الخميس، 14 فبراير 2008

عام على مدونتي 1

كتب يوم الخميس,كانون الأول 14, 2006

في مثل هذا اليوم، 14 كانون الأول/ ديسمبر، من السنة الماضية انطلقت مدونتي المتواضعة ( كلمات عابرة) بمقدمتين قصيرتين خجولتين أولى و ثانية.

ولم أكن أتوقع في البداية أن تطول بي رحلة التدوين عبر هذا الموقع الافتراضي من عالم (مكتوب) الزاخر كل هذه المدة، ولا أن يذهلني شغب التفكير والتعبير عن مُضي الوقت لأجد نفسي فجأة عند نهاية يوم كان بالأمس القريب هو نفسه المنطلق لها والبداية.

الآن، انتهت دورة واحدة من تجربتي في التدوين والكتابة التفاعلية. وعمرها، في حساب الزمن الحقيقي، ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وبضع ساعات، عند إرسال هذا الإدراج.

وتلك دورة واحدة من حياتي الخاصة الحقيقية والافتراضية معا. وهي أشبه ما تكون بدورة الحياة الطبيعية المتقلبة المتحولة بين شتاء وصيف، وربيع وخريف.

فلكل سنة واحدة من عمر الإنسان، كما الحياة الطبيعية، يوم واحد يكون هو البداية والنهاية، تماما كأي نقطة في خطوط دائرية.

وذلك اليوم هو اليوم الموعود المرصود للحساب والمراجعة الذاتية.
وهو يومُ الحصادِ المـُتََـوِّجُ لدورة العمل والإنتاج السنوية للطبيعة الحية ولكل الأفراد والجماعات والشركات والمؤسسات وحتى الدول والقارات….

وهو يوم الحسم بعد مضي سنة كاملة، سواء قضاها الفرد منا في معمل أو مخبر، في حقل أو في مخفر، في ميدان حرب أو في متجر، بين دراسة أو تدريس، بين كتابة وتدوين وتصنيف، بين إبداع أو اختراع أو بين أكل وشرب ونوم واستمتاع، أو حتى بين بطالة وضياع وفراغ …

ذلك اليوم الموعود للاحتفاء والاحتفال هو جزء من زمن يجري كالنهر المتدفق من غير توقف أو نكوص إلى الخلف. ونحن له بالمرصاد وهو لنا كالمِـبرد….

وقد كان التدوين لدي هواية ولكنه سرعان ما تحول إلى غواية، ومِن تحرر وانفلات من قهر الرقابة الذاتية والموضوعية إلى ما يشبه الاحتراف والمسؤولية.

وقد جربت، من منطلق مدونتي هذه المغربية العربية ومن مبدئي العام فيها غير المتخصص، أن أكتب في كل الموضوعات التي عنت لي ونبعت من أعماق كياني والتبست بمعرفتي وخبرتي المتواضعة بذاتي وبواقع الحياة والناس من حولي، أو فـُِرضت علي من خارج كياني المحدود بالجهد والوقت فرضا، ودُفعت إلى الكتابة فيها دفـْعا، فلم أملك لذلك مقاومة أو ردا: إما بسبب حماستي الزائدة أو غيرتي الشديدة أو انفعالي وانجرافي القوي في غمرة سيل الأحداث التي عصفت بعالمنا العربي والإسلامي خلال سنة كاملة مضت ولا زالت.
وما أكثر تلك الحوادث والوقائع وما أشد وطأتها على العقل والوجدان والضمير…!!

وقد لا أكون محتاجا في هذا الإدراج ذي الطابع الاحتفالي الخاص إلى تقديم كشف طويل عريض عن مجهود سنة كاملة من التدوين؛ لأن إدراجات هذه المدونة لا زالت ثابته في مكانها بعناوينها وتواريخها الأولى وبكامل ملابساتها الخاصة والعامة. وهي تعرب بنفسها عن حالها، وعن طبيعية مضامينها وخصوصيات التصنيفات المنضوية تحتها مما قد لا يُحتاج معه إلى تعليل أو تبرير؛

فلم أُغير موضوع أي إدراج ولم أزحزحه عن مكانه الأول قيد أنملة، لأني أومن بخصوصية كل تدوينة تدوينة، سواء من حيث دوافعها وغاياتها الذاتية، أومن حيث ظروفها الزمانية والمكانية الحقيقية والموضوعية.

فكل تدوينة بنت ساعتها الأولى، وأي تعديل أو تغيير في تاريخ ميلادها قد يحولها عن سياقها العام وعن نسق مجرى فكر المدون وتحولاته النفسية والعقلية والوجدانية. فالمفروض أن يتجه هذا المجرى الفكري والحياتي للمدون نحو الأمام ولا يرتد إلى الخلف أبدا.

وإلا لما جاز لي أن أحتفي بأول ذكرى سنوية مرت عن إدراجي الأول المحشور في أبعد زاوية من مدونتي بتاريخ بعيد وسيزداد مع مرور الأيام بعدا وهو: الأربعاء 14 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2005.

فبينه وبين إدراجي الحديث هذا الموافق لنفس اليوم من خميس عام 2006 الذي أو شك على النفاد مسافة زمنية بعيدة كتبت خلالها ما ينيف عن مائة وخمسين إدراجا فقط : أي بمعدل إدراج واحد في كل يومين ونصف تقريبا…

ولا أدعي أنني كنت خلال تلك المدة غزير الإنتاج إلى درجة السيلان والطفح، ولا مقلا إلى درجة الجفاف والشح. وإنما كنت في منزلة بين المنزلتين، كما يقول أهل الاعتزال.

ولكني كنت معنيا أكثر بمنهج التنقيح والتخير والتصويب والإخراج المحكم لكل ما كتبته أو عرضته أو اقتبسته؛ لأن ما نكتبه في كتاب أو نـُدونه أو ننقره على صفحة إلكترونية أو موقع يبقى أثرا من آثارنا التي تدل علينا.

وطالما نبهت إخواني المدونين والمدونات إلى الاهتمام بتدويناتهم قبل أن يرسلوها، وببنات أفكارهم قبل أن يعرضوها…

وأنا هنا، أقر بأن التعبير اللغوي العربي السليم شاق وعسير حتى على المحترفين فما بالك بمن هو دونهم أو بمن هو في البداية يتلمس أول الطريق، وقد يحتاج الأمر إلى مراس طويل بأساليب التعبير العربي الصحيحة القوية يستهلك جهدا عظيما ويستنفد وقتا طويلا من صاحبه قبل أن يستقيم لسانه على نهج عربي مقبول ترتضيه السليقة وتتشوف إليه القرائح العربية الصافية النقية التي بدأت تـُمسخ وتـُشوه يوما عن يوم بسبب تغلغل عُجْمة الألسنة وبسبب الضحالة الفكرية والثقافية، ولعوامل التسيب والفوضى الدينية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها عالمنا العربي والإسلامي من شرقه إلى غربه.

وقد أردت من هذه المدونة ومن كلماتها العابرة المسافرة في هذا الفضاء الافتراضي، بدون قيود ولا حدود، أن تكون جزء من بضاعتي اللغوية العربية المزجاة التي اكتسبتها بالمدارسة والبحث والتدريس الجامعي، ومن خبرتي المعرفية والتعبيرية والشعورية.

وإذا جاز لي أن أفتخر، فلن أفتخر إلا بحيز المكان الذي احتلته هذه المدونة المتواضعة في قلوب زوارها الكرام، وفي وجدان من تعهدوها بالمتابعة والتعليق من أصدقائي وإخواني في التدوين على امتداد الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، لا أذكر منهم واحدا، ولا أستثني منهم أحدا حتى لا اتهم بالتحيز أو بالتمييز.

وإن ما نسجوه من وشائج قربى بيني وبينهم، من خلال إطرائهم وتنويههم وتشجيعهم،على ما يكون بين المدونين والمعلقين والمتابعين والزوار من تباعد في الأمكنة واختلاف في التوجهات والأمزجة، لأصدق بيان على عظيم مودتهم ومكانة هذه المدونة في قلوبهم.

فهذه المدونة ملك لجميع الزوار والقراء والمعلقين. فهم أصل اعتزازي وهم مصدر طاقتي التي تحثني دوما على البقاء دون كلل أو ملل في معترك التدوين الذي بدأت تتلاطمه الأمواج وتتقاذفه الرياح والتيارات.

فقد صار التدوين، بالنسبة لي شخصيا، نوعا من السباحة الحرة، ولو ضد التيار السائد أحيانا، وشكلا من أشكال المقاومة الهادئة، ولو من خلال كلماتي العابرة التي قد لا تثير زوبعة ولا تـَهـْصِر غصنا.

مودتي وتحيتي الخالصة لجميع الإخوة المدونين والزوار الكرام، وكل عام من التدوين وأنتم بخير وسلامة.

ليست هناك تعليقات: