الخميس، 25 سبتمبر 2008

العوالم الافتراضية الظاهرة والخفية

الجزء الظاهر من عوالمنا الافتراضية كتلة حروف مرقونة مقروءة، وحزمة أصوات مسموعة مسجلة آليا أو مصنعة إلكترونيا، وركام هائل من الفلاشات المتلألئة والزخارف الملونة والأيقونات المختزلة لسلوك الإنسان ومشاعره، وشريط طويل لا بداية ولا نهاية له من الصور الطبيعية الجامدة أو المتحركة الملتقطة لتوها بعين الكاميرا السحرية، أو تلك المزخرفة أو المعدلة أو المُخلقة بوسائل النقش و(الغرافيزم) أو التهجين الإلكتروني إن صح لنا هذا التعبير.

أما الجزء الأعظم المتبقي المتخفي وراء كل موقع أو مدونة أو صفحة شخصية فهو عبارة عن لوغاريتمات وجداول وبرامج مختلفة غير مرئية لتسهيل عمليات الولوج والبحث والعرض والرفع والتحميل والفهرسة والتبويب...، وقواعد بيانات هائلة ومعقدة لتنظيم حركة السير والجولان على الطرقات الإلكترونية السيارة، حتى لا تصطدم المواقع الإلكترونية بعضها ببعض أو تتداخل أو تتدافع؛ فكل موقع إلكتروني يحلق في مداره الخاص كأي كوكب بعيد في مجموعة شمسية أو مجرة فلكية.

ولكثير من تلك البرامج قرون استشعار عجيبة للمقارنة والفرز وتحديد الأهداف وعرض نتائج البحث في سرعة هائلة لضبط المواقع المشبوهة التي أخلت بقانون السير الافتراضي من بين ملايين المواقع وملايير الصور وبلايين الكلمات والحروف قصد تعقب أصحابها الحقيقيين في الوجود الأرضي الحقيقي لاستدعائهم واستنطاقهم ومقاضاتهم على حروفهم أو صورهم أو منمنماتهم وزخارفهم، فضلا عن تثبيت حركة جميع المتصفحين والزوار العابرين من كل فج عميق إلى العوالم الافتراضية في الزمان والمكان المعلومين في بلدانهم وتسجيل بصماتهم الإلكترونية في الدوائر الأمنية السرية الخاصة والحكومية لاستدعائهم أيضا عند اقتضاء الضرورة، ولو لمجرد الالتباس أو الشبهة. فربما وزرت وازرة إلكترونية وزر أخرى.

ويقف وراء هذه الصناعة الإلكترونية الدقيقة بوجهيها الظاهر والخفي رجال هندسة أفذاذ وشركات عملاقة ورؤوس أموال ضخمة. ومن ورائهم الجواسيس والعملاء والقراصنة وقطاع الطرق المتربصون المنتهزون لكل غفلة أو هفوة إلكترونية عند المنعطفات الإلكترونية الحرجة للسطو على الأسرار والخصوصيات بل وحتى الغنائم.

ومهما بلغت العوالم الافتراضية من ضبط ودقة فإنها لا تخلو من العشوائية كعشوائية الموت أو الحرب التي تحدث عنه زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة.
ومهما كانت قدرة تلك القواعد البيانية والبرامج الإلكترونية على التحكم في مستقبل ثقافة الإنسان حرفا وصوتا وصورة فإنها لن تستطيع أن تخلق مشاعر أخرى جديدة غير تلك التي عبر عنها أجدادنا الأولون ونقشوها على جدران وسقوف الكهوف التي حمتهم من بطش الطبيعة وبأس السباع الكاسرة والطيور الجارحة.

ومهما اختلفت الوسائل فإن الغايات تبقى في ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله هي هي إلا أن يبتدع الإنسان عادة جديدة غير عادة الأكل والشرب والنوم والتغوط، وأنى له ذلك !!.

ليست هناك تعليقات: