الجمعة، 15 فبراير 2008

ساركوزي والنزعة البوشية

كتب يوم الأربعاء,تشرين الأول 24, 2007

تدخل زيارة ساركوزي للمغرب، اليوم، فصلها الأخير بمشهد استقباله للجالية الفرنسية المقيمة ببلادنا.
وقد لا يخفى العمق الدلالي الرمزي والاستراتيجي الذي تمثله مدينة مراكش الحمراء في هذه الزيارة برمتها باعتبارها أكبر مدينة حاضنة للفرنسيين الذين اختاروا العيش المُريح بالمغرب المضياف.

لقد أراد ساركوزي أن يجعل من هذه الزيارة الرسمية زيارة عمل بامتياز لا مجال فيها لإظهار العواطف والمجاملات إلا بمقدار ما يتطلبه نظام البرتوكول المصطنع، وتفرضه طقوس الوجاهة الباذخة.

فالمعروف عن هذا الرجل أنه يتمتع بحس براكماتي، وينهج سياسة استراتيجية استشرافية تتجاوز أرنبة الأنف السياسي الفرنسي الكبير، إن صح لنا هذا التعبير.

ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يكون برنامجه لزيارة المغرب حاسما وشاملا لأكثر النواحي عمقا واستراتيجية فيما تتطلبه سياسة فرنسا الساركوزية الجديدة تجاه المغرب خاصة، وتجاه البلدان المتوسطية الجنوبية عامة، وفي أكثر القضايا المشتركة نفعا ومصلحة أو حتى حساسية أو اختلافا؛ كالأمن والحقوق والديموقراطية والإرهاب والهجرة والبناء والتشغييل والفقر والطاقة النووية (النظيفة).

وهكذا فقدأراد ساركوزي لبرنامج زيارته أن يكون، منذ الوهلة الأولى، فضفاضا وعاما يبدأ من الإبرة وينتهي بالصاروخ - كما يقال عندنا في أسلوب التعميم والمبالغة، وأحيانا حتى في أسلوب الاستخفاف والاستهانة -.
وقد تم التنويه في خطب ساركوزي التي توزعت جغرافيا بين طنجة والرباط ومراكش حول كل تلك القضايا الدسمة التي أشرنا إليها سابقا.

ترى ماذا يمكن أن نستنتج من هذه الزيارة الساركوزية التاريخية الفخمة في مشاريعها ومطامحها التي أثلجت صدور المغاربة كما ورد في نشرات معظم قنوات الأخبار الدولية..!! وإن كانت لازالت بعدُ حبرا على ورق، وفي مراحلها الأولى الجنينية.
ثم ما ذا يمكن أن نقرأه من وراء ستار سياسة ساركوزي الدولية العامة؟؟ !!

يبدو لي شخصيا، أن ساركوزي متأثر إلى حد كبير بالنزعة البوشية (نسبة إلى جورج بوش الإبن)، وربما يكون ذلك طبعا فيه لا تطبعا. المهم أن براكماتية هذا الرجل كبراكماتية ذاك، وربما فاقه في هذا السلوك الواقعي عندما اختار أن يهجُر حَليلَته ويطلق عواطفه ليتفرغ لأكثر الجوانب أهمية في مشروع قيادته للقطار السياسي الفرنسي الجديد…

كما أننا يمكن أن نضع أيضا مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي جاء به بوش وفشل في تطبيقه على الأراضي العربية المشرقية رغم كل ما أوتي من جبروت سياسي وعسكري ومالي، ورغم ما ألحقه ببعضها من دمار شامل، وخاصة في العراق ولبنان وفلسطين مقابل المشروع المتوسطي الذي جاء به ساركوزي، ليكتمل مشروعهما في النهاية وليتعانقا معا وليشملا بالضغط والإنزال والبث والتغطية كل الأراضي العربية.

لا شك أن ساركوزي تراوده الآن، وفي هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ الفرنسي الجديد جينيا - نسبة إلى خريطة الجينات الوراثية السلالية (ADN) أحلام استعادة مكانة هيمنة فرنسا في السياسة الخارجية (الدوكولية) التي تقلصت على حساب النفوذ الأمريكي، ونفوذ بعض الدول الأوربية التي تنافس فرنسا أوتلوح ببعض الخلافات القوية معها وخاصة من جانب غريمته الأوربية (ميركل) المستشارة الألمانية.

ومما لا شك فيه أيضا أن بين سياسة حكومته في تطبيق الخريطة الجينية على الرعايا الفرنسيين الأجانب وتثبيتها في هويتهم الشخصية والعائلية وبين خارطة الطريق شرق أوسطية الأمريكية المشؤومة نوع من التشابه في الأثر وفي النتائج، مما جعلهما معا موضع استهجان واستنكار، ولما اشتم فيهما من نزعة تقسيم وتفريق وحتى عنصرية.

ومن أكثر جوانب الالتحام بين مشروعي بوش وساركوزي أيضا تحاملهما معا وبنفس الحدة واللهجة على مشروع إيران النووي، وتهديدهما لها بالهجوم والضرب المبرح تأديبا لها على رعونتها الكلامية تجاه الغرب وإسرائيل، ولإقصائها نهائيا من المنافسة النووية..

صحيح أن مشروع ساركوزي المتوسطي الكبيرلا زال في بدايته أو قيد التنفيذ، غير أن الحماسة البراكماتية الشديدة التي يتمتع بها هذا الرجل يمكن أن تذهب به بعيدا، وربما أيضا إلى نتائج وعواقب لم تكن في الحسبان… !!

وما أخشاه أكثر أن يعجل يوما بتطليق مصالح فرنسا مع بلدنا المغرب طلقة بائنة لارجعة فيها، أو حتى مع هذا البلد المتوسطي أو ذاك، أو مع هذا الزعيم العربي أو ذاك، إذا ما تعكر لديه المزاج البراكماتي بسبب عوامل التشويش الخارجي غير المحسوب، أو ما إذا استجدت في الحياة السياسة المتقلبة أمور، كما علمتنا دروس البيت الأبيض التطبيقية التدميرية على رؤوس الأبرياء والفقراء والمظلومين داخل معظم البلدان العربية والإسلامية. وهو ظلم مزدوج ومحكم الحلقات، من لدن حكامهم العرب الأقارب في الداخل، و من لدن الحكام الأجانب المجاورين في الخارج أو حتى من أبعد الأباعد…. ولنا في دروس العراق ولبنان وفلسطين وإيران ألف سامع وشاهد !!

ليست هناك تعليقات: