الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

الأطلال والمقابر الافتراضية

مفاتيح الولوج إلى المواقع والمدونات الافتراضية كمفاتح الولوج إلى البيوت الحقيقية. غير أن هذه شفرتها من حروف وأرقام ورموز وتلك مسننات مطبوعة على شفرة المفتاح، وقد قدت من حديد أو برونز. وعهدة تلك المفاتيح تبقى بيدي مالكهما الأصليين ماداما حيين يتمتعان بعافية الذاكرة والجيب وسلامتهما من كل خلل أو ثقب.

والحياة داخل المواقع المبنية ذات الواجهة الخارجية والحجرات الداخلية كالحياة داخل المواقع الافتراضية ذات الصفحة الرئيسية الثابتة والصفحات الداخلية المطوية. وكلا الموقعين في حاجة إلى تحديث مستمر للشكل والمضمون.

وإذا كان مآل البيوت التي أساسها إسمنت وطوب إلى ذوي الحق في الميراث من الأبناء والأحفاد وكل ذوي القربى والشفعة، وهذا بعد أن تطوى صفحة أصحابها الذين أقاموا قواعدها وتخمد حرارة وجودهم في الحياة، فماذا سيكون مصير هذه الآلاف المؤلفة من المواقع والمدونات والمنتديات والصفحات الشخصية بعد أن تخمد أنفاس أصحابها أيضا في الوجود الأرضي وتنتقل إلى عالم الخلود السماوي .

لست فقيها محنكا حتى أطالب بشريعة افتراضية تنظم مسار حياتنا الرقمية، ولكني أكتفي هنا بإثارة أسئلة بديهية أولية ريثما تنضج أفكاري أكثر حول ميتافيزيقا العالم الافتراضي.
ومعلوم أن البيوت إذا هُجرت أصبحت عشا للأرضة والفئران ومأوى للبوم والخفافيش والغربان، ثم لا تلبث قليلا حتى تتداعى سقوفها وحيطانها، وتصبح أثرا بعد عين. وما أخشاه هو أن تزحف الأرضة الإلكترونية على المواقع والمدونات الإلكترونية التي هجرها أصحابها أيضا بسبب المرض وبسبب العوارض الدنيوية الكثيرة أو بسبب الأجل المحتوم.
وأنا هنا لا أتحدث عن المواقع الافتراضية للحكومات والشركات والمؤسسات والمواقع الجماعية فهذه مسنودة ماديا ومعنويا وبعدد لا ينفد من الأنفس التي تعمل كخلية ويمتد عمر بعضها في بعض. وإنما أتحدث عن المواقع والمدونات التي أنشأها أصحابها بمجهود فردي وتعبوا في تأثيثها وتجميلها ما وسعهم الجهد والوقت بالأفكار والمعاني، والتجليات والخواطر.

الآن وقبل أن تستشري عدوى الموت في بيئة المدونين المتميزين بجدهم وجهدهم لابد في الخطوة الأولى من التفكير الجدي في أمرين مهمين:
الأمر الأول هو إنشاء مرصد خاص بالمدونين الأموات على غرار مرصد المدونين الأحياء.
والأمر الثاني هو إنشاء مقبرة افتراضية تحفظ على الأقل أسماء المدونات العربية المشهورة والمغمورة وتنوه بشعاراتها وعناوينها، وتحفظ خلاصة مضامينها المتميزة.

ولتكن هذه المقبرة الافتراضية الجماعية مرتبة ترتيبا أبجديا ديمقراطيا لا يميز زيدا على عمرو، وذلك على غرار كتب التراجم والوفيات التي تزخر بها المكتبة التراثية العربية.

وهذا بعض جهد المقل لإنصاف كثير من المدونين والكتاب الافتراضيين الذين اختاروا أن يكتبوا ويحترقوا في صمت بعيدا عن كل صخب أو غوغائية.

ليست هناك تعليقات: