السبت، 16 فبراير 2008

عندما يعود مجرى الوادي إلى سابق عهده

كتب في يناير 12, 2008

لم يتم تأسيس كبريات مدن المغرب بجوار الأنهار والوديان عبثا، وإنما ليصبح نسيج الحياة فيها مكتملا بما يوفره شريان الوادي الطبيعي من خير يشبع البطون ويروي الظمأ، ومن حسن يبهج النفس ويشرح الصدر.

أذكر إلى عهد قريب عندما كنت في سن الطفولة أن الوديان التي تخترق كبريات مدن المغرب أو تمر بجوارها كانت في حالة جيدة من الامتلاء والنقاء، بحيث كانت تفتح شهية الناس للخروج إلى جنباتها المخضرة لقضاء أمتع أيام الربيع، أما في الصيف فتصبح خلجان تلك الأودية ملاذ أطفال وشبان الطبقة الشعبية لإظهار مواهبهم في فن الغطس والعوم عندما تعوزهم الوسائل الضرورية لارتياد الشواطئ والمصطافات.

أما اليوم فقد أصبح مجرد المرور العابر بقرب هذه الوديان خطرا في حد ذاته يضيق له جهاز التنفس ذرعا كما الخاطر بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من البرك الآسنة التي قد يبعث منظرها على التقزز والغثيان، بالإضافة إلى ما تنشره من أمراض وأوبئة في التجمعات السكنية المجاورة التي يقوم جزء كبير من نشاطها على الفلاحة المسقية بالوادي الحار وتربية الدواجن والماشية التي تقتات من الفضلات والأزبال.

ولعل زوار مراكش قد لاحظوا أن مجرى وادي إسيل الذي يخترق مدينة مراكش في جزء كبير منها قد تغير منظره هذا العام، بعد أن تم حصر معظم المياه المستعملة والنفايات السائلة والصلبة لهذه المدينة السياحية في مركز خاص للمعالجة بعيدا عن مجرى الوادي.

إن هذه الخطوة المهمة في تدبير ومعالجة النفايات الحضرية دون الاعتماد في تصريفها على مجرى وادي إيسيل جعلت هذا الوادي يستعيد كثيرا من بهائه ورونقه وخاصة بعد أن ارتفع منسوبه بفضل أمطار الخير التي عرفها المغرب مؤخرا.

ولأول مرة، ومنذ قدومي الأول إلى مراكش للوظيفة والعمل، أحسست أن هذا الوادي قد تنفس مثلي ومثل جميع المواطنين العاديين الصعداء بعد أن تخفف كثيرا من الروائح الكريهة وعبء حمل أطنان المقذوفات البشرية والصناعية لهذه المدينة السياحية الفاتنة قبل أن تتوارى في البحر أو في جوف الأرض.

ولو تواصلت أمطار الخير وارتفع منسوب المياه أكثر لتمكن هذا الوادي من تنقية نفسه بنفسه بعد جرف كل الأكياس البلاستيكية وكل نفايات الأتربة ومخلفات البناء العالقة بين ضفتيه، كما تظهر الصور التي التقطتها حديثا بالهاتف المحمول.




ليست هناك تعليقات: