الأربعاء، 27 فبراير 2008

مستقبل اللغة العربية بين اللغات الأجنبية واللهجات المحلية

بدأت في الآونة الأخيرة تثار علامات استفهام كثيرة حول مستقبل اللغة العربية، وبدأ النقاش عبر وسائل الإعلام المكتوب والمقروء والمسموع، وعبر المواقع والمدونات والمنتديات يكبر حول هذا الموضوع بشكل يوحي بأن وضعية اللغة العربية قد أصبحت حرجة ومقلقة، وأن مكانتها الطبيعية التي حازتها في قلوب العرب ووجدانهم من المحيط إلى الخليج عبر عشرات القرون قد بدأت في الاهتزاز والتراجع التدريجي لصالح اللهجات المحلية أو بعض اللغات الأجنبية المفضلة عند بعض النخب التي احتكرت قرار التدبير والتسيير لكثير من عجلات التنمية العربية المعطوبة، بعيدا عن اختيارات ومطامح الشعوب العربية التي تبقى دائما في الدرك الأسفل من حيث الأولوية أو حتى الحد الأدنى من الاهتمام. وقد سبق لنا أن عالجنا بعض جوانب هذا الموضوع في فئة المقالات التي خصصناها لقضايا اللغة العربية.

وقد آثرنا في هذا الإدراج أن نقدم فقط بعض المؤشرات الأولية حول خطورة وحساسية هذا الموضوع:

- إن الإقرار بفشل المنظومة التعليمية في تحقيق التنمية المنتظرة منذ زمان للارتقاء ببلادنا، كما كشف عن ذلك التقرير الدولي الأخير قد يعتبر بوجه من الوجوه إقرارا بفشل الاختيارات اللغوية التي صيغت بها تلك المنظومة برمتها والتي ظلت تتأرجح منذ فجر استقلال المغرب بين الفرنسية والعربية، دون أن تحسم أي وزارة من الوزارات المتتالية منذ ذلك التاريخ البعيد وحتى اليوم في قرار تعميم التعريب الموقوف التنفيذ بمختلف مراحل التعليم بدل التوقف عند منتصف الطريق، كما جاء في قصة حمار الشيخ الذي توقف عند العقبة.

وقد نتج عن ذلك أن بدا نظامنا التعليمي كالمخلوق المهجن الذي يفتقر إلى الخصائص الوراثية الأصيلة الذاتية. فهو أبعد ما يكون عن حقيقة كيان المغاربة الأصيل كجغرافيا وكتاريخ وكحضارة ذات مكانة محفوظة بالحرف العربي الفصيح وبالبناء الأصيل المتجذر في التراب والمتلون بلونه.

والتداعيات السلبية للتعليم المزدوج كخطة ومنهج كثيرة ولا يخفى أمرها على أحد من المواطنين المغاربة, وخاصة المكتوون منهم صباح مساء بهم التفكير في مستقبل فلاذ أكبادهم، ولعل أكثرها شأنا ودلالة هذا السؤال الذي يؤرق كل أب وأم عندما يصل أحد أبنائهما أو بناتهما إلى مرحلة التعليم الثانوي: وماذا بعد الباكالوريا؟، وخاصة إذا كان المتعلم ينتمي إلى التخصصات العلمية.

- إن القطيعة التامة بين التعليم العالي العلمي المفرنس وبين التعليم الإعدادي والثانوي شبه المعرب توحي للمتعلم بأفضلية اللغة الأجنبية مما يجعله ينفر من العربية، ويعتبرها كالزائدة الدودية، فهو يريد التخلص منها بسرعة ليستريح من هم حضور بعض حصص العربية والدراسات الإسلامية المقررة في جدول الحصص.

- ومن أغرب الأمور التي تبعث على الاستغراب أن يثار السؤال حول مستقبل اللغة العربية في نشرات الأخبار في القناة الثانية، وهي من أكثر النماذج الإعلامية ببلادنا العالقة في فخ الفرنكفونية قلبا وقالبا حتى النخاع؛ إذ لم تكلف هذه القناة نفسها حتى الآن وبعد مرور عقدين من الزمن عبء التفكير في إحداث قسم خاص بالدبلجة، أسوة بكثير من القنوات العربية الفضائية التي تحترم شعور مواطنيها اللغوي. فما أشبه العقلية التي تدار بها هذه القناة بالعقلية التي يدار بها الشأن العام في وزارة التعليم والتربية وفي كثير من الوزارات الأخرى المتبقية ببلادنا.!!

- وليت مشكل اللغة العربية بقي مقتصرا على صراعها مع اللغات الأجنبية في هذا الوطن العربي أو ذاك، حسب قدر الهمة العربية المتوفرة عند كل وزارة من الوزارات القائمة على شأن التربية والتعليم في وطننا العربي الكبير؛

وإذا ألقينا نظرة سريعة على كثير من الفضائيات العربية الخاصة بالإذاعة أو التلفزيون فإننا نجد لديها ميلا متصاعدا نحو تعميم اللهجات المحلية على العربية، بحيث لا يكاد يستثنى منها إلا بعض القنوات الإخبارية المتخصصة كالجزيرة أوالعربية.

ومن أغرب الأشياء التي سمعتها عبر بعض الفضائيات العربية المصرية الحديثة (Otv) مما له صلة بمستقبل اللغة العربية سؤال بعضهم عن أي اللهجات العربية المحلية أكثر انتشارا وتأثيرا بعد العربية الفصحى؟.

وشيئ طبيعي جدا أن تكون لهجة إخواننا المصريين في صدارة اللهجات العربية، كما ورد على لسان بعض المستجوبين في الشارع المصري. والسبب في ذلك يرجع إلى الغزو الكاسح الذي تم منذ وقت مبكر للمشاهد العربي عبر المسلسلات والأفلام المصرية المصدرة إلى كافة البلدان العربية بالجملة والتقسيط.

أما اليوم وبعد انتشار البث الفضائي فقد التحقت بعض اللهجات المنافسة التي دخلت معها على الخط الأول أو فاتتها كاللهجة الشامية والخليجية بسبب حمى السباق الذي يعرفه مضمار الدراما التلفزيونية والسينمائية. أما لهجة المغاربة من حدود ليبيا شرقا إلى حدود المغرب غربا فإنها تأتي في الهامش والذيل، بل إنها تعتبر في نظر المشارقة من قبيل رطانة الإسكيمو أو سكان جزر الواق واق. ولا بد لها إذن، من وضع ترجمة أسفل الشاشة.

والأغرب من هذا كله أن أحد المستجوبين في الشارع المصري المتحمسين للمشروع اللهجوي الجديد الذي تبشر به كثير من القنوات الفضائية لم يجد أي حرج في الإعلان عن الحقيقة التالية التي نترجمها من اللهجة المصرية إلى العربية الفصحى كالآتي: (إذا التقي شخصان أحدهما سعودي والآخر مغربي فإنهما لا يمكن أن يتفاهما إلا من خلال اللهجة المصرية ). فأين أثر اللغة العربية من كل هذا، وهل أصبح لها مكان ما لتوحيد وجدان العرب الشتت بالتقسيم والتخلف والتبعية وبعدما صار كل واحد منا يغني على هواه اللهجوي، ويتغزل في لكنة دربه أو حيه أو قبيلته أو عشيرته أو طائفته التي تؤويه…!!

ليست هناك تعليقات: