الخميس، 14 فبراير 2008

مراكش وحياة الهشاشة

كتب يوم الأربعاء,آذار 28, 2007

شأن مدينة مراكش الحمراء كشأن مثيلاتها من المدن المغربية الكبيرة والعتيقة، تقدم لزائرها صورتين متناقضتين لبنية الحياة العامة.

فالصورة الأولى، وهي صورة مخملية مشرقة يرفل أهلها في النعيم المقيم في دنيانا من حيث المسكن والملبس والمأكل والمشرب والمشموم والمركوب، تماما كما الصور الفتوغرافية الزاهية الألوان الملتقطة للتو.

وتطالعك هذه الصورة المتلألئة في الأحياء والمرافق الحياتية الراقية في منطقة كليز وفي شارع فرنسا حيث المركبات السياحية الفخمة مثلا.

أما الصورة الثانية فهي صورة قاتمة مهترئة تمكنت منها الأرضة تلك الحشرة الورقية الملعونة، تماما كما تمكنت حشرات الفقر والخصاصة والحاجة من أصحابها, فلم يبق من ملامحها وملامحهم إلا ما تداعى للسقوط والتلاشي عند أدنى هبة ريح، أو جائحة أو صاعقة…

فلا وجوه الناس البسطاء في هذه الصورة وجوها ولا الملامح ملامحا, إلا ما خطه الفقر والعوز على صفحتها من آثار وندوب وعمش وصفرة وكآبة جوع مزمنة في عيون الأطفال الصغار قبل الكهول والعجزة.

وتطالعك هذه الصورة كلما عبرت هوامش الحياة المراكشية في قلب أحياء المدينة العتيقة التي تتكدس فيها الأسر في غرف صغيرة كعلب السردين، ولكن سقوفها من قصب وأعمدة خشبية وحيطانها من طين وطوب، كما تطالعك نفس الصورة أيضا كلما مررت بجوانب ضفتي وادي إيسيل الذي يخترق مدينة مراكش منذ القدم ويشطرها نصفين.

وعلى ضفاف هذا الوادي الممتد في وسط المدينة عرضا وطولا تُختزل كل أنماط الهشاشة البشرية على وجه هذه البسيطة.

وقد أصبح هذا الوادي في هذه السنوات العجاف من المطر إلى مقبرة لكل النفايات المراكشية الصلبة والرطبة التي تتسرب إليه عبر قنوات الوادي الحار ومكبات شاحنات الأتربة وعربات الأزبال المجرورة بسواعد الفقراء المطحونين وبالدواب…

ومع الروائح الكريهة التي تنبعث من هذا الوادي فقد قامت على ضفافه دواوير وتجمعات سكنية كثيرة تكونت عبر أجيال متوالية عن طريق حركة الهجرة والنزوح القروي

ولا زالت كثير من الأسر النازحة إلى ضفاف هذا الوادي في منطقة عين إيطي وباب الخميس ودوار أولاد بن عقيد وأولاد بن رحمون والفخارين وسوق الربيع وسيدي يوسف بن علي وغير ذلك من الدواوير والتجمعات السكنية المنتشرة على طول مجرى الوادي تزاول بعض النشاطات الفلاحية كتربية بعض قطعان الماشية التي تقتات في الغالب على مخلفات الأزبال، وبعض الدواجن التي تنمو في هذه المنطقة الموبوءة بمخلفات النفايات البشرية والصناعية، فتراها تسرح وتمرح من غير مراقبة صحية أو بيطرية.

ولا نقصد من هذا المقال تشويه صورة مراكش التي تعرف في هذه الأيام إقبالا سياحيا منقطع النظير وتوسعا عمرانيا هائلا وتطورا سريعا في نمط الحياة، بعد أن استقطبت كبار المستثمرين من المغرب والعالم في قطاع الخدمات السياحية والفندقية والترفيهية.

وإنما القصد هو إثارة الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بهذه الجيوب الحياتية الهامشية المراكشية المهترئة على ضفاف وادي إيسيل وفي غير ذلك من مناطق الحياة الهشة.

ويحتاج إصلاح وتدعيم ما تهاوى من أركان تلك الصورة إلى جهود مضنية لتعتدل صورة المدينة في نظر أهلها وزوارها حيثما حلوا بها، ولتروق في سمعهم وفي شمهم أيضا، خاصة في فصل الربيع، وهو أنسب الفصول لجو هذه المدينة الساحرة بأريجها وعبقها التراثي الآسر,

فلا يعقل أن تطغى الروائح المنبعثة من ذلك الوادي ومن المجاري على أريج أشجار النارنج أو الزنبوع التي تمتلأ بها شوارع مراكش الفيحاء.



صورة شخصية، لجانب من واقع حياة الهشاشة على ضفاف وادي إيسيل
بمراكش

ليست هناك تعليقات: