الخميس، 25 ديسمبر 2008

مدونة للبيع ...!!

وصلتني هذا الأسبوع رسالة غريبة عبر البريد المزعج من شخص مجهول يطلب فيها مني أن أبيعه هذه المدونة التي أسميتها (كلمات عابرة)...!!
ومع أن البريد المزعج وغير المزعج يحمل إلينا في كل يوم رسائل عجيبة غريبة فإني لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن ترد علي رسالة من هذا القبيل.

وقد ترددت كثيرا في فتح هذه الرسالة المزعجة مخافة أن أصطدم بلغم من الألغام التي يضعها أصحاب البريد المزعج في الطرقات الافتراضية السيارة لاصطياد ضحاياهم، وترددت أكثر في الكتابة حول هذا الموضوع الغريب الذي قد يبدو للبعض غير ذي جدوى، أو نوعا من المزاح الثقيل والمداعبة السخيفة، وخاصة عندما يمعن أحدنا في تجاوز خصوصيات الآخر، أو يطلب منه أمرا بعيد المنال، بل لا يمكن أن يخطر حتى على البال..

وفي العادة فإن رسائل البريد المزعج هي التي يطلب فيها أصحابها منا أن نشتري شيئا بل لنقل أي شيء؛ من حبوب الفياغرا إلى السيارات إلى عروض السياحة والسفر والجنس.... وحتى نطاقات المواقع بسعة هائلة غير محدودة وقوالب جاهزة ذات تصميمات فلاشية جذابة للكتابة والتدوين، فضلا عن رسائل التسول التي ينتحل فيها أصحابها أسماء مستعارة تحيل في الواقع على أماكن وبلدان وشركات وشخصيات ... وربما كان بعضها معروفا جدا، ومنها تلك الرسالة المشهورة في عالم التسول الافتراضي التي انتحلت اسم سهى عرفات ...

ولكن، إذا نظرنا إلى جوانب هذا الموضوع من الناحية المنطقية ومن جوانب العلاقات النفعية التي تكون عادية بين الطالِب والمطالَب والمطلُوب، ألا يدور في خلد بعض المدونين مثل هذا التساؤل الذي وردني عبر البريد المزعج؟، أليس من حق المدونين أن ينتفعوا في حياتهم ببنات أفكارهم مثلهم مثل غيرهم من الكتاب والصحفيين المأجورين وغير المأجورين وحتى كتاب كلمات الأغاني البذيئة والوصلات الإشهارية الردئية وغير هولاء ممن يسترزقون من مداد أقلامهم ومما تجود به قرائحهم الفذة وغير الفذة، بالصدق أو البهتان تارة، وبالمعقول واللمعقول، وحتى بالجنون والهذيان تارة أخرى...

وفعلا، هناك فئة قليلة من المدونين استطاعت أن تستثمر في التدوين وأن تتبع استراتيجية عملية لجلب الربح عن طريق تقديم عروض مشاريع أو استثمارات أو خطط أو برامج أو تصميمات، وخاصة عند أصحاب المدونات التقنية الذين لهم باع طويل في علم الحوسبة والبرمجة بلغاتها الفنية والتقنية المتعددة.

وشخصيا لا أجد لدي الآن أي مبرر للتفكير في موضوع بيع مدونتي (كلمات عابرة) بالجملة أو التقسيط عنوانا عنوانا إو إدراجا إدراجا، بل لا يحق لي مجرد التفكير في هذا الموضوع أصلا. لأنني اخترت منذ البدء أن أُسكن كلماتي العابرة في موقع مشترك، يجري علي فيه ما يجري على غيري من المدونين المُنتسبين من أصول العيش المشترك والمرفق العام الذي لا يجوز في حقه لا الرهن ولا الكراء فضلا عن المتاجرة والمساومة والبيع.

أحمد الله أنني كلما طلبت مدونتي عند مطلع كل يوم جديد عبر خطوط الاتصال الوطنية إلا وجاءتني بصفحتها مسرعة ملبية لتقول لي : هل من مزيد، هل من جديد.... !!

وعندها يطمئن قلبي وأعلم أن مظلة التدوين العربي المنتسب التي تؤويني وتؤوي غيري لا زالت بخير، وأنها لم تتعرض إلى اختراق أو حجب أو سحب أو رجم بالصواريخ الناسفة من قبل وزاراتنا العربية في الأمن والداخلية.

الخميس، 18 ديسمبر 2008

ملحمة النعال

لا زالت تداعيات أحداث رمي جورج بوش بحذاء منتظر الزيدي متفاعلة حتى كتابة هذه السطور. تلك الرمية المزدوجة كانت من يد عراقية ثابتة غير مرتعشة، وهي وإن لم تصب وجه بوش الابن الملعون إصابة مباشرة فقد أصابت كبرياءه في الصميم، وبصمت على سويداء قلبه بأسمى معاني الخزي والعار، ووقعت على آخر صفحة من سيرة حياته بالزفت والقار لتكون نهاية النهاية لمشواره السياسي الأسود البائس الذي لم يَجـُرَّ على الشعب العراقي والعربي والعالم أجمع غير البؤس والنحس كما أوضحنا ذلك سابقا في كثير من الإدراجات التي خصصناها للعراق والاحتلال الأمريكي أو تلك التي أفردناها لمزرعة بوش وغابته (الشريرة).

وفي تاريخنا العربي الخاص بالخفاف والنعال والأحذية لم يشتهر من أصحابها غير حنين حتى ضرب بخفيه المثل العربي المشهور الذي سينطبق على بوش بعد أيام قليلة عندما يغادر منصة الحكم، وينصرف إلى بيته غير مأسوف عليه، خاوي الوفاض إلا من لعنات ستظل تطارده كالأشباح، وتنهال عليه كلما أنت ثكلى في العراق أو في فلسطين أو في أفغانستان، وكلما ترنح جريح حرب في فراشه، أو تألم متضرر من حروبه البانتاكونية السيزيفية.

لقد كانت تلك الرمية المشهودة على مرأى ومسمع الجميع استحضارا رمزيا لوجه بوش الشيطان الذي لا يجدر به غير الرجم. ولم يكن حذاء منتظر الزيدي إلا اختزالا لهذا المعنى العميق الراسخ في نفوس كثير من بسطاء الناس في هذا العالم (الحر) ممن ضاقوا ذرعا بوجه بوش الكذاب الأفاك الأثيم وبزبانيته كلما أطل عليهم بسحنته الملعونة عبر شاشات التلفاز.

وقد بقيت مشاعر الشعوب العربية المستضعفة خامدة فترة طويلة بعد إعدام صدام حسين حتى جاء حذاء منتظر الزيدي ليحركها من جديد، ويفعل فيها هذه الأفاعيل العجيبة التي أطلقت لسانها بالأهازيج والزغاريد فرحا فاق فرحتها بعيد الأضحى السعيد، حتى إن بعض القنوات الفضائية العربية ألغت برامجها المجدولة، وخصصت ساعات بثها الطويلة للاحتفال بوقائع حذاء مرتضى الزيدي وتلقي المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تقاطرت عليها من كل حدب وصوب بوتيرة هائلةغير معهودة أصابت مراكز الاستقبال لديها بالشلل التام....

ومنتظر الزيدي الذي تحول من مجرد مراسل صحفي عادي عبر الميكروفون إلى بطل أسطوري لا يشق له غبار لم يصنع صنيع الأبطال الحقيقيين عند اصطكاك الحديد بالحديد واختلاط الجماجم بالجماجم وامتزاج الدماء بالدماء على أرض معركة حقيقية، وإنما اكتفى بأن خلع نعليه وقذف بهما بعيدا في وجه بوش، فاختلطت علينا بطولة الرجال ببطولة النعال....

ولكن، من يسأل الآن عن منتظر الزيدي، وعن مصيره بعد أن سحب مغلولا بالأصفاد، وصار رهينة لدى جلاديه وجلادينا في الداخل والخارج؟ ..
الكل يتحدث عن فردتي حذائه فقط. وهما مطلوبتان الآن قبل الغد صحيحتين أو ممزقتين، مفردتين أو مجتمعتين للمزايدة والمضاربة، وليحوزهما أحد أثريائنا العرب المخمليين الأبطال الذين يشترون كل شيئ حتى الهباء ولا يفعلون أو يصنعون أي شيئ أقل من الهباء.

تبا لأمة غوغاء لا تتحرك إلا بخفق الأحذية والنعال....، مع احترامنا وتقديرنا لشجاعة منتظر الزيدي الذي ناب عنا وعن حكامنا الأشاوس في استرجاع قدر ضئيل من كرامتنا وكرامتهم المهدورة والمداسة بأحذية جيوش بوش وحلفائه الصهاينة على مدار الساعة والوقت.

الأحد، 14 ديسمبر 2008

كلمات عابرة في عامها الثالث (3)

تحل اليوم الأحد 14 من ديسمبر كانون الأول 2008 الذكرى الثالثة لانطلاق مدونة ( كلمات عابرة) على موقع مكتوب.

وأنا بهذه المناسبة لا أريد أن أسهب في كلام منمق قد لا أستحقه حول إنجازات هذه المدونة المتواضعة. فهي في النهاية مجرد كلام عابر في كلمات عابرة، وبضاعة مزجاة رميت بها في محيط الإنترنت العظيم ليلتقطها من شاء.
فإن وجدت في نفوس زوارها الكرام من مشارق الأرض ومغاربها موقعا حسنا فذاك أقصى المنى، وإن وجدت إعراضا أو امتعاضا فتلك بضاعتي قد ردت إلي ردا جميلا أعرف به مقدار نفسي في مرآة غيري، وليتميز غثي من سميني.

وأنا بهذه المناسبة أشكر كل زوار هذه المدونة الكرام المداومين منهم والمياومين والعابرين بالصدفة، وأشكر كل الأصدقاء الذين وقعوا بحروفهم الذهبية على هوامش هذه المدونة فصارت أثرا من آثار فكرهم النير وفيضا من روحهم الطيبة. وأخص بالذكر منهم الصديق الوفي علي الوكيلي، وكل المدونين الأصدقاء من بلدي المغرب ومن كافة الدول العربية الذين لا أستطيع أن أعدهم فردا فردا ، ولا أقدر أن أستثني منهم أحدا.
كما أشكر طاقم جريدة دليل الأنترنت الورقية المغربية في شخص الصديق سعيد سليماني الذي يتابع هذه المدونة عن كثب ويعمل باستمرار على نشر بعض إدراجاتها.

كما أشكر كل الزوار الكرام الذين أشادوا بالمضمون المتنوع لهذه المدونة وبأسلوبها عبر رسائلهم الإلكترونية التي أعتز بها أيما اعتزاز.

غير أنني أدرك كغيري من المدونين المدمنين أن التدوين العربي في هذه الأيام الأخيرة قد أصبح مأزوما وأنه بدأ يدخل مرحلة سبات مرضي، ولعل ذلك السبات جزء من هذه الأزمة الكونية التي ألقت بظلها على كل شيء في حياة الأفراد والدول؛
فهناك تبدد واضح لجهود المدونين العرب، إذ البعد الفردي هو الغالب على حركة التدوين العربي الآن، وهناك تراجع كبير في إقبال الزوار على قراءة المدونات وعلى التعليقات أيضا، فمؤشرات عداد الزوار في تراجع مستمر، وهناك تدن ملحوظ في نشاط المدونين، وفي عدد الإدراجات المرسلة في كل يوم.
وآمل أن تكون هذه أزمة تدوين عابرة، وأن يعود التداول الافتراضي في بيئة التدوين العربي والعالمي إلى حالته المعتادة من حيث جودة العرض وكثرة الإقبال.

وفي النهاية ليس شرطا أن تكتب لغيرك مهما كانت الظروف بل اكتب لنفسك، وحاول أن تخلق لك حالتك الافتراضية المناسبة. فليس التدوين في نهاية المطاف إلا وسيلة أثيرية جديدة متاحة في كل وقت وحين للتحرر من سلطة الزمان والمكان الأرضيين المحدودين للانطلاق وللسفر البعيد.
-------------------
إدراجات ذات صلة:
عام على مدونتي.
عام آخر على تجربتي في التدوين.

الخميس، 4 ديسمبر 2008

أمثال وطرائف (كبشية)

يقال في الأمثال العربية: (تحت هذا الكبش نبش)؛ ويضرب هذا المثل لمن يـُرتاب به أو يُشك في أمره.

وفي الحقيقة، عندما وقفت على هذا المثل في بعض كتب التراث العربي دفعني شغبي في التفكير والتعبير إلى النبش والتعمق أكثر في المواد الثقافية والمعرفية المرتبطة بصاحبنا الكبش هذا، خاصة ونحن على بعد أيام قليلة من عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعلى أمة الإسلام جمعاء باليمن والبركة والسلام.

وفي يوم العيد الكبير هذا تنحر الآلاف المؤلفة من الكباش على امتداد العالم الإسلامي، وتبسط على موائد هذا العيد السعيد أصناف اللحوم الكبشية المطبوخة والمشوية.

وكم ذهلت لحجم ما عثرت عليه من مواد لغوية ومعارف ثقافية منوعة متناثرة في كتب التراث العربي عن صاحبنا الكبش هذا.
ولو قدر لتلك المواد والمعارف أن تجمع وترتب لخرج منها كتاب ضخم فريد في بابه.
وإليكم بعض ما تخيرته من تلك المواد:

أمثال كبشية:
بالإضافة إلى المثل الذي سقناه في بداية هذا الإدراج نذكر ما يلي من الأمثلة الكبشية وما جاورها من عالم الماشية :

(عند النطاح يُغلب الكبشُ الأجمُّ )؛ والأجم هو الكبش الذي لا قرون له، ويضرب هذا المثل لمن غلبه صاحبه أو عدوه بما أعد له من وسائل المقاومة والقتال وهو أعزل.

( كالخروف أينما مال اتقى الأرض بصوف )؛ وهو واضح في معناه.

( ما له ناطح ولا خابط )؛ فالناطح هو الكبش، والخابط هو الجمل، والمقصود بالمثل واضح وهو الفقير الذي ليس له مال قليل أو كثير.

( قوم كبعر الكبش)؛ يقال هذا التعبير للمختلفين من القوم، لأن بعر الكبش لايقع إلا متفرقا.
وقد ورد هذا المعنى كثيرا في شعر العرب.

( ياشاة أين تذهبين؟ قالت: أجز مع المجزوزين )؛ يقال هذا التعبير للأحمق الذي ينطلق مع القوم، ولا يدري ما هم فيه.


أسماء وألقاب كبشية:
تسمي العرب رئيس القوم وزعيمهم كبشا، من باب المدح. ويقال فلان كبش من الكباش إذا قصدوا مدحه بالشجاعة، ونعجة من النعاج إذا أرادوا وصفه بالجبن:
قال أحد شعراء (حماسة) أبي تمام:
نازلت كبشهم ولم
أر من نزال الكبش بدا

والمقصود بالكبش من كلام الشاعر البطل الشجاع. وذكر الجاحظ في كتابه الحيوان أن الكبش مدح والتيس ذم، وجاء بكلام كثير في هذا الباب.

واشتقت العرب بعض أسمائها من الكبش، فالمرأة تسمى كبشة وكبيشة، والرجل يكنى أبا كبشة. وكان المشركون يلقبون الرسول الكريم بابن أبي كبشة، كما ورد في بعض كتب التاريخ والحديث.

ولفظ كبشة من قبيل الأسماء المرتجلة، كما أوضح ابن جني، قال: كبْشةُ اسم مُرْتجَل ليس بمؤنث الكبْش الدالّ على الجنس لأَن مؤنث ذلك من غير لفظه وهو نعجة.
وهو ما ذهب إليه الجاحظ أيضا عندما ذكر أن اسم الكبش لا يتناول النعجة لأنه اسم نوع خاص، بخلاف اسم الدجاج الذي يتناول الديك والدجاجة جميعاً. واستشهد على ذلك ببعض أبيات الشعر ومنها قول لبيد:
باكرت حاجتها الدجاج بسحرة
لأعل منها حين هب نيامها


واشتقت أسماء بعض البروج الفلكية من الكبش كبرج الحمل، لأن هيأته في السماء على صورة الكبش، وقد فصل القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) القول في ذكر تفاصيل هذه الصورة الفلكية الكبشية.
وسمي موضع (منى) بمكة المكرمة بهذا الإسم لأن الكبش مني به أي: ذبح.
ويوم كبشة من أيام العرب المشهورة كأيام داحس والغبراء.
وأطلق اسم الكبش على كثير من الأماكن في العراق ومصر وعلى بعض القلاع والحصون وآلات الحرب القديمة، كما جاء في كتب التاريخ والخطط.

ومن أسماء الكبش التي وردت في القرآن:
الذِّبْحُ: وهو اسم ما ذُبِحَ؛ وفي التنزيل: (وفديناه بِذِبْح عظيم)؛ والمقصود بالذبح العظيم الكبش الذي فدى الله به إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وإنما سمي عظيماً، كما فسره بعض المفسرين، لأنه رعى في الجنة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقيل عنه أيضا: إنه الكبش الذي قربه هابيل فتـُقبل منه.

ومن أسماء الكبش النادرة في الاستعمال، وقد وردت في كثير من معاجم اللغة العربية:
الجُحْجُج: وهو الكبش الضخم.
والشـًّقـَحْطـَب: وهو الكبش الذي له أربعة قرون.
والكَرَّازُ: وهو الكَبْشُ الذي يضع عليه الراعي كُرْزَهُ فيحمله ويكون أجَمًّا من غير قرون. والكُرْز هو خرج الراعي أو جوالقه الذي يضع فيه زاده وزناده.

مفردات كبشية:
ومن المفردات اللغوية الخاصة بالكبش:
ثغا الكبش: بمعنى صاح
وعبَر الكبشُ، تـُرك عليه صوفه مدة سنة.
وكبش أملح: والمُلْحة من صفات الأَلوان: وتعني البياض المشوب بالحمرة أو السواد. والصفة أَمْلَح والأُنثى مَلْحاء. وكل شعر وصوف ونحوه كان فيه بياض وسواد: فهو أَمْلح، وكبش أَمْلَحُ: بَيِّنُ المُلْحةِ والمَلَح. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أُتيَ بكبشين أَمْلَحَينِ فذبحهما؛ قال الكسائي وأَبو زيد وغيرهما: الأَمْلَح الذي فيه بياض وسواد ويكون البياض أَكثر.
الوَذحُ: ما تعلق بأَصواف الغنم من البَعَرِ والبول؛ وقال ثعلب: هو ما يتعلق من القَذر بأَلية الكبش، الواحدة منه وَذحة وقد وَذِحَتْ وَذُحاً، والجمع وُذْحٌ مثل بَدَنةٍ وبُدْنٍ؛ قال جرير في معرض الهجاء:
والثغلبية في أفواه عورتها
وذح كثير، وفي أكتافها الوضر

ويوصف الكبش أيضا بالقرن، عندما يكون في أبهى صورة.
والعَفْلُ: الموضع الذي يُجَسُّ من الكَبْش إذا أَرادوا أَن يَعْرِفوا سِمَنه من هزاله، فيقال: جَسَّهُ وغَبَطَه وعَفَلَه. والعَفْلُ، بإِسكان الفاء: شَحْم خُصْيَي الكبش وما حَوْلَه.
ويقال: أعضبت الكبش إذا كسرت قرنه.
والجِزَّةُ: صوفُ كبش أو شاةٍ في السنة. فيقال: قد جَزَزْتُ الكَبْشَ والنعجةَ، ويقال في العَنْزِ والتَّيْسِ: حَلَقْتُهما ولا يقال جَزَزْتُهما.

ومن الأمثلة العربية المرتبطة بالصوف قولهم: ( خرقاء وجدت صوفا ).
وكان الكبش إذا سمن جـُز قفاه، فيقال عنه جزيز القفا للدلالة على سمنه.

طرائف كبشية:
والكلام في هذا الموضوع دسم وغني بالمعلومات اللغوية والثقافية العربية الصميمة، وقد يحسن بنا أن نختمه ببعض الطرائف والنوادر الكبشية:

فمما روي من طرائف جحا التي تدل على حمقه أو تحامقه أنه خرج يوما في ليلة حالكة، فعثر في دهليز منزله بقتيل، فألقاه في بئر هناك، فعلم به أبوه فأخرجه ودفنه، ثم خنق كبشاً وألقاه في البئر، ثم إن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه، فتلقاهم جحا وقال: في دارنا رجل مقتول فانظروا لعله صاحبكم، فغدوا إلى منزله، فأنزلوه في البئر، فلما رأى الكبش، ناداهم هل كان لصاحبكم قرون. فضحكوا منه وانصرفوا.

ومن القصص التي تحكى عن بلاغات النساء ذكر: أن عمرو بن معدي كرب أمر امرأته أم ثروان ان تطبخ له كبشاً فجعلت تطبخ وتأخذ عضوا عضوا حتى أتت على الكبش وأطلعت في القدر فإذا ليس فيها إلا المرق فأمرت بكبش فذبح وطبخته ثم أقبل عمرو فثردت له في الجفنة التي تعجن فيها ثم كفأت القدر، فدعاها إلى الغذاء فقالت: قد تغذيت فتغذ. ثم اضطجع فدعاها إلى الفراش فلم يصل إليها فأنكر ذلك فقالت: يا أبا ثور: كيف تستطيع وبيني وبينك كبشان...!!

الخميس، 27 نوفمبر 2008

أسلوب حكومة المغرب غير المغرب

يقال في بعض طرائق النقد والتحليل الأدبيين: (إن أسلوب الرجل هو الرجل نفسه). وكلمة الرجل في هذا القول أريد بها التعميم لا للتخصيص؛ إذ المقصود منها الرجل والمرأة والشاعر والكاتب وكل متكلم بلسان قومه أو مبدع في فنه أو في مجال تخصصه، وهذا عندما يكون الأسلوب امتدادا لشخصية صاحبه في نوعية تفكيره، وفي طريقة أدائه أو تعبيره.

وكما يمكن أن نحدث عن أساليب الناس العاديين سواء أكانوا متفرقين أو مجتمعين يمكن أن نتحدث أيضا عن أساليب الدول والحكومات؛ فمنها ما يكون بالأصالة تابعا للتاريخ الوطني ولمجموع عادات البلد، ومنها ما يكون بالتبعية خاضعا لحكم تاريخ الغير ولمجموع عاداتهم أيضا. فماهو يا ترى أسلوب حكومتنا الرشيدة المغربية؟ الجواب هو ما يمكن أن تقدمه الحكاية التالية، وإن بطريقة رمزية:

فعندما ذهبت في الأيام القليلة الماضية إلى مكتب البريد في حينا حي أمرشيش بمدينة مراكش المغربية لإجراء معاملة بريدية عادية طلب مني موظف الشباك رقم:2 قبل إنها معاملتي أداء مبلغ إضافي قدره عشرة دراهم تضامنا مع الحملة الوطنية ضد الحاجـَة، فقلت له: لا بأس، لقد اعتدنا على مثل هذه الأمور كلما ولجنا صيدلية أو مصلحة عمومية...
فسلمني وصل المعاملة مصحوبا بشعار الحملة الوطنية التضامنية مكتوبا باللغة الفرنسية. فقلت له: هل يمكن أن أستبدل هذا الشعار بآخر مكتوب باللغة العربية، فقال لي: لم يوزعوا علينا غير تلك المكتوبة بالفرنسية.

ثم ألقيت نظرة على لوحة المفاتيح التي يستخدمها ذلك الموظف لإدخال بيانات المعاملات، وكانت مكتوبة هذه المرة بالحروف العربية، وسألته: لماذا لا تسلم لي بيانات معاملتي مكتوبة باللغة العربية، فقال لي: لم تجر الأوامر العليا بذلك.

ثم دسست ذلك الشعار في جيبي، ونظرت إلى الوصل وإلى ورقة الطابور التي أمدني بها الحاسب الآلي عند مدخل المكتب وكانت مكتوبة أيضا باللغة الفرنسية، وتطلعت في مرافق مكتب البريد الداخلية التي أعيد تعديلها وتحديثها بما يتوافق مع آخر طراز في التصميم الهندسي المكتبي. ثم قلت في نفسي: لقد تكاملت الصورة في ذهني عن أسلوب حكومتنا المغربية؛ فهي حينما تفكر أو تدبر فإنما تبدأ أول الأمر بلغة موليير التي رضعتها من المستعمـِر الفرنسي أما اللغة العربية المسكينة فهي آخر شيء يمكن أن يخطر على بالها.

وإذا تأملنا في مضمون هذا الشعار: ( لنتحد ضد الحاجـَة ) بفتح الجيم نجد أنه قد ترجم ترجمة حرفية عن لغة موليير، فضلا عن أن معنى كلمة الحاجة فضفاض وغير دقيق فكم من حاجة قد قضتها حكومتنا إما بتركها جملة وتفصيلا، وإما بالمماطلة والتسويف، وكم من حاجات أخرى كثيرة يطمح إليها ناظر المواطن المغربي، وأقلها مثلا الحاجة إلى الحرية وإلى الشغل وإلى تكافؤ الفرص وغير ذلك...!!
وكأن حكومتنا هنا تناقض نفسها بهذا الشعار الذي يمكن أن يرفع في وجه الفقر وفي غير الفقر أيضا، وحتى في وجهها أيضا...

وكان الأولى أن يقال مثلا في هذا الشعار:( لنتعاون) بدل لنتحد، و(على) بدل ضد، و(الفاقة) بدل الحاجة. وبهذا يستقيم هذا الشعار دلالة وأداء فيكون أليق وأنسب للروح العربية.
ترى، متى تبلغ حكومتنا رشدها، ومتى تستعيد وعيها بذاتها على غرار حكومات العالم التي تحترم نفسها وتقدر شعور رعاياها اللغوي وغير اللغوي، وإلى متى ستبقى حكومتنا هكذا سادرة في غيها تمرغ كرامتنا اللغوية الحقيقية في التراب، ضاربة بعرض الحائط مشاعر ملايين المغاربة مقابل حفنة من المتفيهقين في بلدنا بلغة موليير أو بلغة العم سام أو نوح ؟.

317dem
صورة شخصية لشعار الحملة التضامنية الذي سلم إلي في مكتب البريد، مكتوبا باللغة الفرنسية

الأحد، 23 نوفمبر 2008

أثر التدوين العربي في محيطه

قد يكون من السابق لأوانه أن نتحدث عن أثر التدوين العربي في محيطه العام، وهو لم يتجاوز بعد حدود التجريب الأولى؛ فالتدوين الافتراضي مثله مثل بقية الأجناس الفكرية والأدبية الأخرى يحتاج إلى مراحل تطورية مفصلية متباعدة في الزمان والمكان لتكون نتائجه وآثاره صالحة للمقارنة والاستنتاج، ولإصدار أحكام ثابتة معقولة ومقبولة.

ومع ذلك، فإن أول ما يمكن أن يثيرنا في حركة التدوين العربي هو هذه الكثرة الهائلة من المدونات العربية التي تكدست على بعضها البعض في مدة زمنية قياسية قد تستعصي معها كل المحاولات الفردية للتتبع والإحصاء الشامل قبل التخير والفرز.

وتكاد هذه الحركة أن تغطي عالمنا العربي كله من خليجه إلى محيطه بنسب متفاوتة تبعا لما توفره كل دولة عربية لرعاياها من خطوط الإمداد والصبيب الافتراضيين اللذين تتحكم فيهما وزاراتنا الوصية على شأن الاتصال والداخلية. ولا شك أن تلك الوزاة الأم هي الوحيدة التي تستطيع أن تحصي أعداد المدونات وتعرف أسماءها وعناوين نطاقاتها تماما كما تعرف الحالة المدنية الكاملة لكل فرد يعيش داخل حدودها الجغرافية شبرا بشبر وذراعا بذراع، أو ليست المواطنة الافتراضية كالمواطنة الجغرافية؟، فأين المفر من أم الوزارات إذن؟

وهذه الكثرة الهائلة من المدونات العربية إن دلت على شيء فإنما تدل على الرغبة الدفينة في نفس كل مواطن عربي لتجريب إمكانية البوح الافتراضي عندما لا تسعفه وسائل البوح العلني. فكل مدونة هي في ذاتها وصفاتها شكل من أشكال الصراخ العربي المبحوح إن صح لنا هذا التعبير.
ولكن، من ينصت إلى هذا الصراخ أو النداء التدويني، وما نصيب كل مدونة من حصص الإنصات والزيارات؟ فواقع التدوين العربي لا يعكس حالة تطابق كاملة صحيحة بين المعروض والمطلوب، بين المدونات التي تعرف حالات إقبال غريبة وبين أخرى تعرف حالات إعراض غريبة أيضا، بين المدونات التي تعرف إخفاقا مجحفا وبين أخرى تعرف نجاحا غير مستحق. وكأن مجال التداول الافتراضي العربي لا تقاس فيه قيمة المدونات بمضمونها الإيجابي الفعال المؤثر في العقل أو الوجدان وإنما فقط بحصتها المرتفعة من عدد الزيارات والتعليقات.

وشيء طبيعي أن يعلق كل مدون آماله على حركة الزوار العابرين أو المداومين، ولذلك فإن عينه أول ما تتجه عند فتح مدونته فإنما تتجه صوب عدادها الظاهر أو الخفي؛ وكأن مؤشر العداد هو الذي يضبط إيقاع المدون النفسي والعقلي المتحكم في نشاطه التدويني ارتفاعا أو هبوطا حرارة أو فتورا.
وكل مدون، وحتى في الحالات التي يكتب فيها عن نفسه وأحواله وأسراره، فإنما مقصوده الأول الذي يدون لأجله هو القارئ الافتراضي المحتمل، وإلا فما الجدوى من إعلان مدونته على الملأ؟.

إن الأثر القريب المباشر الذي نستنتجه من حركة التدوين العربي منذ لحظة انطلاقتها الأولى حتى الآن هو في هذه الحركة الذاتية الخفية المتحكمة في عمل المدونين، أو لنقل في هذا الصراع النفسي الذي يعتمل في دواخلهم لتطوير أدائهم وتنمية مهاراتهم في التدوين شكلا ومضمونا؛
وأنا شخصيا ورغم مرور ثلاث سنوات تقريبا على إنشاء هذه المدونة التي أسميتها (كلمات عابرة) لا يمكن أن اعد نفسي مدونا محترفا لأنني أكتشف في كل يوم طريقة جديدة لتغيير مساري في التدوين شكلا ومضمونا.
وعليه، فأنا في كل يوم افتراضي جديد مدون آخر جديد؛ وأنا في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا الإدراج لا أستطيع أن أتذكر جلد مدونتي الأول، ولا سحنتها الأولى التي طلعت بها على الزوار الكرام أول مرة لحظة ولادتها الأولى العسيرة في محضن موقع (مكتوب) يوم الرابع عشر من ديسمبر كانون الأول عام 2005. ففي تلك اللحظة كان صبيب الإنترنت ببلادنا قليلا، وكانت الأجهزة الرقمية المتوفرة حينها تعمل بكفاءة متواضعة جدا عما هو عليه الحال الآن..

ولكنني، مع كل ذلك، لا أستطيع أن أنكر على نفسي على الأقل كل تلك الانفعالات الايجابية التي عشتها خلال هذه الرحلة الافتراضية السابقة على الصعيدين الفكري والوجداني مما لا يستطيع أن يستوعبه إحساس الزائر الكريم إلا بالمعايشة الحميمية للوحة المفاتيح الرقمية وأزرارها السحرية، تلك الأزرار التي نستطيع أن نخلق بها عوالم غير العوالم وأشكالا غير الأشكال...وتلك هي البوادر الأولى لأثر التدوين عندما تبدأ من المدون نفسه قبل أن تنتقل إلى محيطه.

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008

كوكل يهنئ المغرب بعيد استقلاله

كوكل يهنئ المغرب بعيد استقلاله، من خلال عرضه على صفحة محرك بحثه المغربية لوحة فنية رمزية لأشهر طراز من الأبواب التاريخية العتيقة التي يعرف بها المغرب، مما يمكن أن تجد لها نظيرا في فاس أو مكناس، وفي مراكش أو الرباط العاصمة وفي غيرها من المدن المغربية العتيقة المنتشرة عبر جهاته الأربعة.


مبروك


وخلف الصورة تظهر عبارة (مبروك عيد الاستقلال)، عند ملامستها بمؤشر الفأرة
فكل عام وشعب المغرب في عزة وكرامة.

الأربعاء، 12 نوفمبر 2008

إعلانات كوكل تغزو المدونات العربية

بدأت حمى الإعلانات في الانتشار التدريجي عبر المواقع والمنتديات وحتى المدونات منذ أن أضافت كوكل خدمة الإعلانات المبوبة عبر نظاميها المعروفين: (ADwords) و(ADSenSe) إلى باقي خدماتها الكثيرة التي يعرفها القاصي والداني؛ فحيثما وجهت صوبك نحو المواقع الافتراضية الكبيرة أو الصغيرة المشهورة أو المغمورة في هذه الأيام إلا وطالعتك الإعلانات من كل جانب ومن حيث لا تحتسب؛ فهي تتناسل على حواشي المواقع الافتراضية وعلى ضفافها كما يتناسل الفطر، مكتسحة مساحات كبيرة من صفحاتها الأمامية والخلفية بالطول وبالعرض.

وقد يصل هذا الاكتساح في بعض المواقع والمنتديات والمدونات حدا كبيرا تمتزج معه مواد تلك المواقع الأصلية المكتوبة أو المصورة مع المواد الإعلانية المختلفة في أحجامها وأشكالها وأهدافها فتقفز أمام ناظري كل زائر افتراضي فجأة ودون سابق إنذار، مما قد يخلق لديه كثيرا من الارتباك والتشويش، إن لم ينصرف عن المضمون الأصلي لتلك المواقع أو المدونات لينشغل كلية ببريق تلك الإعلانات وبما وراءها.

وأمر تلك الإعلانات في واقعنا الافتراضي الجديد كأمر الإعلانات الأخرى التي ألفناها حتى مججناها على صفحات الجرائد والمجلات أو على شاشات التلفزيون أو حتى تلك المبثوثة على أمواج الراديو، فقد أصبحت الإعلانات شرا لا بد منه، يتقبله أكثرنا على مضض لما يترتب عنه من تشتيت للانتباه وحبس للأنفاس وقطع لحبال التشويق عند قراءة صفحة ورقية أو افتراضية أو متابعة برنامج شيق على الأثير المرئي أو المسموع...

ومعلوم أن كل خدمة إعلانية ليست مجانية فوراءها ما وراءها من الغايات النفعية وتحكمها مصالح مشتركة بين المُعلِن والمُعلـَن عنه والمُعلـَن له، وتضبطها مواثيق وعهود وصكوك وبنود؛ لذلك يشترط فيمن يرغب في إضافة إعلانات كوكل إلى موقعه أو مدونته أن يتوفر على بطاقة ائتمانية وأن يكون مشتركا في أحد البنوك الإلكترونية لينال نصيبه من الأرباح المستحقة عن كل إعلان أو عن كل ضغطة زر يقوم بها أحد الزوار الافتراضيين على مادة ما من المواد الإعلانية المكتوبة أو المصورة ليسهم من حيث لا يدري هو أيضا في الرفع من قيمة رصيد المُعلـِن من الفوائد ويرفع من قيمة المعلـن له من الأرباح فضلا عن الشهرة والجاه.

لقد أصبحت خدمة الإعلانات الشغل الشاغل لكثير من المدونين في هذه الأيام، لذلك تراهم يبحثون عن الطرق المختلفة لتفعيلها على صفحات مدوناتهم، ويبادرون إلى الانخراط في البنوك الإلكترونية ويعملون ما في وسعهم للحصول على بطاقة ائتمانية واحدة أو أكثر، وإذا كانت قوالب مدوناتهم كلاسيكية لا تسعفهم في ذلك فإنهم يعملون على استبدالها بقوالب جديدة تدعم الخدمات الإعلانية وتطبيقاتها البرمجية الخاصة.

وتحرص كوكل على أن تكون المواد المعلنة في هذا الموقع أو ذاك، وفي هذه المدونة أو تلك ذات صلة بالمضمون العام الأساسي لكل موقع أو مدونة، وتقدم انطباعا عاما للجميع بأن محركات البحث لديها تقوم بشكل ألي على اختيار الإعلان المناسب للموقع الافتراضي المناسب.

غير أن هذه القاعدة لا تكون مطردة فكثيرا ما تظهر بعض الإعلانات غير المرغوب فيها من جانب صاحب المدونة نفسه أو من جانب زائره مما يخلق لديهما نوعا من الحرج النفسي أو الأخلاقي بسبب عشوائية بعض الإعلانات التي تلقي بها محركات البحث بشكل اعتباطي لمجرد التشابه السطحي البعيد عن الروح والجوهر.

لقد تغيرت طبيعة المدونات العربية في كثير من أهدافها ومبادئها الأولى التي تأسست عليها أول الأمر عند انطلاقة حركة التدوين العربي، وبدأ كثير من المدونين ينساقون وراء حمى الوهم الافتراضي الزائف إما للربح المادي السريع وإما للرفع من عدد الزوار بطرق ملتوية غير مقبولة.

ترى هل بدأ التدوين العربي يدخل مرحلة التشييىء حيث المعروض الافتراضي لا يعدو أن يكون من بقية الأشياء الأخرى العادية المعروضة للبيع في كل زمان ومكان؟. ولكن، عبر بوابات الإنترنت الربحية هذه المرة، بدل الأسواق التجارية الممتازة أو حتى الحوانيت المصفوفة في دروبنا العربية الضيقة.

وفي هذا الفضاء الافتراضي العالمي الجديد الذي نعيشه الآن صار الكل يبيع ويشتري وصار الكل يعرض و يتفرج في نفس الوقت والآن.

الجمعة، 7 نوفمبر 2008

أوباما الذي في خاطري

أوباما في هذه اللحظة من تاريخ شعب أمريكا المأزوم اقتصاديا ونفسيا وأمنيا هو الرجل المناسب لمثل هذا الظرف الأمريكي غير المناسب. وهو الرجل الحسن المبارك باسمه وبسمته وبلونه، وهو مهدي أمريكا الأسود المنتظر لسنوات خلت والموعود الأسود الأول لمثل هذه الأيام الصعبة على الأمريكيين وعلى رؤوس أموالهم.

وأوباما في هذه اللحظة أيضا هو هدية الديمقراطية الأمريكية إلى كل العالم، حيث الناخب هو السيد، وهو الآمر الناهي، وهو الحاكم، وهو القاطرة التي تجر وليست المقطورة التي تنجر بحكم العادة والقوة أو القهر والاستحواذ.
وأوباما في هذه اللحظة أيضا هو ناطور البلاد الأمريكية الجديد الذي اختاره الشعب الأمريكي بكل ثقة ومصداقية ليشذب مزرعة الشر التي أقامها سلفه جورج بوش داخل أمريكا وخارجها، تلك المزرعة التي لم تطرح غير الشوك والحنظل، ولم تخلف غير الخيبة والدمار والحسرة في قلوب الملايين داخل أمريكا وخارجها. ولطالما تحدثنا عن تلك المزرعة المشؤومة عبر كلماتنا العابرة.

أما الظاهرة السياسية الأمريكية الأوباماوية في هذه المرة وغير الأوباماوية في غيرها من الأحوال والظروف الأمريكية فما هي إلا حركة حضارية نوعية خاصة بالأمريكيين لتوديع رؤسائهم الطالحين قبل الصالحين أمثال جورج بوش سيء الذكر والسيرة، وفرصة متاحة لكل أمريكي بشكل دوري متجدد لكي يسهم بوعي ومسؤولية في كل تغيير نوعي يخلص البلاد والعباد من الشرور والأزمات. إنها حركة تصحيحية على الطريقة الأمريكية الخاصة تمكن الأمريكيين من أن ينظفوا بيتهم الأبيض من الداخل والخارج، وينفضوا عنه كثيرا من غبار الفساد السياسي والأخلاقي مرة واحدة كل أربع سنوات، ولكنها بثقل الذهب الأمريكي كله وبكل بريقها الحضاري وأكثر.

غير أن أوباما الذي في خاطري وفي خاطر كثيرين أمثالي أو ممن هم على شاكلتي فيبقى مجرد حلم أو فكرة قد تقتادني كما اقتادت غيري إلى قفص الاتهام أو حتى إلى حبل المشنقة.

وفي انتظار أن ينصلح حالنا العربي ويعود إلينا سعدنا العربي من مخبئه لا نملك إلا أن نردد مع الشاعر العربي الحالم قوله:
قد أحسن سعد في الذي كان بيننا
فإن عاد بالإحسان فالعود أحمــد


كل عيد انتخابي أمريكي جديد وأحلامنا العربية الصغيرة ولو في أدنى درجات التغيير والتجديد بألف خير وسلامة من بطش جبار أو مقص حسيب رقيب...

الخميس، 6 نوفمبر 2008

صورة مقال آخر منشور بجريدة دليل الإنترنت

صورة مقال منشور بدليل الإنترنت. ع159/ ص3يرجى ضغط الرابط أسفله لقراءة المقال بصيغة pdf
1225965271.pdf


الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

كيف تُغتالُ اللغة العربية؟



من هنا، وفي أحد الشوارع الهامة بمدينة مراكش تُغتال اللغة العربية في واضحة النهار



الخطأ: افتيتاح قريبا ندارتي
الصواب: افتتاح محل (نظاراتي) قريبا





ترى كيف يجتمع علم البصريات والجهل بأبسط قواعد الإملاء العربي في هذا الإعلان؟!
إنه العمى اللغوي بعينه.

السبت، 1 نوفمبر 2008

هل سيستعيد المغرب دورته المناخية الممطرة...؟

كنت قد سمعت من أفواه بعض عامة الناس عند نهاية الصيف الماضي هنا في مدينة مراكش أن هذه السنة سنة 2009 ستكون بإذن الله سنة (ماوية) بلغة العوام أي: مائية، نسبة إلى ثروة الماء السماوية الطبيعية وليس إلى ثورة (ماو) تسي تونغ الأرضية الشعبية الاشتراكية الصينية.

وكنت قد قررت الكتابة في هذا الموضوع ضمن فئة: استراحة مراكشية وشؤون مغربية، غير أن ازدحام فكري بقضايا التدوين والمدونات أذهلني عن هذا الموضوع.
وكثير من الكلام الذي يصدر عن العوام قد يعتقده البعض مجرد شطحات جنونية وتهيؤات خرافية غير أن جذوره التاريخية والأنتروبلوجية قد تكون أبعد وأعمق مما قد نظن للوهلة الأولى. فلا شك أن أحكام القيمة التي تنشأ في مرصد العوام عن عادات الناس وأمزجتهم لها نظير مماثل عن عادات المناخ وتقلباته ومزاجه أيضا. وتلك الأحكام نتيجة خبرة ومقاربة فطرية شاملة ومراقبة طويلة لمجريات الأحداث والتطورات المختلفة التي تحصل في الزمان والمكان. والسلف يرث حصيلة تلك الخبرة عن الخلف عبر الكلام الشفوي المشترك دون انقطاع أو انفصام، ثم تسجل نتائجها وخلاصاتها لتنقش على صفحات الذاكرة الشعبية المغربية الجماعية كما تسجل حصيلة مراقبة الأرصاد الجوية في الجداول والخرائط الرقمية داخل دوائر الحاسوب الرقمية الآن.

وإذا رجعنا إلى التقلبات المناخية التي عرفها المغرب خلال شهر أكتوبر الذي أبى إلا أن يودعنا ليلة أمس على إيقاع أمطار الخير التي لا زالت متواصلة إلى حدود هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور من صبيحة فاتح شهر نوفمبر فإنها باعتبار ماكان مألوفا عند مرصد المغاربة الشعبي تعد أمرا عاديا،غير أن نشرات الأخبار الجوية في تلفزيون وراديو المغرب التابعين لوزارة الاتصال والداخلية أبت إلا أن تصف أمطار الخير التي أرسلها رب العالمين لخلقه وبهيمته بالاستثنائية، وكأن المغرب ما اعتاد عبر حقبه الطويلة إلا على القحط والجفاف ضاربة عرض الحائط بأرشيف الذاكرة المغربية عن أيام المطر الطويلة المغربية في فصلي الخريف والشتاء، وعن الخلجان والوديان والجداول التي لم تكن تجف من الماء طيلة أيام السنة كما أذكر جيدا ويذكر غيري من المجايلين لفترة السبعينات وما قبلها من القرن الماضي. فمن حفر هذه الوديان الكثيرة ومن رسم تلك الخلجان والجداول التي لا تعد ولا تحصى على صفحة الخريطة المغربية من أقصاها إلى أقصاها.. أليست حبات المطر الكبيرة والصغيرة...؟؟ !!

إن مصاب بعض المواطنين المغاربة الذين تضرروا في أموالهم ومنازلهم ومواشيهم جراء أمطار الخير وخاصة في منطقة الريف الغربي والأوسط والشرقي وفي بعض مناطق الحوز ودرعة لا يرجع فقط إلى الحمولة الزائدة من السيول التي عرفتها بعض الوديان حتى فاضت وغمرت المنازل والمناطق الصناعية، وإنما لسياسة التعمير العشوائية التي بدأت تزحف أكثر من ذي قبل في اتجاه المنحدرات والمروج وضفاف الأودية في غياب خطة وقائية لتنبيه الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم ومنشآتهم الصناعية من أضرار الفيضانات.
وقد يلاحظ الزائر للمغرب أن معظم القرى الطينية والمدن المغربية الشمالية على وجه الخصوص قد اختطها أسلافنا في أماكن عالية تكون بمنجاة من وصول السيول الجارفة إليها بل إن بعضها معلق في قرون الجبال والتلال العالية بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا بالمشي على الأقدام أو بركوب الحمير والبغال.

ترى هل يكون المغرب بتباشير المطر المبكرة لهذا العام قد دخل مرحلة مناخية جديدة يتصالح فيها مرة أخرى مع السماء ليستعيد عادته المناخية المطيرة المألوفة في ذاكرة المغاربة، وليست في ذاكرة الوزارات المغربية الوصية في التجهيز والنقل وفي تدبير الشأن المغربي العام؟ إذ أبت الوزارات الوصية على التجهيز وتدبير الشأن المغربي العام إلا أن تلقي باللائمة على خيوط الرحمة التي تصل السماء بالأرض تهربا من تحمل مسؤوليتها الكاملة على هشاشة تجهيزاتها من طرقات وقناطر ومعابر مغشوشة. وقد انهاربعضها بسرعة وأصاب بعضها الآخر كثير من التلف في غضون أسبوعين ممطرين فقط، فكيف ياترى سيكون حال منشآت وتجهيزاتنا العمومية إذا استعاد المغرب دورته المناخية المطيرة كاملة غير منقوصة كما يدور في بعض قصاصات الأنباء المناخية الشعبية التنبؤية.. ؟ !!

الجمعة، 31 أكتوبر 2008

مُجمَّعات التدوين العربية

مُجمَّعات التدوين الافتراضية ككتب الفهارس الورقية؛ فإذا كانت غاية الفهارس الورقية حصر أسماء المؤلفين واستقصاء عناوين الكتب التي كانت تظهر في كل عصر، من قبيل كتاب(الفهرست) لابن النديم (القرن: 4 هج) أو الكتاب الضخم (كشف الظنون..) لحاجي خليفة (القرن: 11هج) المشهورين في تراثنا التأليفي بحمع شتات الكتب العربية المصنفة قديما فإن مجمعات التدوين الافتراضية تسعى لنفس الغاية وهي التعريف بأكبر قدر ممكن من المدونات؛ من جهة التعريف بأسماء المدونين وعناوين مدوناتهم، ومن جهة الروابط الإلكترونية الرئيسية والفرعية التي تقود إليها، ومن جهة أنظمة الخلاصات التي تعطي القارئ أو الزائر نبذة عن مواصفاتها ومحتوياتها وجديد إدراجاتها.

وقد تعددت المواقع التي تقدم خدمة التعريف بالمدونات وفهرستها في كل بلدان العالم لامتلاء بيئة التدوين الافتراضي على الشبكة العنكبوتية بعدد لا يعد ولا يحصى من المدونين والمدونات مما يحتاج معه الأمر إلى جمع وتوضيب وترتيب.
ومجموع المدونات التي يتم حصرها في هذا الموقع أو ذاك هو الذي يمكن أن يحدد لنا في نهاية المطاف الفضاء التدويني (blogosphère) لمدينة ما أو لبلد ما أو لمجموعة بشرية ما أو لمجموعة لغوية ما.
وهكذا يمكن مثلا أن نتحدث في هذا الصدد عن مجمع مدونات المغرب أو مجمع مدونات البلدان المغاربية أو مجمع مدوني البلدان العربية، أو مجمع المدونين بلهجة ما أو بلغة ما في هذه الجهة أو تلك، أو حتى عن مجموع مجمعات تدوينية دفعة واحدة.

وقد كان المدونون أنفسهم هم أول من حاول جمع شتات زملائهم المدونين في نطاق واحد قبل أن تنتبه إلى ذلك المواقع المختصة بالفهرسة. وفي هذا الصدد لا بد من الإشادة بمجهود الأخ العربي الذي كان من أول المدونين المغاربة القدامى الذين وضعوا الخطاطة الأولى ل(البلوغوما) المغربية في نسختيها الفرنسية والعربية قبل أن تكثر مجمعات التدوين العربية الأخرى كثرة هائلة.
ولكل مجمع من مجمعات التدوين العربي شروطه الخاصة لقبول هذه المدونة أو لهذا الموقع في لوائحه وقوائمه، وذلك حسب التوجهات الفكرية أو السياسية أو الفنية أوالميول الشخصية أو طبيعة العلاقات التي تربط ذلك المجمع بنوع معين من المدونين.
وأنا هنا لست ضد وضع الشروط لترشيح مدونة ما في هذا المجمع التدويني أو ذاك إذا كان المنطلق ديموقراطيا وإذا كان الهدف نبيلا يسعى للرقي بقيمة التدوين العربي وتمييز جيده من رديئه، ولكنني ضد المجمعات التدوينية التي تضع شروطا مجحفة لجعل مجال التدوين العربي حكرا على بعض الأسماء دون بعض.

وجميل أيضا أن يكون فهرس بعض المجاميع العربية شاملا مفتوحا للجميع من غير قيد أو شرط، غير أن هذه الشمولية إذا لم تكن منظمة فإنها تصبح فوضى؛ وحبذا لو وزعت فهارسها إلى قوائم متمايزة مستقلة؛ فتكون هناك قائمة خاصة بالمدونات التقنية وأخرى خاصة بالمدونات الأكاديمية وأخرى بالمدونات السياسية وأخرى بالمدونات الترفيهية وهكذا دواليك، أو على الأقل أن يكون ترتيبها أبجديا كما هو حال الفهارس الورقية..
وحتى المواقع المستضيفة للتدوين تحرص على وضع فهرسة نموذجية خاصة بها، ولكنها فهرسة بعيدة عن الموضوعية لأنها في الغالب لا تخرج عن مجال الدعاية إما لأكثر المدونات انتشارا أو لأكثرها تعليقا لديها، مما يفسح المجال لأشكال مختلفة من التحايل والغش من قبل بعض المدونين المتسلقين الذين لا هم لهم إلا تصدر تلك الواجهة الدعائية لأطول فترة ممكنة.

ولكي يأخذ التدوين العربي مساره الصحيح ينبغي أن يكون الوعي بقيمة التدوين كحركة تقنية وفكرية ملائمة للتعبير عن روح العصر الجديد شعورا مشتركا بين المدون من جهة أولى وبين مواقع الاستضافة من جهة ثانية، وبين مجمعات التدوين من جهة ثالثة.
فإذا كانت الرؤية مشتركة والأهداف واحدة بين هذه العناصر الثلاثة بعيدا عن كل مصلحة ذاتية ضيقة أمكن الحديث عن بيئة تدوينية عربية جديرة بالاحترام والمصداقية.

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

محاضن التدوين العربي؛ الورقة الثانية

ليس هنا، في هذه الورقة الثانية، أي مجال للمفاضلة بين هذا الموقع المحتضن للتدوين العربي أو ذاك، فالأمر متروك إلى المدون نفسه؛ فهو الذي يختار الانتساب إلى موقع ما من بين مجموعة عديدة من المواقع المحتضنة ليجعلها مستودعا لبنات أفكاره ومستراحا لممارسة أنشطته التدوينية المختلفة، وذلك بمحض إرادته، وفي حدود معرفته واطلاعه.

ولا نملك هنا إلا أن نشيد بجهود المشرفين على أي موقع يقدم خدمة الاستضافة المجانية التي تدعم اللغة العربية. فتحية إلى كل من عمل في الخفاء على جمع شتات المدونين العرب ونظم حبات عقولهم في سلك واحد، وتكرم بإتاحة مساحة افتراضية ما لغيره كي يصول فيها ويجول.

غير أن محاضن التدوين بهذا المفهوم قد تصبح في نهاية المطاف كالدوائر المغلقة أو الجزر المعزولة النائية في محيط بحر الأنترنت العظيم؛ فمدونات مكتوب أو مدونات جيران أو مدونات وورد بريس أو البلوغر العربيين أو غير ذلك دوائر مغلقة وجزر تكاد تكون معزولة عن بعضها البعض، فالداخل إليها مولود والخارج منها مفقود، كما يقال. والدليل على ذلك أن مدوني مكتوب لا يكاد يعرفهم أو يعلق على إدراجاتهم غير زملائهم المدونين في مكتوب أيضا، والأمر نفسه ينطبق على بقية مواقع الاستضافة المجانية. ولولا وجود محركات البحث التي تقود عموم الزوار إليها بالصدفة لكان واقع عزلتها أكبر وأفدح.

وبعض أصحاب المدونات المستقلة لا يتورعون عن نعت زملائهم المدونين المنتسبين بالألفاظ والمصطلحات التي تشير إلى دلالات التجمعات العربية الحقيقية المعروفة ك(القبيلة) و(العشيرة)، فيتحول موقع مكتوب في أذهان البعض إلى قبيلة عربية افتراضية مثلها مثل أي قبيلة عربية حقيقية عشائرية عتيقة في الأردن أو في الحجاز أو في العراق أو في المغرب الأقصى، ويتحول موقع البلوغر في أذهان البعض أيضا إلى حي افتراضي معاصر مثله مثل أي حي غربي حقيقي يقع في هوامش باريز أو في لندن أو نيوورك أو ساو باولو وغيرها من الأحياء الغربية المكتظة بالمهاجرين والأفاقين والهاربين إليها من كل فج عميق من الضنك والضيق... فلا تسهغرب إذا وجدت أحدهم ينعت مدوني مكتوب بقبيلة مكتوب، أو مدوني البلوغر بحي البلوغر...

ومن حق المدون المستقل أن يستشعر حريته التامة في التدوين ويتنفس ما وسعه الجهد في فضائه الأثيري الخاص، ويحلق في مجاله الافتراضي كيفما يشاء صعودا ونزولا؛ فله حرية امتلاك النطاق، وله حرية التصرف الكامل في كل صغيرة وكبيرة تخص أمر مدونته قلبا وقالبا، غير أن هذا الشعور قد يتحول عند البعض إلى نوع من التعالي الارستقراطي عندما ينظر من موقع التباهي تارة والاحتقار تارة أخرى إلى غيرهم من الدهماء والغوغاء المنتسبين إلى قبيلة آل مكتوب أو آل جيران، أو غيرهم ممن أسكنوا أفكارهم في الأحياء اللاتينية في موقعي البلوغر أو الورد بريس أوفي غيرهما من المواقع الغربية التي تقدم خدمات الاستضافة المجانية, وهي كثيرة ولا يمكن أن تعد أو تحصى، وتتفاوت فيما بينها تفاوتا بينا من حيث شروط الاستضافة ومن حيث نوعية الخدمات والخيارات المتاحة...

فهل يجوز لنا بهذا المنطق أن نتحدث عن شكل جديد من أنواع التمايز الطبقي الافتراضي في بيئة التدوين العربي؛ بين من يمتلكون حرية كاملة في التدوين المستقل وبين من يمتلكون حرية منقوصة في التدوين المنتسب؟.
وأنا لا أستطيع أن أنكر أن بعض المدونين المنتسبين يعملون من حيث يدرون أو لا يدرون على زعزعة الثقة في التدوين المنتسب بما يقومومن به من سلوكات تدوينية غير واعية وغير مسؤولة، وبما ينفثونه من السموم وبما يرمونه من الشراك والحبال الملتوية في الطرق الافتراضية السيارة لإثارة الانتباه واصطياد أكبر عدد ممكن من الزوار..

ولكن، كما أن مواقع الاستضافة المجانية العربية فيها كثير من الغثاء الافتراضي الذي يثقلها بحمولة افتراضية زائدة لا تسمن ولا تغني من جوع فيها قدر مهما من التدوين الجيد الناضج الصالح لقطف الثمار، ولكنه يكاد تضيع في موجة الغثاء ولا يكاد يتميز إلا بصعوبة.
ولكي يتميز جيد التدوين من رديئه لا بد من خلق وسيط جديد من مواقع التدوين يكون صلة وصل بين المدونين المتميزين، سواء أكانوا مستقلين أو منتسبين من جهة، وبين القارئ أو المتصفح الافتراضي النموذجي من جهة ثانية. وهذا الوسيط هو مجمعات المدونات العربي المنتقاة. وهذا هو موضوع الورقة الموالية.

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

محاضن التدوين العربي؛ الورقة الأولى

لم يكن بوسع التدوين العربي أن يأخذ حظه الكامل والوافي من الانتشار في بحر الإنترنت المتقلب في مده وجزره لولا محاضن التدوين الكثيرة.
ولفظة (المحاضن) تتضمن إشارة مرجعية إلى الخـُم الطبيعي أو بيوت الدجاج الطينية أو الإسمنتية أو البلاستيكية أو الاصطناعية الحرارية حيث يتم تفريخ وتكثير الكتاكيت بالجملة حتى تكبر وتصبح جاهزة للذبح والاستهلاك العمومي داخل البيوت أو في المطاعم.
فبين محضن الدجاج ومحضن التدوين علاقة مشابهة ومماثلة على هذا الأساس فقط أي: أساس وظيفة التوليد والتكثير، ولا ينبغي أن يذهب ظن أحد القراء الأعزاء بعيدا فيتوهم أني أشبه المدونين العرب بسلالة الدجاج التي قد لا تملك من أمرها شيئا غير الصراخ والقوقأة. وإن كان هناك من بعض أشباه المدونين من إذا وزن حِلمُه رجح عليه عقل أصغر كتكوت منسجم مع شكله ووزنه ومع عادات وتصرفات سربه الغريزية التي أودعها الله فيه منذ النشأة الأولى التي لا يعلم مـُبتدأها البعيد غيره عز وجل....
وإن نظرة سريعة على بعض محاضن التدوين العربي الشهيرة ك (مكتوب) أو(جيران) أو(مدونتي) بالإضافة إلى محاضن التدوين الغربية التي تدعم اللغة العربية ك (ورد بريس) أو (البلوغر) أو (بلوغ سبيريت)... وغيرها كثير تعطينا إشارات قوية على ارتفاع مهول في عدد المدونين المنتسبين إليها بالجملة والتقسيط.
ومن يتأمل هذا الحشد الهائل من المدونين العرب المنتسبين إلى هذا المحضن أو ذاك يخيل إليه أن موسم الهجرة العربية إلى عوالم التدوين قد بلغ الغاية والنهاية التي لا مزيد عليها، وإن كان منطق عمل البيئة الافتراضية يأبى إلا أن يسع الجميع..
إن درجة الامتلاء الافتراضي العالية التي أصبحت عليها محاضن التدوين العربي إلى حدود يوم كتابة هذه السطور تشبه حقينة سد عال بلغت حدا معقولا من الامتلاء والارتواء. وهي تتيح للباحث والمتتبع لظاهرة التدوين العربي مادة غزيرة للبحث والمقارنة، ولدراسة النماذج البشرية ولأنماط السلوك، ولطرق الاشتغال المختلفة التي تتحكم في عقل كل مدون عربي على حدة، وذلك عندما يفكر أو يكتب أو يعبر بكلمة أو بصورة ثابتة أو متحركة أو حتى بأيقونة..
وبعض قدماء المدونين العرب المنتسبين الذين التحقوا بمحاضن التدوين على مكتوب أو جيران بقوا أوفياء ملتزمين ومتمسكين بمواقعهم الأولى التي احتلوها في هذا المحضن أو ذاك، ولا زالوا إلى حدود هذه الساعة يواظبون على إرسال جديد إدراجاتهم دون انقطاع.
وأنا واحد من هؤلاء؛ فقد مضى على التحاقي بمحضن (مكتوب) ما يناهز ثلاث سنوات، ولم تراودني في أي يوم من الأيام فكرة حجز أو استئجار نطاق خاص بي مع أن كثيرا من الزملاء أشاروا علي بترك التدوين المنتسب والاستقلال بموقع شخصي مستقل عن ضغوط التدوين المنتسب وإكراهاته.
إن التدوين المنتسب أشبه ما يكون بالسكن في الحارة والحومة ففيه من الألفة، وفيه من المودة، وفيه من لذيذ العيش المشترك ما لا يشوش عليه إلا الزعران والأوباش بحركاتهم الطائشة عندما يتحرشون بغيرهم من الناس عبر المعاكسات والتعليقات البذيئة...

وقد يشعر بعض المدونين المنتسبين الأصلاء أن جهودهم الطيبة في التدوين يمكن أن تضيع، كما يمكن أن تضيع أصواتهم في موجة الازدحام العام في سوق عمومي أو في ملعب كبير لكرة القدم غاص بالمتفرجين المتعصبين لهذا الفريق أو ذاك فهم يصرخون في كل اتجاه، وأنه مهما كان مبلغ هؤلاء المدونين من الإبداع في حقل التدوين الجاد فإن الفضل الأول يبقى للدار الافتراضية المستضيفة أو للموقع المحتضن.
وفي هذا ما فيه من الإجحاف بالحقوق المادية والمعنوية لفئة من المدونين الجادين المقاومين لدوائر العزلة العصيبة في صمت؛ فقد جرت العادة أن تتنصل المواقع المحتضنة من كل التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه المدونين، كما تنص على ذلك عبارة إبراء الذمة الموجودة أسفل كل مدونة منتسبة، وكأنهم مخلوقات هلامية لا تقدم ولا تؤخر شيئا في حركة الحياة، أو كائنات بشرية من الدرجة الثانية لم تبلغ سن الرشد، رغم أنهم يسجنون ويقبض عليهم كغبرهم من البالغين ومن الكتاب والصحافيين والفنانين ذوي الرأي المعارض الذين يشار إليهم بالبنان، أو ممن يسبحون ضد التيار؛ فكم من مدونة قد حجبت، وكم من مدونة قد شطبت وأصبحت أثرا بعد عين، وأخرى قد أغلقت بشمع السلطة الأحمر حتى إشعار آخر. فأي تناقض أغرب من هذا عندما تـُمنع لكي لا تـُعطى، وعندما تـُعطي لا يـُعترف لك بذلك، ولا تنال الحد الأدنى من المقابل المحفز، أو من خميرة العطاء المتواصل..!!

إن مفهوم كلمة (مدون) لازال غامضا وملتبسا ولا نعثر له على تعريف دقيق بخلاف كلمة (مدونة) مثلا، ولم تمتلك كلمة مدون بَعدُ بُعْدها القوي الفعلي في نفس المدون وفي محيطه كما هو الحال بالنسبة لكلمة كاتب أو روائي أو شاعر أو صحافي أو فنان أو ما شئت من الأسماء والألقاب والنعوت الإيجابية المعترفة بفضل صاحبها وأثره ؛ أثر يكون له وقع مادي ومعنوي ممتد في حياة صاحبه وحتى بعد مماته. فماذا يكسب معظم المدونين من تدوينهم غير حرق الأعصاب وإهدار الجهد في التفكير والتعبير والتنسيق؟!!.

وأنا أستثني ثلة من المدونين التقنيين المحترفين الذين يعرفون من أين يؤكل لحم الكتف ليربحوا ويغنموا من نشاطهم التدويني التقني في الغالب؛ وذلك عبر ربط علاقات شراكة نفعية مع شركات ومواقع يكون لهم منها كثير من الربح المعنوي ومن الشهرة في أوساط المدونين والقراء والزوار العابرين بمواقعهم ومدوناتهم، وقليل من الريع المادي العائد مقابل خدماتهم التقنية في التصميم والبرمجة والدعاية التسويقية.

ومع كل هذا وذاك، أدرك وأعي تماما أن قيمة المدون الحقيقي تكمن فيما يتقنه أو يحسنه في هذا الفن التدويني أو ذاك، سواء في مدونة مستقلة أو في مدونة منتسبة.

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة

كل مدون يعمل على شاكلته، وكل مدون قد أتى إلى منصة التدوين من حيث انتهت إليه تجاربه في الحياة، بغض النظر عن عمق تلك التجربة أو ضحالتها، وبغض النظر عما تكون لديه من آراء ووجهات نظر أو مواقف حولها، كما أوضحنا ذلك في كثير من الإدراجات السابقة.

وليس البلوغ شرطا ضروريا لافتتاح مدونة أو إنشاء صفحة شخصية على الشبكة العنكبوتية، كما هو واقع الحال عند الرغبة في الحصول على رخصة قيادة سيارة مثلا أو ممارسة أي نشاط أو سلوك خاصين بالبالغين؛ فللأطفال الصغار كما الكبار مواقعهم ومدوناتهم وصفحاتهم التي تتناسب مع عالمهم الافتراضي الخاص الذي يعج باللعب والمرح، وبالألوان والرسوم، وبالخيال والفنتازيا الكرتونية الجامحة المليئة بالخوارق والعجائب.

ولم يعد نشاط الأطفال التعليمي محصورا في فصول القسم، بل أصبح له امتداد آخر في حجراتهم الافتراضية الموصولة مع بعضها البعض عبر إمكانيات التواصل المباشر بالتعليق والحوار، وحيث يمكنهم أن يغيروا ويقترحوا ويتبادلوا الدمى والزخارف والملصقات والإكسسوارات الرقمية وكأنهم ما افترقوا جسديا بعد خروجهم النظامي من المدرسة إلا ليلتقوا ثانية بخيالهم وعقولهم عبر تلك الحجرات التي يجدون فيها متسعا يغنيهم عن حكايات الجدة البائدة وثرثرة وضوضاء التلفاز.
ولم تعد حتى اللعب الحقيقية المصنوعة في معامل الصين أو اليابان بإتقان فائق في الرشاقة والحركة والصوت لتثير شغف الأطفال وشغبهم بقدر ما تثيرهم الدمى الافتراضية التفاعلية التي يستطيعون أن يغيروا في أشكالها وأحجامها وألوانها، وكأنهم هم الذين صنعوها للحظة والتو في مصانع مخيلتهم الصغيرة.

إن الرغبة الجامحة التى تتولد في الإنسان لإنشاء مدونة سواء عند الكبار أو الصغار هي أول سلطة يخضع لها الشخص العادي قبل أن يتحول إلى كائن افتراضي بالتدريج؛ فعندما نتطلع إلى مدونات الآخرين ومواقعهم تتولد فينا الرغبة في محاكاة بيوتهم الافتراضية والبناء على منوالها في التصميم والهندسة والزخرفة والتنسيق، أو في أسلوب الكتابة، أو في طريقة البحث عن القضايا والموضوعات والأفكار.
وعلى هذا، فالمواقع والمدونات والمنتديات في تزاوج مستمر. وكل منها يؤثر ويتأثر بمقادير متفاوتة، إلا أن تكون عقيمة وغير ذات جدوى، فإنها في هذه الحالة تكون من قبيل الغثاء الافتراضي الذي يجرفه وادي السليكون بقوة حتى يتسرب في قعر المحيط الافتراضي العميق.

وقد أصبحت للمحاكاة الافتراضية سلطة لا تقاوم حتى على المدونين المحترفين؛ فهم يسعون باستمرار إلى تطوير مدوناتهم ومواقعهم عن طريق اقتباس كل طريف وجديد في مجال تصميم وهندسة المواقع والصفحات الإلكترونية.
وكم هي قليلة تلك المواقع أو المدونات أو المنتديات التي احتفظت بتصميمها الأول إلا أن تكون علامة مسجلة كما هو الحال بالنسبة لتصميم موقع كوكل وياهو وغيرهما من المواقع العملاقة.
ولو حاولت أن تسترجع النسخ الاحتياطية المحفوظة لدى محركات البحث لكثير من المواقع والمدونات العربية والعالمية لتبين لك أنها تغير جلدها بين عشية وضحاها.

إن أكبر عدوى يشهدها عصرنا هذا هي عدوى تحول البشر من كائنات عادية إلى كائنات افتراضية. وكل واحد من البشر يسعى جهده ليحوز موقعا افتراضيا يتسع له إذا ما ضاقت عليه الدنيا، أو ضاقت به أخلاق الناس.سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة.سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة.

السبت، 11 أكتوبر 2008

صراع الحرف والصورة في حياتنا الافتراضية

كان الكلام شرودا يضيع بين الناس مع الزفير الذي ينفثونه، حتى اخترع له الإنسان الخط والحرف فكانا له وعاء حافظا وإطارا مانعا.

والمسافة الفاصلة بين الخطوط والحروف ومضمونها من الكلام هي نفسها المسافة الفاصلة بين مكنون الصور وظلالها وألوانها وأبعادها. فكل منها محتوى وقالب، وحامل ومحمول، وذكر وأنثى، وطالب ومطلوب.
وخلاصة العالم حرف مخطوط أو مرقون أصله فكرة، وزبدة العالم المتمخضة عن وفاق أو اختلاف مع المحيط صورة منمنمة أو ملتقطة أو مخلقة في رحم الكمبيوتر.
والعالم في رأس الإنسان كأنه صفحة مطوية داخل كتاب أو لوحة جدارية في مرسم، أو خصائص رقمية لا متناهية في دوائر الحاسوب الإلكترونية، ونقطا ضوئية دقيقة في شاشات العرض الافتراضية...
ولو كان العالم بالأبيض والأسود لأوجد له الإنسان الألوان حتما وضرورة، لقدرة الصورة العجيبة على اختزال ثرثرة الكلام.

وأنا في هذه المدونة التي أطلق منها كلماتي العابرة أقر بأني اخترت الانحياز إلى جانب الخط والحرف انتصارا لحق الكلمة في التعبير ومقاومة استعباد الصور. وأنا أعتذر عن زوار مدونتي إن كادت تخلو من الصور.
فنحن نعيش الآن عصر زحف الصور التي تغمرنا بطوفانها من كل جانب كطوفان الجراد والقمل والضفادع التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. والناس في عصرنا ينجذبون إلى وهج الصور وألوانها الزاهية في كل موقع افتراضي، ولو كانت صورا تفيض بالدم والفجور...
وما عدنا نقرأ العالم بعقولنا، وإنما نقرأه بحواسنا وغرائزنا. وحدها الصور كفيلة بذلك ، وهي أقدر من أي سلطة كلام على اختزال تفاصيل المشهد كله في أقل من لمح بالبصر أو بعدسة الكاميرا السحرية.

ولا شك أن التقنية الحديثة أضحت مسعفة أكثر من أي وقت مضى لإنتاج الصور على اختلاف أشكالها وأحجامها ووظائفها، مع إمكانية استنساخها وتعميمها على أوسع نطاق في اللحظة والتو. ويعمل خبراء التقنية على مدار الساعة على تطوير آخر الصيحات المبتكرة في هذا المجال.
ولا يملك الإنسان إلا أن يندهش من هذا التطور المذهل الذي حصل على مستوى ترسيخ عادة تواصل الإنسان الحديث بالصور عبر الدعاية والإشهار، وعبر تيسير تطبيقاتها واستعمالاتها المختلفة من خلال أجهزة العرض والاستقبال المتنوعة التي استعبدت عقل الإنسان وقللت انتباهه وتركيزه على ذاته ومحيطه.

لقد صار العالم الافتراضي لبهاء صوره أشبه بالحلم اللذيذ الذي لا يريد أي واحد منا أن يصحو منه، إلا إذا هده تعب الإبحار في محيط النت العظيم، أو إذا عزل التيار الكهربائي عن حاسوبه وهاتفه، أو فقدت حرارة الاتصال من الأسلاك والخيوط المتصلة ومن أثير السماء المفتوحة.
وحتى الهاتف النقال الذي ابتكر أول الأمر لتيسير تواصل الناس عن بعد بالكلام أصبحت معظم تطبيقاته الأولى متجاوزة بعد أن ركبت له عدسة وشاشة موصولة بالعالم لتـَرى وتـُرى.
وتوفر شركات صنع أجهزة الاتصال الحديثة مواصفات جمالية من حيث سطحها الأملس الشفاف وانسيابية الشكل مع التناسق التام بين الإطار وشاشة العرض وأماكن وضع الأزرار. فهي، وإن كانت في وضعية إيقاف التشغيل، تظل تمارس سحرها في صمت تام، لتحرك في الإنسان الشهوة إلى ملامستها ومداعبة أزرارها بالأنامل كأنها تضاريس أنثى بضة ناعمة في مقتبل عمرها الريان الفتان.

ربما يدرك المعلم أو الأستاذ، وهو يمارس لعبة التلقين بالكلام أن مستوى التعبير عند تلاميذه أو طلابه قد كاد يتحول إلى حشرجة وأن الكلام يضيق عليهم ولا يكاد يبين، إلا إذا فتح جهاز هاتفه أو حاسوبه المحملين واطلع على ما فيهما من نقوش وأبجديات الصور ... !!
فهل نعيش في هذا العصر الافتراضي الجديد البوادر الأولى لاحتضار اللسان وموت لغة الكلام... !!

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

نهاية أمريكا؛ هل هي نهاية العالم...؟

منذ أن بدأت أركان بيت المال الأمريكي في التضعضع خلال الأيام القليلة الماضية والتقارير الاقتصادية تتصدر نشرات أخبار تلفزيونات العالم الأرضية والفضائية على مدار الساعة. وتلك سابقة لم نعهدها منذ الانهيار الكبير لبيت المال العالمي سنة 1929 .

وقد صار اللون الأحمر علامة مميزة لأسواق البورصة من خلال شاشاتها التي تلونت بلون الدم في هذه الأيام الخريفية القاتمة شاهدة على طاعون مالي أمريكي رهيب لا يبقي ولا يذر، وقد بدأت نذره الوبائية تنتشر انتشار النار في الهشيم في كثير من عواصم المال القطرية والعالمية شديدة الحساسية تجاه أنفلونزا الاقتصاد والمال...

وقد غدت عيون المستثمرين والمساهمين التجاريين وأصحاب الودائع والصكوك والسندات ورؤساء الأموال وأصحاب الشركات والمعامل والمضاربين لا تفارق شاشات العرض الموصولة بشريان الاقتصاد الأمريكي الموبوء، لتصيبهم بالذعر والهلع وتجعلهم يضربون أخماسا في أسداس وليهرع الجميع إلى المجازفة والبيع السريع لاسترجاع جزء صغير من رأس المال بركام هائل من الخسارة. قنطار علاج مقابل درهم وقاية، على عكس المثل المأثور..

ومن وراء كل ذلك محللون اقتصاديون حائرون مترددون، وأنفاس وزراء المالية والاقتصاد في بلدان العالم كما في بلداننا العربية المهيبة محبوسة وأيديهم على قلوبهم وخياشيمهم داخل غرف مغلقة مخافة العدوى في انتظار حدوث معجزة تعيد نبض قلب البورصة الأمريكية من جديد بعودة المؤشر الأخضر إلى شاشات العرض المالية الإلكترونية.
ولكنهم قد يخرجون بين الفينة والأخرى عن صمتهم للظهور على الملأ لشرح واقع الحال الاقتصادي في الداخل الذي يزعم كل واحد منهم ويقسم بملء شدقية أنه لم يتأثر بعدوى الرياح الاقتصادية الموبوءة القادمة من بلاد العم سام ببركة السماء وببركة الدعاء: ( اللهم حوالينا لا علينا)، مع أن الوقائع ومجريات المال الملموسة على مستوى حركة الاقتصاد وسيولة المال تكذب كل أفاك أثيم يجازف بمدخرات بسطاء الناس الذين لا يعلمون على أي حال سيكون غدهم في صبح أو مساء.

ولكن، ليطمأن رعاع الشعب المغربي المسحوق الذي لا له ولا عليه في هذه المسألة كلها قانعا بالكفاف والعفاف والغنى عن الهمبورع الأمريكي على سلامة بيته ومعدته الحديدية التي قدت من عدس... ركن معدتي حديد سقف بيتي قصب، على غرار الأنشودة المعلومة التي حفظناها والتي حُقنا بها أيام الصغر مع لقاح داء (السل) و(الكزاز) و(بوحمرون) وبقية الأمراض الفتاكة المبيدة للنسل...

انهيار اقتصاد أمريكا بهذه السرعة بدا لكثير من الناس الذين سمن كيسهم بالذهب وودائع المال المكدسة كأنه يوم قيامة حل قبل الأوان، حيث الكل يتساءل ويسأل ويستعرض صفحات ما اقترفت يمناه أو يسراه. فمن المُليم ومن الملام في عالم مختلط متشابك حيث الكل متهم والكل متورط، وحيث القارض والمقترض، وحيث الضارب والمضروب، وحيث أنا وأنت سواء فيما أصابنا من مُصاب ماما أمريكا سيدة العالم وعرابة وخالة الجميع.... !!

ومهما تعددت الأسباب فإن موت ماما أمريكا واحد... أو ليست ماما أمريكا كباقي السيدات الشقراوات عندما يكن في أوج طراوتهن وإقبالهن على متع الحياة وعلى رجال المال والأعمال؛ أوليس اسم كل حسناء شهيرة يكون في العادة مقترا باسم رجل شهير بماله وشركاته وقضه وقضيضه ثم ما يلبثن أن يختمن مشوارهن بعمليات جراحية تشوههن أكثر مما تجملهن!! ...

يالسخف الموقف ويالسخرية كثير من التعليلات التي تجعل كل فرد من العالم مسئولا عما حدث لماما أمريكا بسبب ما اقترفه في حقها أو لمجرد سوء نيته تجاهها وعدم إبداء رغبته في التعاون معها، وهي التي مدت خرطومها المؤيد بقوة السلاح والجند والنار بعيدا في كل مكان من العالم للشفط ثم الشفط حتى يكون للأمريكي وحده حق الإنفاق في الداخل كيف يشاء كأي طفل قاصر مدلل همه في أكله وفي لهوه وفي عبثه ومجونه..!!

هذا أوان نضج مزرعة الشر التي أينعت في عهد عراب حروب هذا القرن جورج بوش، وقد آن أوان قطافها، علها ترتدع لتكف أيديها وترفع وصايتها عن فلسطين وعن العراق وأفغانستان وبقية شعوب العالم المستضعفة.

الأحد، 5 أكتوبر 2008

على هامش اليوم العالمي للمدرس 2

يصادف الخامس من كل أكتوبر تشرين الأول اليوم العالمي للمدرس. وليس غريبا أن يتزامن موسم الدخول المدرسي في بلادنا المغرب وفي كثير من بلاد العالم مع انطلاق الموسم الفلاحي، فكل من المعلم والفلاح حارث وزارع؛ فهذا يخرج عند كل موسم محفظته وكراسه من دولابه وذاك يخرج محراثه وجراره من مرآبه.

لقد تغيرت الصورة النمطية القديمة التي كان يحملها المغاربة في أذهانهم عن المعلم القديم بوجاهته ووقاره ومكانته الاجتماعية وبهندامه ونوع سيارته.

وأذكر أن سيارة (السيمكا) كانت علامة مميزة لفئة المعلمين على الخصوص في فترة السبعينات بالإضافة إلى (الرونو 12) و(الرونو16).

ففي ذلك الزمن كانت وجاهة المعلم الاجتماعية وظروفه الاقتصادية تسمح له باقتناء مسكن لائق وسيارة جديدة من الطراز المذكور أعلاه، وقفة لا تخلو في يوم واحد من هبر اللحم والفواكه وبذلا مفصلة على المقاس عند الخياط وأقمصة منعمة بالمكواة وأحذية ملمعة بالورنيش عند كل صباح وربطات عنق مناسبة ومحفظة أنيقة من الجلد الطبيعي الرفيع.

وعندما نتطلع اليوم إلى أرشيف صور المعلمين الجماعية القديمة نحسب أنهم كانوا من الفئة الدبلوماسية التي مثلت حالة البلاد الثقافية في ذلك الوقت خير تمثيل.

لقد ذهبت أيام (السيمكا) أدراج الرياح، وتبخرت معها ذكريات ذلك النعيم المقترن برجل التعليم كطيف حلم مر سريعا وما تبقى من سيارات المعلمين العتيقة للموتى منهم أو المتقاعدين أو الذين بلغوا من العمر أرذله قد تحول إلى عربات معدلة لتوزيع الخبز ومختلف المواد والسلع بالتقسيط في أوساط صغار التجار والحرفيين.

ولم تعد مواسم الدخول المدرسي مواسم للاحتفاء بالمعلم بل مواسم حكومية تجارية لبيع جديد مقررارتها ومطبوعاتها الموسمية لإرهاق كاهل التلميذ عند كل موسم بالحمولة الزائدة من الكتب والدفاتر، ولإغراق معيل ذلك التلميذ أو كفيله بتكاليف التمدرس التي لم تعد تطيقها غير الأسر الميسورة.

صورة معلم اليوم ليست إلا نسخة شاحبة باهتة لصورة المعلم القديم الأنيق الوسيم كشاة منبوذة في الفيافي بعد أن أصابها الجرب وهزال الموت في أيام الجفاف والقيظ؛ فقد تدحرجت مكانة المعلم إلى الدرجة الأخيرة من سلم العيش، وقد صار شحوب مهنة التعليم علامة مميزة على محيا معظم المعلمين، وبذلك يعروفون عند الخضارين وعند أصغر نادل في المقهى، وحتى عند أصحاب أكشاك الجرائد وأصحاب محلات الرهان واليانصيب الذين يبيعون وهم الربح الوفير بالخسارة الصغيرة، لكن مثلى وثلاث ورباع وهلم مراهنة حتى يفرغ جيب المعلم الحالم المتطلع بشوق إلى انقلاب حاله...

وقد صار أقصى حلم المعلمين الشباب المتخرجين للتو والمعينين في مجموعات مدارس قريبة أو بعيدة أن يهجروا بلدهم الذي سامهم خطة خسف هجرة سرية لا يعلم بها رقيب الحكومة وجمركها في قوارب الموت كأي (حراق) مغامر شبه عامل أو عاطل.

وفي مقاهي الأنترنت وعبر وسائل التراسل الفوري والتشات تجد عددا كبيرا من المعلمين يرمون صنانير الغزل والغرام في بحار الإنترنت في معظم أوقات فراغهم علها تجذب انتباه فتاة أو حتى عجوز أوربية أو أمريكية تنقذهم من دوائر الضيق والضياع والفراغ، وتطير بهم إلى ذلك الفردوس الذي افتقدوه في بلدانهم وفي ظل حكومتهم مثلهم مثل أي عاطل يائس لا يفارقه حلم الهجرة البعيد لملامسة شمس الغرب التي يمكن أن تغير جلده وتملأ جيبه.
---------
إدراجات ذات صلة:
على هامش اليوم العالمي للمدرس (1)

السبت، 4 أكتوبر 2008

غواية افتراضية

العوالم الافتراضية دنيا أنثوية عجيبة جذابة مخملية، وقد وصلت سن البلوغ بسرعة مع أنها حديثة العهد والتكوين والنشأة.
وقد أصبح التطلع إلى سحر الشاشات الإلكترونية الفاتنة وملامسة لوحة مفاتيحها الرقمية بأزرارها الكثيرة المصفوفة عادة يومية مستحكمة لا يملك أكثر الناس منها مهربا أو فكاكا.
والمعروض الافتراضي المتاح على الدوام عبر نهر السليكون وجداوله كبير ومنوع يتطلب في كل يوم برمجة مبتكرة وأجهزة عرض مستحدثة تصنعها كبريات الشركات التقنية المتخصصة المتنافسة.

غير أن عمر الإنسان المحدود بالمكان والطاقة والصحة والمال لا يفي مع الأسف إلا بالاطلاع على نزر يسير فقط من ذلك المعروض الافتراضي الهائل، وفي الحدود الدنيا لما يملكه إنسان بسيط من خبرة فنية وبرامج وأجهزة تقنية قد تفي اليوم ولكنها قد لا تفي غدا بالغرض المطلوب منها لتصبح كحمار الشيخ الذي وقف في العقبة، أو سيارة متهالكة مفككة الأوصال أحيلت على سوق الخرذة.
ومن هنا كانت مأساة الإنسان الافتراضي اليوم فيما يفوته في كل يوم من حلقات افتراضية تتطلب تحيينا ذاتيا مستمرا للمعارف الافتراضية والخبرات التقنية للعرض والتنسيق والبرمجة. فأعقد ما في العوالم الافتراضية هو هذا التلازم الشديد بين المعروض الافتراضي ومستلزماته التقنية العديدة؛ ومن منا يقدر مثلا أن يلاحق كل صيحة جديدة مدوية في عوالم الهواتف النقالة والحواسب المحمولة؟ وحتى إذا افترضنا أن واحدا منا من بين ألف أو يزيد يملك ما يكفي من مال وخبرة تقنية فأي عبث هذا أكبر من أن يكدس الإنسان في بيته أجيالا متقادمة من الهواتف أو الحواسب المحمولة؟؟

وكثير من بسطاء الناس اليوم يتوقون إلى اقتناء شاشات تلفزيون مسطحة دقيقة وناعمة بدلا من التلفزيون التقليدي إياه (أبو الصندوق) الذي لا زال يتربع بثقله وكلكله وضوضائه على عرش كثير من البيوت، ولكن أنى لهم ذلك؟ ثم هل يمكن أن تتوقف شركات التصنيع التقني عن طرح جديدها الجذاب في يوم من الأيام...!!
ربما كان من عيوب الأجهزة التقنية أن بعضها يَجـُبُّ بعضا، وأنها صارت معرضا للتفاخر والتباهي ومظهرا من مظاهر التفاوت الطبقي والاجتماعي.

وإذن، فإن جزء مهما من أزمة حياتنا الافتراضية اليوم يكمن في هذه الغواية الافتراضية الآسرة المستعبدة لجيوبنا قبل أبصارنا وبصيرتنا. وإن شراهة الإقبال على حيازة الأجهزة التقنية المستحدثة متعددة الاستعمال بالقرض والتقسيط قد تحول إلى نوع من الإدمان عند كثير من الناس. وقد تعزز هذا الإدمان بالمخطط التسويقي الجهنمي الذي تمارسه كثير من شركات بيع التقنية للإيقاع بزبنائها بواسطة العروض المخادعة التي تخلب الألباب وتفرغ الجيوب. وقد يكفي هنا أن نشير إلى عائدات شركات الاتصال الهائلة من كلام الناس وثرثرتهم عبر أجهزة الاتصال المسموع والمرئي.
وأعجب ما في هذه الحياة أن يتحول مجرد الكلام بين الناس فبما ينفع ولا ينفع عند كبريات شركات الاتصال إلى فوائد وأرباح طائلة على كل دقيقة كلام أوثانية..!!

ولكن، هناك كثير من الناس قد اكتسبوا عادة زيارة متاجر الإلكترونيات مكتفين فقط بإشباع فضول عيونهم إلى معرفة جديد الأجهزة التقنية في وظائفها وألوانها وأحجامها المتضائلة في كل دورة من الدورات الإنتاجية، وإن كان بينهم وبين تلك الأجهزة أو امتلاك حق استعمالها خرط القتاد..

وربما كان ما تصافحه عيوننا اليوم وعلى مدار الساعة من مشاهد افتراضية على شاشات العرض الرقمية أكثر مما تراه من أشياء حقيقية في الطبيعة. وحتى إذا ما وقع نظر بعضنا على شجر أو حجر أو مطر أو سحاب فإن هذه المشاهد لن تصبح حقيقية في أذهان البعض إلا إذا صورت بكاميرا آلة رقمية أو هاتف محمول ليعاد تنسيقها وتشكيلها بشكل افتراضي قبل أن تبث من جديد على موقع خاص برفع الصور إلى السماوات الافتراضية المفتوحة...

السبت، 27 سبتمبر 2008

كوكل في ذكرى عقده الأول


مرت على موقع كوكل عشر سنوات كاملة على ظهوره الأول قبل أن يتحول إلى شركة عملاقة توظف عشرات الآلاف من المبرمجين والمهندسين وتقنيي المعلومات، لتقديم خدمات تقنية رقمية لا حصر لها مجانية أو مدفوعة الأجر في مجال التواصل ونظام إنتاج وتبادل المعلومات الرقمية، ولتكون على الدوام في مستوى روح العصر ومتطلباته التكنلوجية.
وتمتلك هذه الشركة إمكانيات هائلة للتطوير والتجديد والاكتشاف والتوسع عبر ترجمة خدماتها المعلوماتية إلى كل لغات العالم.

وترتبط كلمة كوكل أكثر ما ترتبط في أذهان جميع مستخدمي الإنترنت بمحرك بحث هذه الشركة المفضل عن غيره من محركات البحث الأخرى. وهو محرك بسيط في مظهره عظيم في مخبره سريع في إظهار نتائجه.
وتكاد حياتنا الافتراضية الجديدة في عصرنا هذا، وبكل ما فيها من غث وسمين، أن تختزل في كلمة (كوكل) ذائعة الصيت وفي شعارها المميز الذي يتغير تنسيقه بين الفينة والأخرى حسب فصول السنة وحسب المناسبات الدولية و بعض مستجدات اليومية في حياة كوكل ومشواره التقني.

لقد أصبح كوكل بمثابة ذلك الجسر المتين المعلق في الفضاء الافتراضي البعيد ليربط بين من يُـلقي مواده المعرفية من هنا وبين من يطلبها من هناك، وذلك عبر إدخال الكلمات والجمل المفتاحية في خانة البحث، ثم الظغط على زر البحث لانطلاق الصنارة ثم استقبال نتائج الصيد الإنترنيتي في أقل من طرفة عين مرتبة حسب أهميتها.

وقد بدأت تروج في واقعنا الافتراضي العربي استخدامات لغوية عديدة ذات صلة بكلمة (كوكل)، وتدل على نوع العلاقة القائمة بين المستخدمين العرب وهذا المحرك الخارق العجيب؛
فمن الاستخدامات اللغوية الجديدة السائدة في حياتنا الافتراضية التي يمكن أن تدل على كينونة الفرد الافتراضية وتقيس مدى شهرته على الساحة العنكبوتية قول أحدهم مثلا: (إذا لم تكن تعرفني فابحث عني لدى كوكل) أو (اسأل عني الشيخ كوكل) وغير ذلك من العبارات التي تحوم حول هذا المعنى. فقد أصبحت الهوية الافتراضية تطلب من الشيخ (كوكل) تماما كما تطلب الهوية الشخصية الحقيقية من شيخ الدوار أو مقدم الحومة. وكل المواقع الكبيرة والصغيرة المنتشرة في الفضاء كذرات الغبار لا تكاد تقاس شهرتها إلا بمدى معرفة محرك كوكل بها وبعناوينها الرئيسية والفرعية وبمحتوياتها الداخلية. فهي تترقب دورها بشكل دوري لمرور الشيخ كوكل بها لتصفحها وفهرستها بشكل دوري.

كما أن كلمة كوكل ذاتها بدأت تحل محل كلمة البحث أو الإبحار في الاستعمال اللغوي العربي الفصيح أو الدارج؛ من قبيل قولنا مثلا: (هيا نقوقل) أو (نكوكل) بمعنى هيا نبحث أو نبحر.
ويبدو لي أن كوكل وكأنه قد أصبح في ثقافتنا العربية الجديدة رمزا لذلك الراوية العربي القديم الذي يعرف أخبار القوم وفصلهم وأصلهم وعجرهم وبجرهم.
--------------------
روابط ذات صلة:
رابط كرونولوجيا تطور خدمات كوكل
كوكل في خدمة التدوين باللغة العربية

الخميس، 25 سبتمبر 2008

العوالم الافتراضية الظاهرة والخفية

الجزء الظاهر من عوالمنا الافتراضية كتلة حروف مرقونة مقروءة، وحزمة أصوات مسموعة مسجلة آليا أو مصنعة إلكترونيا، وركام هائل من الفلاشات المتلألئة والزخارف الملونة والأيقونات المختزلة لسلوك الإنسان ومشاعره، وشريط طويل لا بداية ولا نهاية له من الصور الطبيعية الجامدة أو المتحركة الملتقطة لتوها بعين الكاميرا السحرية، أو تلك المزخرفة أو المعدلة أو المُخلقة بوسائل النقش و(الغرافيزم) أو التهجين الإلكتروني إن صح لنا هذا التعبير.

أما الجزء الأعظم المتبقي المتخفي وراء كل موقع أو مدونة أو صفحة شخصية فهو عبارة عن لوغاريتمات وجداول وبرامج مختلفة غير مرئية لتسهيل عمليات الولوج والبحث والعرض والرفع والتحميل والفهرسة والتبويب...، وقواعد بيانات هائلة ومعقدة لتنظيم حركة السير والجولان على الطرقات الإلكترونية السيارة، حتى لا تصطدم المواقع الإلكترونية بعضها ببعض أو تتداخل أو تتدافع؛ فكل موقع إلكتروني يحلق في مداره الخاص كأي كوكب بعيد في مجموعة شمسية أو مجرة فلكية.

ولكثير من تلك البرامج قرون استشعار عجيبة للمقارنة والفرز وتحديد الأهداف وعرض نتائج البحث في سرعة هائلة لضبط المواقع المشبوهة التي أخلت بقانون السير الافتراضي من بين ملايين المواقع وملايير الصور وبلايين الكلمات والحروف قصد تعقب أصحابها الحقيقيين في الوجود الأرضي الحقيقي لاستدعائهم واستنطاقهم ومقاضاتهم على حروفهم أو صورهم أو منمنماتهم وزخارفهم، فضلا عن تثبيت حركة جميع المتصفحين والزوار العابرين من كل فج عميق إلى العوالم الافتراضية في الزمان والمكان المعلومين في بلدانهم وتسجيل بصماتهم الإلكترونية في الدوائر الأمنية السرية الخاصة والحكومية لاستدعائهم أيضا عند اقتضاء الضرورة، ولو لمجرد الالتباس أو الشبهة. فربما وزرت وازرة إلكترونية وزر أخرى.

ويقف وراء هذه الصناعة الإلكترونية الدقيقة بوجهيها الظاهر والخفي رجال هندسة أفذاذ وشركات عملاقة ورؤوس أموال ضخمة. ومن ورائهم الجواسيس والعملاء والقراصنة وقطاع الطرق المتربصون المنتهزون لكل غفلة أو هفوة إلكترونية عند المنعطفات الإلكترونية الحرجة للسطو على الأسرار والخصوصيات بل وحتى الغنائم.

ومهما بلغت العوالم الافتراضية من ضبط ودقة فإنها لا تخلو من العشوائية كعشوائية الموت أو الحرب التي تحدث عنه زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة.
ومهما كانت قدرة تلك القواعد البيانية والبرامج الإلكترونية على التحكم في مستقبل ثقافة الإنسان حرفا وصوتا وصورة فإنها لن تستطيع أن تخلق مشاعر أخرى جديدة غير تلك التي عبر عنها أجدادنا الأولون ونقشوها على جدران وسقوف الكهوف التي حمتهم من بطش الطبيعة وبأس السباع الكاسرة والطيور الجارحة.

ومهما اختلفت الوسائل فإن الغايات تبقى في ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله هي هي إلا أن يبتدع الإنسان عادة جديدة غير عادة الأكل والشرب والنوم والتغوط، وأنى له ذلك !!.

الجمعة، 19 سبتمبر 2008

بين التدوين والسياسية قيدُ شَعْرة

منصة التدوين كمنصة المطابخ ذات الرفوف والأواني والقدور الكثيرة، وإعداد الإدراجات اليومية كإعداد الوجبات الغذائية الطازجة.

ومبدأ الطراوة هو المبدأ المعمول في التداول الافتراضي تماما كما هو الحال في عالم التداول الغذائي، أو عالم نشرات الأخبار السياسية الحية الساخنة على الدوام غبر قناتي: الجزيرة والعربية.
ومن هنا فإن الخيط الرابط بين التدوين والسياسة رَفيعٌ جدا كالشعرة الواقعة سهوا من رأس الطباخ عند تحريك القدر أو دلك العجين. ومن منا لا يعرف قبعة الطباخ البيضاء التي لا تشبهها أية قبعة أخرى.!!

وفي المطاعم التي تحترم شعور زبنائها المُجتبينَ من عِلية القوم سريعي التقزز والغثيان يصبح حمل تلك القبعة المطبخية العجيبة في شكلها ونقشها ضربة لازب على رأس كل طباخ أو نادل أو مستخدم حفاظا على استقرار معدة الزبناء المحترمين.

وكثير من المدونين يطلقون العنان للوحة مفاتيحهم الإلكترونية من غير قيد أو شرط، ولا يعبأون بما وراءها من خيوط استشعار حكومية ومجسات إلكترونية خفية، ولا يهتمون لأمر القبعات المطبخية ولا العوازل التدوينية الواقية. فيتساقط على صفحات مدوناتهم كثير من الشعر وكثير من قِشرة جلدة الرأس المحموم وبثوره الطافحة المقززة والمستفزة.

لقد أصبحت الإثارة السياسية والدينية والإباحية أقرب طريق لإثارة الانتباه وتمهيد الطريق نحو الشهرة في بيئة التدوين الافتراضي العربي في هذه الأيام؛ والدليل على ذلك أن المدونات التي وجدت لها طريقا إلى نشرات الأخبار أو أقفاص الاتهام والمحاكم العربية هي تلك التي شهَّرت أو حرَّضت أو أخلَّت بالاحترام الواجب في حق رموز السلطة العربية المهيبة.

إن التدوين العربي بعيدا عن شبهة التسطيح والفتنة والإثارة والغوغائية الفجة يبقى من أعقد وسائل التعبير المستحدثة للتعبير عن أزمة غياب التوافق بين ذات المدون ومحيطه العربي، وللتنفيس عن كل ما يختلج في دواخل كل مدون من دواعي القهر المتراكم والمتوارث على مدى أجيال وقرون عدة. ولو تم ذلك التعبير فقط من ريق بعض الكلمات الرصينة الملمحة العابرة من هذا الوقع أو ذاك.

ولا ننسى أن اغترار كثير من المدونين الشباب بشعارات حرية الرأي ومبادئ احترام حقوق الإنسان البراقة المعلبة والمعولمة التي تروج لها الحكومات العربية لتحسين صورتها من الخارج عامل آخر يعزز لديهم بعض الثقة الزائدة التي قد تبلغ بهم حد التهور أحيانا والتمادي في التعبير إلى أقصى منتهاه.

كما أن احتضان بعض المواقع الإلكترونية الكبيرة وبعض الجرائد الإلكترونية لكتابات بعض المدونين الشباب عامل آخر قد ينمي في المدون المنتسب الرغبة في التجريب والمجازفة والمغامرة للظهور والتجلي، ربما اعتقادا منه بأن تلك الجريدة سند قوي لظهره، متناسيا عبارة التنصل وإبراء الذمة الموجودة أسفل الصفحة الأولى لكل جريدة إلكترونية تلتقط الأخبار وتجلب المقالات وأصحابها من كل حدب وصوب.

ومن تابع تفاصيل قصة المدون المغربي الشاب محمد الراجي من الاعتقال إلى المحاكمة إلى السراح أدرك أن حبل السياسة في البلدان العربية قصير جدا وقريب منا جدا كحبل الوريد، وإن لم نشعر بذلك، غير أنه قد يلتف على رقبة أحدنا في يوم مضيئ أو ليل حالك.

وما أثار انتباهي في قصة اعتقال المدون محمد الراجي هو صوره الأولى بُعيد اعتقاله وصوره الثانية عند تمتيعه بالسراح المؤقت ثم صوره الأخيرة بعد تبرئته يوم أمس الخميس 18 شتنبر من عام 2008 الجاري.
وقد كانت ملامح تلك الصور في تلك المراحل المختلفة التي تتراوح بين ضيق وأمل وانفراج مختزلة للمشهد كله وخير معبر عن التفاصيل الحقيقية لقصة هذا الاعتقال الفريد من نوعه في بيئة التدوين المغربية الحديثة.

صحيح أن التفاصيل الحقيقية لهذا الإعتقال ولأوجاعه المكنونة لا يعرفها غير أخينا محمد الراجي، ومع ذلك فقد رشح كثير منها على سيمياء محياه.

وقد تمنى الراجي أن لا يتكرر حدث الاعتقال هذا معه أو مع غيره، كما جاء على لسانه، بعد أن استوعب درس هذا الاعتقال. وربما يكون هذا الاعتقال قد جعله مشهورا ومعروفا أكثر من أي وقت مضى، ولكنه في نفس الوقت قد جعله مكشوفا أكثر من أي وقت مضى، وعليه من الآن أن يحسب لكل خطوة جديدة له في مشوار الكتابة والتدوين ألف حساب، ويغربل كل كلامه بغربال جديد أعمى لا عيون له حتى يمنع وصول شعَره المتساقط إلى عجين مدونته وموادها الكلامية حتى لا تتيهج معدة السلطة أو تتنفض في وجهه من جديد أو في وجوه غيره من طباخي المقالات السياسة عبير المواقع والمدونات. فإياك أعني واسمعي ياجارة.

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

ملحمة افتراضية

لك أن تحلق ما شئت عبر السماوات الافتراضية كأي قمر اصطناعي معلق في مداره البعيد بين السماء والأرض ليبث أو ليلتقط أو يتجسس..

ثم لك أن تقع على أي موقع إلكتروني تختاره لترتشف وتتزود وتلصق ما شئت من حروف وكلمات وأصوات وظلال وألوان وصور ثابتة أو متحركة في ذاكرتك الافتراضية، لكن إياك وإياك أن تصطدم بالألغام المدسوسة عند الطرق والمنعطفات الرقمية السيارة، فربما تسبب لغم فيروسي في إتلاف تلك الذاكرة التي طالما عملت على إنمائها شيئا فشيئا بالنسخ والرفع والتحميل.

لقد أضحى أكثرنا اليوم يعول على ذاكرته الرقمية المختزلة في شرائح متناهية الصغر والدقة بدل ذاكرته الطبيعية المودعة في جمجمته بين شحم ولحم، وعظم ودم.
وقديما كان أجدادنا يقللون من شأن الأشخاص الذين يعولون فقط على مطالعة المخطوطات والكتب اقتناعا منهم بأن العلم الحقيقي هو ما وعته العقول وحفظته الصدور ورددته الحناجر عن ظهر غيب، وربما عيروهم بكلمة (صُحفي) أوبما يدخل تحت معناها من كلمات أخر.

أما اليوم فإن مجال التباهي بين كثير من الناس يكاد ينحصر فيما يستطيع أن يحوزه كل واحد منهم من أحدث أجهزة العرض والقراءة الرقمية ذات السرعة العالية ومعدات التخزين الافتراضي ذات السعة اللامتناهية، مع أن كثيرا من الناس الآخرين أيضا لا زالوا يتوجسون شكا وخيفة من العوالم الافتراضية ويأخذون بمعطياتها على مضض، ومن باب الاستئناس فقط. فهل نقول عن هؤلاء إنهم افتراضيون في مقابل من هم صحفيون أو ورقيون، وهل بين ما تحفظه الصدور أو صفحات الكتب الملساء وشاشات الحاسوب المضيئة من فرق؟ المعرفة تبقى معرفة، والشعر يبقى شعرا في الصدر أوفي السطر أو فيما بينهما من وسائط رقمية لا تعد ولا تحصى.

كم مرة في العام تحتاج إلى صيانة أجهزة حاسوبك الشخصي وتجديد أو تحيين برامجه. وربما دفعتك الضرورة القصوى إلى (فرمتته) لتنمكن من تنظيفه وتطهيره من كل الأوضار الرقمية، وتفك عنه أغلال العوالق والطحالب الفيروسية التي كبلت مجدافه وعطلته عن الإبحار، فلربما تجدد له نشاطه وانتعشت ذاكرته المخترقة من جديد...

في كل مرة تذهب فيها إلى أي ورشة لإصلاح الحواسيب لا تجد غير مزيد من الصناديق الرقمية محتلفة الأشكال والأحجام يتراكم بعضها على بعض، وربما لبثت أياما وشهورا في الطابور الرقمي تنظر دورها في الكشف والإصلاح.
آفة حياتنا الرقمية أنها تقف على طرفي نقيض؛ فلا تكتمل دورتها إلا بالبرامج والبرامج المضادة تماما كحياة الناس العادية التي لا تستقيم إلا بوجود الخبيث والطيب والعدو والصديق والعالم والجاهل والمؤمن والكافر وهلم اختلافا وضدا..

كل برنامج إلكتروني يطلب برنامجا آخر أو يدفعه أو يقاومه أو يتجسس عليه. إنها حرب افتراضية لا تتوقف رحاها عن الدوران وضحاياها المتساقطون على أرضها مزيد من الأجهزة الإلكترونية المعطلة والنفايات الرقمية المتراكمة المضرة بالصحة والبيئة، وأبطال هذه الملحمة الرقمية العجيبة من مبرمجين ومهندسين وتقنيين وقراصنة ومستعملين عاديين متوارون خلف أجهزتهم. وهم فقط يكتفون بتحريك أناملهم لضغط الأزرار، ولا يحتاجون إلى سيف أو مسدس أو رشاش للإطاحة برؤوس ضحاياهم ، أو لسلبهم ونهبهم، أو تعريض مصالحهم لأنواع شتى من الأذى والضرر.

يتطور عقل الإنسان وتبقى أفعاله نفس الأفعال، فلا فرق بين التلويح بالسيف أو التهديد بقنبلة، أو فيروس رقمي ما دامت النتائج والآثار السلبية واحدة...

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

الأطلال والمقابر الافتراضية

مفاتيح الولوج إلى المواقع والمدونات الافتراضية كمفاتح الولوج إلى البيوت الحقيقية. غير أن هذه شفرتها من حروف وأرقام ورموز وتلك مسننات مطبوعة على شفرة المفتاح، وقد قدت من حديد أو برونز. وعهدة تلك المفاتيح تبقى بيدي مالكهما الأصليين ماداما حيين يتمتعان بعافية الذاكرة والجيب وسلامتهما من كل خلل أو ثقب.

والحياة داخل المواقع المبنية ذات الواجهة الخارجية والحجرات الداخلية كالحياة داخل المواقع الافتراضية ذات الصفحة الرئيسية الثابتة والصفحات الداخلية المطوية. وكلا الموقعين في حاجة إلى تحديث مستمر للشكل والمضمون.

وإذا كان مآل البيوت التي أساسها إسمنت وطوب إلى ذوي الحق في الميراث من الأبناء والأحفاد وكل ذوي القربى والشفعة، وهذا بعد أن تطوى صفحة أصحابها الذين أقاموا قواعدها وتخمد حرارة وجودهم في الحياة، فماذا سيكون مصير هذه الآلاف المؤلفة من المواقع والمدونات والمنتديات والصفحات الشخصية بعد أن تخمد أنفاس أصحابها أيضا في الوجود الأرضي وتنتقل إلى عالم الخلود السماوي .

لست فقيها محنكا حتى أطالب بشريعة افتراضية تنظم مسار حياتنا الرقمية، ولكني أكتفي هنا بإثارة أسئلة بديهية أولية ريثما تنضج أفكاري أكثر حول ميتافيزيقا العالم الافتراضي.
ومعلوم أن البيوت إذا هُجرت أصبحت عشا للأرضة والفئران ومأوى للبوم والخفافيش والغربان، ثم لا تلبث قليلا حتى تتداعى سقوفها وحيطانها، وتصبح أثرا بعد عين. وما أخشاه هو أن تزحف الأرضة الإلكترونية على المواقع والمدونات الإلكترونية التي هجرها أصحابها أيضا بسبب المرض وبسبب العوارض الدنيوية الكثيرة أو بسبب الأجل المحتوم.
وأنا هنا لا أتحدث عن المواقع الافتراضية للحكومات والشركات والمؤسسات والمواقع الجماعية فهذه مسنودة ماديا ومعنويا وبعدد لا ينفد من الأنفس التي تعمل كخلية ويمتد عمر بعضها في بعض. وإنما أتحدث عن المواقع والمدونات التي أنشأها أصحابها بمجهود فردي وتعبوا في تأثيثها وتجميلها ما وسعهم الجهد والوقت بالأفكار والمعاني، والتجليات والخواطر.

الآن وقبل أن تستشري عدوى الموت في بيئة المدونين المتميزين بجدهم وجهدهم لابد في الخطوة الأولى من التفكير الجدي في أمرين مهمين:
الأمر الأول هو إنشاء مرصد خاص بالمدونين الأموات على غرار مرصد المدونين الأحياء.
والأمر الثاني هو إنشاء مقبرة افتراضية تحفظ على الأقل أسماء المدونات العربية المشهورة والمغمورة وتنوه بشعاراتها وعناوينها، وتحفظ خلاصة مضامينها المتميزة.

ولتكن هذه المقبرة الافتراضية الجماعية مرتبة ترتيبا أبجديا ديمقراطيا لا يميز زيدا على عمرو، وذلك على غرار كتب التراجم والوفيات التي تزخر بها المكتبة التراثية العربية.

وهذا بعض جهد المقل لإنصاف كثير من المدونين والكتاب الافتراضيين الذين اختاروا أن يكتبوا ويحترقوا في صمت بعيدا عن كل صخب أو غوغائية.

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

درس الصين العظيمة

كان عنوان هذا الإدراج أول الأمر :(درس الصين العظيم) على غرار: (سور الصين العظيم) غير أن المدقق اللغوي الإلكتروني أرسل لي رسالة جانبية يقول فيها لابد أن يتفق النعت والمنعوت في العدد والنوع مقترحا استبدال كلمة (العظيم) بالكلمة (العظيمة) لتصحيح الخطأ، فأذعنت لاقتراحه على الفور.

فلا شك أن أمة الصين أمة عظيمة ليس فقط بعدد سكانها الهائل الذي يناهز المليار ونصف بل بفاعلية هذا العدد الضخم وقدرته على الإنتاج والعمل وصناعة حياة صينية عصرية متجددة ومحافظة على كل تقاليدها الروحية الموروثة، ليس فقط داخل حدود سور الصين العظيم بل خارجه أيضا.

فكل ما يمكن أن يخطر على بالك من منتج صناعي صار مستنسخا بالآلاف في المعامل والأوراش الصينية من الإبرة حتى الصاروخ كما يقال، وحتى البلغة المغربية التي طالما افتخر بها الصانع التقليدي المغربي استنسخها الصينيون بالآلف المؤلفة وأغرقوا بها الأسواق المغربية كما أغرقوها من قبل على عهدنا نحن عندما كنا صغارا بالسروال الأزرق الصيني وبالحذاء البلاستيكي الأبيض الشفاف (الصندالة) الذي كان يصلح لكل أيام الشتاء والصيف، هذا عندما كان الشتاء شتاء والصيف صيفا..

فكرت في الأمر جديا بعد أن تابعت دورة بيجين الأولمبية التي شهد بحسن تنظيمها القاصي والداني، والتي كانت دورة صينية بامتياز شكلا وروحا وحصادا، وبعد أن تناهى إلى سمعي عزم الصين على إرسال سفينة فضائية مأهولة إلى الفضاء الخارجي في الأيام القليلة المقبلة، وقلت في نفسي: لو كانت أمتنا العربية بهذا الحجم السكاني الهائل، وعلى ما نحن عليه من التخلف والشقاق والخنوع والركون إلى السلامة وحب الاستهلاك والاقتتال مع قلة العمل لكان واقعنا أسوا مما هو عليه الآن بأضعاف مضاعفة..

أمة الصين العظيمة هذه تكدح وتعمل ويكاد لا يسمع لها حس أو ركز، وأمتنا نحن تكتفي بإرخاء ذيولها اختيالا وغرورا وقد صارت كالرحى تملأ الفضاء ضجيجا ولا ترى لها طحينا...

وشهر رمضان الذي هو في الأصل شهر المجاهدة والجهاد والعمل والتزود قبل أن يكون شهرا للصوم قد تحول إلى شهر متعة وطرفة واسترخاء وفرجة حيث يكاد شهر رمضان أن يختزل داخل كل بيت عربي في مستطيل الشاشة.

السبت، 30 أغسطس 2008

لغز الأزرار

من معاني الزر في اللغة العربية: شَدُّ القميص وهو معروف. كما تطلق كلمة الِزر على العقل إذا كان راجحا؛ فقد روي أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه قال في حق علي عليه السلام يصف رجاحة عقله: إنه ِزرُّ الأرض؛ فسره ثعلب فقال: تثبتُ به الأرض كما يثبتُ القميص بزره إذا شُد به.

وإذن، يُستفاد من معاني الزر في اللغة العربية أمران مهمان: أحدهما مادي يخص تلك الحبة أو الخرزة أو الجُويزة التي تُجعل في عُرى القميص لتُشدَّ أجزاؤه إلى بعضها البعض خاصة عند منطقة العنق والصدر والخصر وعند أطراف الأكمام. أما الأمر الثاني فهو معنوي ويخص رجاحة العقل وثباته وقدرته على الفرز والتحكم.

إن الأزرار، وكيفما كان شكلها أو حجمها أو لونها إنما ابتكرها الإنسان أول الأمر لتكون أداة للتحكم في ثبات الثياب على الأجسام دون أن نغفل لمساتها الجمالية المضافة لاحقا لتتناسب مع ثقافة وأذواق كل زمان ومكان.

أما اليوم فقد تعقدت صناعة الأزرار وتعددت مجالات استعمالاتها ووظائفها الحيوية الضرورية للتحكم ليس فقط في حركة الثياب على الأجسام وإنما للتحكم في حركة الكون كله؛ في زمانه ومكانه، وفي كل مسافة من مسافاته، وفي كل ذبذبة من ذبذباته، وكل نسمة من نسماته. فكل ما في هذا الوجود من موجود أضحى رهينة حركة زر من الأزرار.

وقد جعل الله سره في أضعف خلقه وهو الإنسان.غير أن إنسان هذا اليوم قد جعل سر وجوده وتقدمه في أصغر زر من أزراره.

وقد يعجز أي واحد منا اليوم عن إحصاء لمسات الأزرار التي يستخدمها في يوم واحد من أيامه العادية بدء من أزرار الهاتف النقال مرورا بأزرار أجهزة التحكم عن بعد للمستقبلات والمشغلات الرقمية المسموعة والمرئية مرورا بالشبابيك والدكاكين الإلكترونية الآلية لسحب بضعة أوراق نقدية، أو فنجان قهوة ساخنة أو مشروب بارد أو حتى قطعة علك أو جريدة ورقية .. ثم انتهاء بأزرار التحكم لإغلاق الأبواب وإطفاء الأضواء عند الخلود إلى النوم، لنصبح على زر ونمسي على زر. إنها فعلا حياة مليئة بالأسرار والأزرار.

وربما لم يُلق أحدنا بالا إلى سلوك التعامل اليومي مع لمسات الأزرار هذه لما ينطوي عليه هذا السلوك الِزرِّي، إن صح التعبير، من مرونة وسهولة لا تختلفان في قليل أو كثير عن حركة التنفس الطبيعية التلقائية.

وأنا أيضا لا أعلم بالضبط كما عدد اللمسات الزرية المُوجبة المُثبتة التي استغرقها هذا الإدراج لكتابة كل حرف من حروفه حتى يكتمل على صورته النهائية، أما اللمسات الزرية السالبة الملغاة فهي أكثر من أن تعد أو تحصى. وقد سقطت كلها عبثا في الفراغ الإنترنيتي...

ترى كم عدد اللمسات الإلكترونية التي تستخدمها الكائنات الافتراضية على مدار اليوم للأبحار في يم النت العظيم أو لمجرد تصفح البريد الإلكتروني اليومي...؟. لا شك أنها بعدد الثواني التي تمضي من عمرنا، أو ربما كانت أكثر... !!

نقول هذا الكلام رغم ما قد تنطوي عليه الأزرار من خطورة ولعنة عندما يتعلق الأمر بإشعال أزرار الحروب السياسية والاقتصادية وحتى الإلكترونية؛ إما انطلاقا من أزرار البوارج والمدافع ومنصات إطلاق الصواريخ العابرة للقارات، وإما انطلاقا من أزرار التحكم في صبيب أنابيب البترول والغاز أو حتى صوامع القمح والقطاني والحبوب، وإما ببث البرامج الرقمية الفيروسية المموهة للاختراق والسطو على المعلومات والبيانات السرية للأشخاص والشركات وحتى الحكومات.

أما أزرار القنابل النووية الموقوتة لأجل موعود، والمعامل الكيماوية وأفران الطاقة الذرية العالية، فتلك وإن كانت أزرارها في عهدة المواثيق الدولية فإنها ليست بمنجاة من السهو أو من أي حركة عشوائية.

لقد كان يقال إن كرتنا الأرضية على كف عفريت أو قرن ثور أما اليوم فقد صارت بعد مشيئة الله عز وجل في عهدة زرين من الأزرار؛ أحدهما أحمر للسلامة والأمان والأخر أحمر لسوء المقلب والحدثان.

الخميس، 7 أغسطس 2008

الباكالوريا كمفترق للطرق والاختيارات الصعبة

البكالوريا نقلة نوعية في حياة المتعلمين. وقد لا نبالغ إذا قلنا: إنها مرحلة بلوغهم الذهني والنفسي الحقيقي بسبب ما يتكون لديهم في هذه المرحلة من رؤى وأهداف وقناعات خاصة شبه مستقلة، وإن جاء هذا البلوغ متزامنا أو متأخرا قليلا أو كثيرا عن وقت بلوغهم الفزيلوجي. ففي هذا المرحلة من عمر المتعلمين تكون ملامح الأنوثة والرجولة قد ارتسمت على أجسادهم كاملة إناثا وذكورا.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار منطق التدرج التعليمي المعتمد ببلادنا؛ من الطور التمهيدي في الكتاتيب التقليدية أو دور الحضانة العصرية، إلى الطور الابتدائي فالإعدادي التأهيلي ثم انتهاء بالمرحلة الثانوية، فإن متوسط عمر حاملي شهادة البكالوريا في المغرب، من الجنسين معا، يكون بين سن الثامنة عشر أو السابعة عشر في الأحوال الاستثنائية، وبين التاسعة عشر في الأحوال العادية، وقد يتأخر إلى ما بعد السن العشرين عند تراكم سنوات الهدر المدرسي...

والدليل على أهمية الباكالوريا أن حاملهيا تتغير صفتهم من ( تلميذ) إلى ( طالب ) عند انتسابهم إلى الكليات أو المعاهد والمدارس العليا المتخصصة، فيتحقق لهم مزيد من النضج والاستقلال التدريجي بفكرهم ورأيهم لرسم ملامح مستقبلهم، وتحديد مسار حياتهم، بعيدا بعض الشيء عن سلطة الأوصياء من الآباء والأقارب، وعن الأحياء والقرى الأولى التي ترعرعوا وشبوا فيها إذا ما كتب لهم الانتقال إلى المدن الجامعية القريبة أو البعيدة عن محل سكناهم.

ولطالما أعرب طلبة الجامعة المنتسبين إليها حديثا عن المعاناة المادية والنفسية التي يعانونها أول الأمر بعيدا عن دفء الأسرة، حيث يجدون أنفسهم وجها لوجه مع مشاكل الإيواء في الحي الجامعي، أو الكراء خارجه، ومشاكل النقل وعادات الأكل الجديدة التي تختلف اختلافا بينا عما ألفوه تحت كنف الوالدين، بالإضافة إلى مشاكل التواصل مع أساتذة الجامعة ومع الإدارة ومع بقية زملائهم الطلبة في غرفة الحي الجامعي أو في السكن المشترك داخل الأحياء المجاورة للكليات، أو حتى داخل صفوف المحاضرات والدروس التوجيهية والتطبيقية داخل المختبرات....

ومع الأسف فلا أحد يلتفت إلى شكوى الطلبة الجامعيين الجدد ولا أحد من المتخصصين الاجتماعيين والنفسيين اهتم بهذا الموضوع الذي كثيرا ما يؤثر سلبا على مسيرة الطلاب الدراسية إذا ما تعذر عليهم التلاؤم مع ظروف التعليم العالي المستجدة عليهم في غياب أدنى رعاية أو مواكبة وتوجيه، هذا بالإضافة إلى ما قد يكتنف الحياة الجامعية من إضرابات واضطرابات وتوقفات قد تنذر في بعض الأحيان بسنة جامعية بيضاء يمكن أن يضيع معها جهد عام كامل من عمر الطالب ومن ميزانية الوزارة الوصية، كما حدث في كليتي الآداب والحقوق بمراكش خلال الدورة الربيعية الماضية من عام 2008 لولا تكتل جهد الأساتذة لإنقاذ سنة جامعية كاملة وتداركها في أنفاسها الأخيرة بكل وسائل الإسعاف الممكنة والمستحيلة .

هذا فضلا عما يتطلبه الإصلاح الجامعي الجديد من سرعة في الاستجابة، ومن كثرة في المواد وقصر في زمن الفصول الدراسية لا يسعف في العادة بإنجاز كل ما هو مطلوب؛ فإذا كانت استجابة الطالب بطيئة أو متراخية فوت على نفسه الفرص وأصيب بالفشل السريع والإخفاق الذريع. وهذا ما يجعل أكثر من ثلث الطلبة المسجلين حديثا في الجامعة ينسحبون من ميدانها بسرعة بعد جس سرعة نبضهم التي لا تتوافق في الأعم الأغلب مع سرعة نبضها.

ومع الأسف فإننا نتحدث كثيرا عن الهدر المدرسي في المرحلة الابتدائية ونغض الطرف عن الهدر الجامعي الذي قد تكون نتائجه أخطر بسبب ما يكون من ردود فعل عكسية من قبل الطلبة التي قد تميل بهم فورة الإخفاق وما يصاحبها من سخط وغضب إلى التمرد أو الانحراف أو التطرف....

وبقدر ما يزداد إحساس المتعلمين بذواتهم خلال هذه الفترة بقدر ما تزداد معاناتهم مع ذويهم عندما تتعارض مطامحهم مع رغبات الآباء والأمهات الذين يعلق معظمهم الآمال على كليات الطب والهندسة مسترخصين في سبيل ذلك كل غال ونفيس، وسالكين كل السبل الممكنة من أجل انتساب فلذات أكبادهم إلى أحد هذين التخصصين المفضلين لدى جل الأسر المغربية. أما الانتساب إلى الجامعة فيبقى في معظم الأحوال حلا اضطراريا يُجبر عليه الطالب كآخر الحلول الممكنة اقتناعا بالمثل العربي المعروف آخر الدواء الكي، فعما قريب سيكتوي هو الآخر بنار البطالة لينضم إلى صفوف المتخرجين المعتصمين بالرباط أمام قبة البرلمان.

ومعلوم أن طبيعة الباكالوريا في بلادنا ذات وجهين متكاملين لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر كعملة الدرهم الوطنية؛ فهذه الباكلوريا لا تخرج في الأعم الأغلب عن كونها إما علمية أو أدبية رغم وجود بعض التخصصات الوسطى التي تقبل أن تكون بين بين.

ومع أن هذه حقيقة بديهية لدى الجميع غير أن ما يلاحظ هو الحرص المبالغ فيه لدى مجمل الأسر المغربية على أن يكون توجيه فلذات أكبادهم نحو التخصصات العلمية الدقيقة منذ وقت مبكر من حياتهم الدراسية، ثم ينمون فيهم هذا الحس بالدروس الخصوصية ووسائل الدعم المختلفة في المواد العلمية الأساسية كالرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة بالإضافة إلى اللغتين الأجنبيتين: الإنجليزية والفرنسية. أما الميول الأدبية والفنية من رسم وتشكيل وتمثيل مسرحي فلا أحد يهتم بها أو يعنى بتنميتها لدى المتعلم، بل إنها قد تعتبر مضيعة لوقته الضائع من حساب المواد العلمية الأساسية ومؤشرا على تخاذله أو حتى على بلادته..!!، وكأن معيار النباهة لا يكون إلا بالتفوق في المواد العلمية الحقة أما عوالم الشعر والأدب فمجرد أضغاث أحلام، أوكأنها كلام ليل يمحوه ضوء النهار...

ومن الأدلة الواضحة على هذا الاختلال في هذه الرؤية الاجتماعية المغربية إلى ما هو أدبي وعلمي أن كثيرا من الطلبة الذين فشلوا في مشوارهم الدراسي في كليات العلوم عادوا إلى كليات الآداب وسجلوا بها أنفسهم ووجدوا فيها ضالتهم وبغيتهم بكل يسر وسهولة لتوافق أمزجتهم مع عوالم الشعر والأدب والنقد والدراسات الأسلامية ... ففيم يفيد هذا العبث ولم هذه المكابرة وهذا العناد الذي يكون في غير موضعه، ولم لا نحترم خصوصية المتعلم ورغباته الذاتية البادية عند أول رشح... ؟؟ !!

الخميس، 31 يوليو 2008

السبت، 12 يوليو 2008

من وحي البريد المزعج


التراسل بين الناس قديم قدم الحواس الخمسة المركبة فيهم خِلقة وجبلة. فكل واحدة من تلك الحواس نظام كامل معقد لبث إشارة ما واستقبال أخرى.

وكما لكل حاسة القدرة على فرز الإشارة وتفكيكها وتحليل معطياتها فلها القدرة ذاتها على ترميزها وإخفائها بحيث لا يستطيع فك مجاهلها إلا من أُعطي مفاتح الفهم السرية الأولى لها...

ولم تكن اللغة الشعرية عبر كل العصور الماضية إلا اختزالا منظما لفوضى عوالم المسموعات والمرئيات والمشمومات والملموسات وكل أصناف المذاق الحلو والمر وما بينهما من وسائط لا تعد ولا تحصى.

وستظل هذه اللغة الشعرية على الدوام أهم مرفأ تفرغ فيه البشرية حصاد مدركات حواسها الإنسانية الأولى المتدفقة كجدول رقراق مهما بلغ شأنها من تقدم علمي وتطور آلي تقني...

ومعول الناس الأول عندما يكونون في القرب على حواسهم عندما ينصت بعضهم إلى بعض أو يهمس بعضهم إلى بعض أو يرنو بعضهم إلى بعض أو يتنسم بعضهم عطر بعض ... ولكنهم إذا ما تباعدوا وحل بينهم البين وأطبقت عليهم غيوم الصمت لم يجدوا عن أنظمة البريد والتراسل المستحدثة بديلا.

ومع أن للرسائل المكتوبة بخط اليد قيمة حسية وإنسانية أكبر لأنها تحمل أجزاء من أثر صاحبها: مداد قلمه، وشكل خطه بكل تعرجاته ومنحنياته، وبصمة يده، وربما شذى عطره، وربما بعض خصلات شعره المتساقط داخل المظروف، وطابع البريد لدولة المصدر، وغير ذلك مما يجمل الاحتفاظ به لتأكيد العهد وتوثيق الذكرى...

غير أن انتقال الناس في هذا العصر إلى نظام البريد الإلكتروني الآني يكاد يعصف بمخلفات أنظمة التراسل القديمة، وتكاد صلة الناس بالأقلام وبالطوابع والطرود والأختام البريدية تنقطع ...وتحولت كثير من مصالح البريد الحكومية التي كانت تسهر على تأمين وصول مراسلات المواطنين إلى وجهتها المعلومة إلى ما يشبه الدكاكين لبيع أجهزة الهاتف الثابت والنقال واستخلاص فواتير الاتصال...

ومع الأسف فإن ما يضير مستخدم البريد الإلكتروني رغم حسناته الكثيرة أن يجد نفسه مضطرا في كل يوم إلى كنس بريده وتنظيفه من الرسائل المزعجة التي تكون كثافتها في بعض الأحيان في حجم كثافة الصراصير المتكدسة عند نهاية البالوعات القذرة. فعدد الرسائل المزعجة يفوق في العادة الرسائل المرغوبة بمقدار ثلاثة أضعاف أو أكثر، وإذا تهاون أحدنا في تنظيف بريده لبضعة أيام معدودة فقط فسيجد أن رسائله المحفوظة قد التهمتها تلك الصراصير الإلكترونية وصارت في خبر كان....

لقد أصبح إرسال البريد المزعج تقليدا إلكترونيا لا يقوم به الأشخاص المحترفون لمهنة اللصوصية والتسول الإلكترونيين فقط، بل تقوم به كثير من الشركات الافتراضية الوهمية التي تدس ملايين الرسائل المزعجة معترضة بريد الناس لتستغفلهم وتبيعهم الوهم تارة باسم شركة القمار واليانصيب التي تعد صاحب البريد بالربح الوفير وكأنه الوحيد المعني بالاهتمام، وتارة باسم شركات مزورة لبيع الدواء ومواد التجميل وغير ذلك مما له صلة بعالم الرذيلة ومستلزماتها....

وإذا كان هذا هو حالنا اليوم مع البريد المزعج بعد مرور ثلاثين سنة على إرسال أول رسالة مزعجة غير مرغوبة في الثالث من شهر أيار/ مايو عام ثمانية وسبعين من القرن الماضي . فكيف سيكون واقع بريدنا الإلكتروني بعد مرور ثلاثة عقود أخرى من الآن؟...
________________

إدراجات ذات صلة:
قصص التراسل والمراسلة بين الأمس واليوم

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

اللغة العربية وعداوة مُـثقفيها لها

مما ابتليت به اللغة العربية عداوة مثقفيها لها. وقد ظهر هذا العداء منذ وقت مبكر من ظهور الحركات الشعوبية زمن الأمويين والعباسيين، كما هو واضح في شعر بشار وأبي نواس وفيما يحمله فكرهما من تحامل وضغينة لكل ما هو عربي إلى درجة قد تصل في بعض الأحيان إلى الازدراء والسباب والشتيمة.

ثم تولد هذا الابتلاء بصورة جديدة ملفتة للنظر مع قدوم المستعمر الغربي وحلوله بقضه وقضيضه على أرض العرب خلال القرن الماضي.

فعندما ربطت الطبقة الجديدة من المثقفين العرب (الأنكلوفونيين) و(الفرانكفونيين) وجودها بوجود المستعمر ورهنت مصالحها بمصالحه كان من الطبيعي أن تفك ارتباطها بالأصل وأن تعلن القطيعة مع ماضيها العربي وتجاهر بالانسلاخ من جلدها الأول لتحل فيها روح الكيان المستعمر بالكامل لأنها ألفت الرضاعة والنهل من أثدائه.

ومن الأسماء الثقافية المنسلخة التي ينبجس لبن العنصرية الغربية البغيضة من بين شفاهها وعلى أسلة أقلامها نذكر سلامة موسى وعبد العزيز فهمي وسعيد عقل وغير ذلك من الأسماء التي خفقت أعلامها وشعاراتها، وعششت وفرخت في الجامعات والمعاهد، وخلقت لنفسها أتباعا وتلاميذ ونظريات قائمة الذات مسنودة بالدعم المادي والمعنوي وبمباركة المرجعيات الغربية الدينية والفكرية والإيديولوجية والفلسفية، وحتى الفنية والأدبية والإنسانية والحقوقية…

فهاهو سلامة موسى المصري يعلن دونما خجل أو مواربة عن رغبته العارمة في التنصل من الانتساب العربي المشرقي للالتحاق بالنسب الغربي الشريف، وقد بلغت به الجرأة حد المطالبة باستبعاد ثقافة العرب وما يمت إليها بصلة عن مجالات البحث والدرس، يقول: كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ...، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا وجهرا، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب ...إن الاعتقاد بأننا شرقيون قد بات كالمرض ... وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب وبعثرة لقواهم ...

وها هو ذا سعيد عقل اللبناني يطالب بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، على غرار صنيع كمال أتاتورك عندما أدار ظهره للعرب وللخط العربي، كما مر معنا في إدراج سابق تحت عنوان:
محنة اللغة العربية مع أساليب الدردشة و (التشات) ...!!

وعلى العموم، فقد كثرت الدعوات وتناسلت الاتهامات التي تمس كيان الشرق الثقافي واللغوي، وطبيعة الرجل الشرقي ونمط تفكيره وسلوكه حتى صار موضع نكتة وطرفة وسخرية في الأدب الغربي وفي إنتاجه الإعلامي التلفزيوني والسينمائي، وحتى في لوحات الرسم والكاريكاتور....

أما اليوم، وبعد أن دخلت أمريكا على هذا الخط العدائي منذ أحداث أيلول سبتمبر المشئومة، فقد جعلت لعدائها لونا جديدا مموها لا يكاد يُرى لمعظم الناس لأنه مخبوء تحت شعارات حالمة منسمة بعطور الحرية والديمقراطية المزعومة التي تدفقت على العالم العربي من بلاد العم سام البعيدة جدا عبر البوارج وحاملات الطائرات. وهنا مكمن الخطورة عندما يكون العداء المبطن معززا ومؤيدا بقوة السلاح.

فقد أرادت أمريكا أن يكون احتلالها للعراق الشقيق مصحوبا باختراق آخر مواز كاسح للعقل العربي وللنفوس العربية من الداخل. وهي، بعد أن أرست ترسانتها العسكرية وأقامت قواعدها الجوية والبحرية والبرية في منطقة الخليج، أرسلت على الشعب العربي كله مددا هائلا من القنوات السمعية والبصرية من فوق عبر بوابات السماء لتعيث فسادا وخرابا في وجدان الأجيال العربية الصاعدة، ولتعيد تشكيلها وقولبتها كما تشاء...

إن ما يبث على مدار الوقت والساعة على محطات (سوا) الإذاعية المبثوثة في كل ربوع الوطن العربي، وقنوات (الحرة) وبعض القنوات الأخرى المحسوبة على أمريكا نهجا وأسلوبا كمجموعة كقنوات ( إم بي سي) وأبو ظبي ودبي وغيرها من برامج التلفزيون الحوارية وبرامج تلفزيون الواقع الأمريكي ومسلسلات وأفلام هوليود وحتى والوصلات الإشهارية للعطور ومساحيق التجميل الأمريكية فضلا عن أجبانها وألبانها ووجبات أكلها السريعة... كل هذا بدأ يؤتي ثماره الخبيثة في وسط كل أسرة عربية من حيث تدري أو لاتدري على مستوى العادات والطباع الجديدة وعلى مستوى اللباس والأكل... والأخطر من ذلك أن يكون التغيير على مستوى الفكر والوجدان.... فهل منا من يتعظ أو يقاوم وينتفض...؟ !!

الجمعة، 4 يوليو 2008

الصيفَ ضيعتِ العربُ الغاز َوالبترولَ


أصل عنوان هذا الإدراج من المثل العربي المشهور: (الصيف ضيعتِ اللبن ).
وقيل في قصة هذا المثل: إن امرأة عربية جميلة تدعى دختنوس بنت لقيط بن زرارة تزوجت رجلا مسنا ذا مال كثير، ثم اختلفت معه فطلقها في وقت كثرة المرعى ووفرة اللبن. وكان أن تزوجت تلك المرأة بعد طلاقها شابا جميلا فقيرا. فلما جاء الصيف اشتهت اللبن غير أنه لم يكن متوفرا إلا عند زوجها السابق، فأرسلت إليه متوددة في طلبه لكنه أبى وقال قولته هذه التي صارت مثلا يجريه العرب على ألسنتهم كلما ضيع أحدهم الفرصة من بين يديه، فإذا طلب حصول تلك الفرصة المنفلتة مرة أخرى لم يسعفه القدر ولم يواته الحظ ولم يجن إلا مرارة الخيبة وحسرة الندامة.

ولهذا المثل دلالة رمزية عميقة لا تفقد صلاحيتها في كل عصر. فيكفي أن نعوض مادة (اللبن) الواردة في المثل بما يماثلها في كل عصر وأوان من اللوازم الضرورية لحياة الناس، كالصحة والتعليم والحقوق والتنمية قبل الماء والخبز، وقبل الغاز والبترول، وقبل السيف والمدفع الرشاش وحتى قبل معامل تخصيب الذرة والقنبلة النووية...

فالأمر نفسه ينطبق على البترول ومشتقات الطاقة الطبيعية الأخرى الآخذة في النضوب. وهاهو مخزون النفط العربي قد أشرف على النفاد دون أن يتحقق للشعوب العربية المغلوبة على أمرها الحد الأدنى لمطامحها الطبيعية في العيش البسيط الكريم الذي أقصا طرفيه: رغيف خبز وقدح ماء، بله أن تتطلع إلى ما فوق ذلك مما تحقق لدى كثير من دول هذا العالم من الرفاهية والديمقراطية وتطور التعليم وازدهار التقنية رغم أن كثيرا من دول الصفوة في هذا العالم لا تملك بئرا واحدة للغاز أو البترول ولا منجما واحدا للذهب أو الفضة ولا حتى للنحاس أو الحديد..

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة ثمن برميل البترول بشكل جنوني في هذه الأيام لتمتلئ خزائن حكوماتنا العربية الريعية بالمال الذي يحفزها على مزيد من الإسراف في البذخ والعيش المخملي الرطب الناعم تزداد يبوسة المواطن العربي وجفافه إلى حد الانكماش، ويتضاعف شقاؤه بلعنة البترول وتوابعه؛ فلم يصب المواطن العربي من كل هذا البترول المتدفق حتى اليوم إلا ذلك الدخان المتراكم في جو السماء الذي يستنشقه عبر عوادم السيارات والعربات ومداخن المصانع والمعامل ليملأ خياشيمه بالسخام ويعرضه لأمراض تنفسية مزمنة. فيكون حاله كحال من يجالس صاحب الكير؛ فإما أن تتسخ ثيابه بالدخان أو تحترق بشرر النار المتطاير.

الخميس، 3 يوليو 2008

صورة المقال المنشور في جريدة (دليل الأنترنت) المغربية


اضغط الرابط أسفله لقراءة المقال بصيغة pdf
1215114715.pdf
أو الضغط الرابط التالي لقراءة المقال الأصلي على المدونة
قطوف تدوينية: (الجزء الأول)

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

التدوين كأفق جديد للتنفيس وإثبات الوجود


ليس الواقع الافتراضي إلا نسخة ثانية حديثة لواقع إنساني حقيقي راسخ على الأرض رغم إنكار المنكرين وجحود الجاحدين الذين لازال بعضهم يتوجس خيفة من محتوى ومضمون العوالم الافتراضية إلى درجة قد تجعله أحيانا لا يطيق الاقتراب من الحواسيب الإلكترونية التي تعتبر لوحة المفاتيح منها بمثابة منصة التحكم والقيادة في حركة السيارة عند الانعطاف أو المناورة، كما أوضحنا ذلك في إدراج قديم تحت عنوان الجَفْوَةُ الرقمية .

وعليه فإن العوالم الافتراضية، وإن كان موقعها في الأثير المعلق بين السماء والأرض، فهي ليست معزولة عن الأرض كما قد يتوهم البعض؛ فكل ما في العوالم الافتراضية من مواقع ومدونات ومنتديات يعمل في الحققية تبعا لحركة أصحابها في حياتهم الخاصة المتقلبة بين صبح ومساء، وبين صحو ونوم، ووفق أمزجتهم ونواياهم، وحسب تكوينهم الحسي والجسمي والعقلي والنفسي.

وقد بلغت العوالم الافتراضية في هذه الأيام حدا هائلا من الكثافة والتكدس والامتلاء رغم أن بداية رحلة الناس إلى هذه العوالم الأثيرية كأفراد طبيعيين أو معنويين ممثلين في شركات ومؤسسات وهيئات خاصة أو عامة، حديثة العهد. إذ لم تمهد سبلها الإلكترونية المعقدة ولم يتح استخدامها للخاصة والعامة على نطاق واسع عبر شبكات الاتصال الأرضي والفضائي إلا مع بداية هذه الألفية الثالثة.

ومن يلج العوالم الافتراضية اليوم يشعر كأنها قد بلغت من العمر عتيا، أو كأنها قد تكونت مع بداية تكوين الأرض في زمنها الجيولوجي الأول. فكل ما يخطر على بالك من هواجس وصور وأفكار تجده مطويا بين ثنايا ها وأكثر.

غير أن ما يميز العوالم الافتراضية عدم وجود حد فاصل بين الأمكنة والأزمنة فيها، لأن وسائلها عند السفر أو الإبحار في أعماقها أشبه ما تكون بسفينة الزمن التي تمكن من اختراق حاجز الحقب التاريخية صعودا ونزولا، كما في أفلام الكارتون الحالمة وسينما الفانتاستيك الخيالية الجامحة.

وبما أن وجود الناس على الأرض محدود بضيق المكان وبضيق الأفق وذات اليد وقهر الزمن والسلطة، فقد أصبحت العوالم الافتراضية ملاذا مثاليا للبوح والتعبير في عالمنا العربي كما في العالم أجمع، سواء بالرمز أو بالصوت أو بالصورة المتحركة أو الثابتة، وسواء باللغة العادية المباشرة أو باللغة المجازية الشاعرة.

وعليه، فإن ما يميز العوالم الافتراضية أكثر أنها صارت الأفق الأرحب المتاح اليوم للتنفيس أكثر من قصيدة أو لوحة أو فصول مسرحية أو مثل أو حكمة أو خرافة رمزية.

وقد لا يهم اليوم أن تبحث عن خل وَفِـيٍّْْ عز وجوده في هذا العصر لتفرغ على مسامعه همك وحزنك، أو عمود جريدة لتلقي لديها ببعض عجرك وبجرك بعد التمحيص والتنقيح لكل ما من شأنه أن ...
يكفي أن تفتح موقعا صغيرا أو مدونة أو تنشئ هوامش افتراضية مفتوحة أو مرموزة تثبت أو تمحي فيها في كل يوم ما تشاء.
ومن تابع معي مخاض كتابة هذا الإدراج من أوله إلى نهايته عرف كم عدد الخربشات التي حذفتها والتعديلات التي أضفتها حتى استوى على هذا الشكل النهائي الذي أرسلته على الشبكة العنكبوتية.

وأنا بعدما مارست التدوين واختبرت خباياه ومشاقه لا أنكر على نفسي ما أستشعره في كل يوم من متعة خاصة عندما أتمكن من إضافة إدراج جديد، ولو كآخر إشارة مني على آخر وجود لي موثق أسفل آخر إدراج باليوم والساعة والدقيقة والثانية.

أشعر كأن عقارب الوقت هي التي تكتبنا وتدوننا لا نحن، أوكأن أناملنا الصغيرة هي وسائلها في ذلك. ولو توقفت أناملنا عن النقر وعيوننا عن مصافحة شاشة الحاسوب لانتفى جزء مهم من حقيقة وجودنا في هذا العصر الذي كلما اتسع وتعولم إلا وضاق وازدحم.