الأربعاء، 28 مايو 2008

الأرَضَة الإلكترونية


الأرَضَة من أقدم الحشرات التي حافطت على وجودها على سطح هذه الأرض منذ فجر التاريخ حتى الآن. وتسمى بالنمل الأبيض وإن كانت مختلفة عن النمل الحقيقي كل الاختلاف.

وبما أن غذاءها الأساسي يقوم على المواد السليلوزية فمن هنا يمكن أن نتصور حجم الأضرار التي سببتها هذه الحشرة الملعونة عبر تاريخها الطويل للسقوف الخشبية والكتب والأوراق والمواد المخزنة في الصناديق المقفلة والدهاليز المظلمة وحتى في جوف الأرض.

وكل هذا النشاط التخريبي لهذه الحشرة العجيبة يتم في سرية تامة بعيدا عن الضوء والأنظار، إذ يكون متغلغلا في التجاويف المظلمة داخل أجزاء الخشب أو في تضاعيف المخطوطاطات والكتب، ولا يظهر أثرها للعيان إلا بعد أن تأتي على جزء كبير من حاجيات الإنسان .

وفي القرآن الكريم سُميت الأرَضَة على صغر حجمها بدابة الأرض لما يمكن أن توحي به كلمة الدابة في الذهن من المعاني القوية والعبر الدالة.

وقد أوضح الله تعالى لنا في كتابه الكريم قوة هذه الحشرة التدميرية في سياق قصة موت سليمان؛ فعندما قبض ملك الموت روحَ سليمان وهو متكئ على عصاه اختلف قومه في أمره: أميت هو أم حي؟ !، فبعث الله الأرضة التي دبت بسرعة في عصاه. فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر جسد سليمان. فأيقن الناس بحقيقة موته وأذعنت الجن لعلم الله وحكمته في تدبير شؤون خلقه. وذلك في قوله عز وجل: ((فلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين)) سورة سبأ/ آية رقم 14. ولفظة منسأته تعني: عصاه.

وهكذا قد يغيب أحدنا عن بيته لبعض الوقت فيجد أن سقفه الخشبي قد خر أرضا وصار فتاتا بسبب الرطوبة المهيجة لنشاط الأرضة، أو يجد أن كرسيه الخشبي المفضل لديه قد أصبح بين عشية وضحاها كومة من غبار، أو من غير قوائم...

وحتى عندما انتقل إنسان هذا العصر من مستوى الحياة الواقعية إلى مستوى الحياة الافتراضية المعلقة بين السماء والأرض أبت هذه الحشرة الملعونة إلا أن تلتحق بمجتمع العوالم الإلكترونية، لكن هذه المرة في هيأة ملفات وبرامح إلكترونية صغيرة الحجم خفية الملامح لتندس خلسة بين المواقع وتتنقل بين الحواسب والأجهزة الرقمية المتصلة فتتلف محتوياتها أو تربك أداءها عند التشغيل والعمل، وتتسلق الجدران العازلة العالية بخفة ورشاقة، وتخترق أعتى برامج الحماية وتقاوم أحدث المبيدات الإلكترونية للطفيليات الرقمية الزاحفة والطائرة.

فكم من المواقع والمعالم والصروح الإلكترونية تخترق في كل يوم لتتداعى حيطانها ودعائمها تحت قضم أنياب القوارض الفيروسية لتتداعى على بعضها البعض ولتذوب وتضيع كنوزها ومدخراتها في الفضاء الإلكتروني الشاسع كالهباء أو كالسراب.

ليست هناك تعليقات: