطة تجاه الكلمات النووية.

كما أعلم علم اليقين أن محركات البحث العربي ستترصده بسرعة فائقة أيضا لكن، لحساسيتها المفرطة تجاه الكلمات المنوية.

عفوا عن كل ما اقترفناه في ديباجة هذا الإدراج من رفث ولغو، ولنعد إلى جوهر الموضوع.

هذا الموضوع هو عين الصواب والجد، ولا مجال فيه للهزل. ومن هنا، ومن باب الأمانة العلمية والأدبية والجغرافية والتاريخية، وجب علينا طرح هذا السؤال المصيري الخطير: ماذا أعد العرب لمستقبلهم النووي والمنوي؟، وخاصة بعد أن ينفذ مخزونهم من الغاز والبترول إلى درجة العدم في الأمد القريب، وتنخفض الخصوبة عند ذكورهم إلى درجة الصفر بسبب استفحال الآثار الجانبية للتلوث الإشعاعي في الهواء والتراب والماء وبسبب عواقب أنظمة التغذية الاستهلاكية المعدلة والمهجنة التي تعج بها أسواقهم؟

وفي بلدان الغرب تسير أبحاث التخصيب المنوي جنبا إلى جنب مع أبحاث التخصيب النووي وترصد لهذه التركيبة العلمية المزدوجة في دراساتهم وأبحاثهم واستراتيجياتهم ميزانيات ضخمة، وتستنفر لذلك جهابذة علماء الكيمياء والوراثة والفيزياء والذرة من بلدان العالم أجمع بكل وسائل الإغراء المادي والمعنوي للالتحاق بمختبراتها السرية جدا.

كما تحرص بلدان الغرب على إبقاء نتائج أبحاثها الدقيقة والخطيرة في المجالين معا طي الكتمان، بكل صدق مع نفسها و بكل شفافية، في انتظار (كودو)(1): أي في انتظار الوقت المناسب.

وسيصبح في إمكان الدول المتقدمة في المجالين معا التحكم في مصادر الطاقة المحركة لمستقبل هذا العالم، ووضع خرائط هندسية لتصميم وبيع وتسويق ملامح القادمين الجدد إلى هذا العالم الأرضي في المدى البعيد. ولكن، ليس عبر إحليل الرجل ولا عبر الطريقة الكلاسيكية المعروفة للتوالد البشري، وإنما عبر عملية تخصيب منوي في مختبرات خاصة لا تقل من حيث التعقيد والخطورة والفاعلية عن أي تخصيب نووي في الأفران الفولاذية العالية…

وما أخشاه بعد نفاذ البترول والغاز من أرضنا العربية أن يفوتنا الوقت ونستفيق ذات يوم لنجد أنفسنا في أزمة تخصيب منوي حقيقية عندما سينعدم مفعول إحليل الرجل العربي بسبب عوامل طارئة خارجة عن إرادتنا ، لنهلك وننقرض جميعا بسبب التفريط في البحث الجاد في علوم الطاقة النووية والمنوية، وانشغالنا بالجدل العقيم والغوغائية والصراعات البينية.

فهل أعذر من أنذر.. !!
——-
هامش:
في انتظار كودو ، مسرحية مشهورة للكاتب العالمي صمويل بيكيت (1).

ليست هناك تعليقات: