الاثنين، 9 يونيو 2008

قراءة في التدوين العربي المُـنتسب


غابة التدوين العربي.

كثرت المواقع العربية التي تقدم خدمات التدوين المجاني، وكثرت مدونات المنتسبين إليها من العرب وغير العرب الناطقين بلغة الضاد كثرة هائلة جعلت واقع التدوين العربي الراهن يعرف حالة غريبة من التضخم والحشو والامتلاء العشوائي، فصار أشبه ما يكون بالغابة البرية: فيها من الشجر المزهر والمثمر بمقدار ما فيها من السدر والشوك والحنظل، وفيها من التغريد والتطريب بمقدار ما فيها من الزئير والفحيح والصياح، وفيها من الأنس والسكينة بمقدار ما فيها من الوحشة والرهبة.....

ومعلوم أن إتاحة خدمة التدوين المجاني في بعض المواقع العربية السباقة، وإن جاءت متأخرة عن الركب الدولي، كعادتنا في كل شيء، فقد كانت شبه ضرورة حتمية بعد استشراء واستفحال حمى التدوين العالمية.

كما أن خدمة التدوين المجاني المتاحة في بعض المواقع العربية لم تكن كرما حاتميا منها لصالح شريحة كبيرة من المواطنين المغلوبين على أمرهم الراغبين في الكتابة والتعبير عن أنفسهم وانشغالاتهم ممن لا قبل لهم بإنشاء مدونة أو موقع على نطاق خاص مدفوع الأجر، بقدر ما كان ذلك اقتداء واضحا بكبريات المواقع العالمية المشهورة الرائدة في مجال تطوير وتحسين خدمات التدوين المجاني، وبواجهات لغوية متعددة ومنها اللغة العربية أيضا، كما أوضحنا ذلك في إدراج سابق.

هذا فضلا عما يضيفه التحاق عدد هائل من المدونين المنتسبين إلى تلك المواقع العربية من سيولة كبيرة في حركة الزوار والمعلقين؛ فكثيرا ما تكون الغاية الأولى لمعظم تلك المواقع عند إضافة خدمة جديدة هو جلب أكبر عدد ممكن من الزوار، ولو أدى بها الأمر أحيانا إلى تغليب جوانب البهرج الزائف والإثارة الحمقاء والتشهير الهدام على جوانب المضمون الخصب والمحتوى البناء. فليس هناك ما يحبط المشرفين على إدارة المواقع العربية أكثر من نزول مؤشر الزوار إلى الحضيض. ولذلك ينبغي ألا نستغرب عندما نجد خدمة التدوين جنبا إلى جنب مع خدمات الدردشة والتشات وركن الزواج والتعارف وألبوم الأغاني والصور الثابتة والمتحركة وغير ذلك من الشكليات التي تنجذب إليها معظم الكائنات الافتراضية العربية، بسبب وعورة مسلك التعبير بالكلام العربي الفصيح في هذه الأيام.

وهذا من شأنه أن يرسخ في الأذهان صورة مشوشة ومشوهة عن التدوين العربي فتجعله أبعد ما يكون عن عمل الراشدين الواعين المكتوين بجمر الواقع العربي ولظاه، وأقرب ما يكون إلى سلوك المراهقين العابثين الغافلين عن ذواتهم ومحيطهم، وخاصة بعدما تحولت كثير من المدونات العربية إلى نسخ طبق الأصل لواقع المنتديات وغرف الدردشة الحمراء والصفراء من حيث طريقة كتابة الإدراجات ووضع التعليقات...

ومما لاشك فيه أيضا أن كثيرا من المواقع العالمية التي اعتمدت اللغة العربية كواجهة إضافية لمنصة التدوين لديها قد سحبت البساط من تحت أقدام كثير من المواقع العربية التي تقدم خدمة التدوين المجاني أيضا، وإن في الحدود الدنيا لشروط الجودة التقنية التي لا ترقى إلى طموح المدونين العرب ولا تلبي كل رغباتهم، فضلا عن هامش الحرية والمناورة المتاحين للكائنات العربية الافتراضية بشكل محدود، كما في واقع الكتابة الورقية سواء بسواء.

وقد يجري على هذه المواقع الافتراضية ما يجري على بعض شركاتنا التجارية والصناعية والخدماتية التي تعرضت لغزو العولمة والمنافسة الشرسة المحتكمة إلى رأس المال والخبرة التقنية والشفافية العالية، فحكمت عليها وكثير من مؤسساتنا الوطنية العربية العمومية بالإفلاس.

ترى هل الأوان لبعض المواقع العربية التي تقدم خدمة التدوين العربي لتعلن عن إفلاسها الافتراضي أيضا كما يحدث في كل يوم بالنسبة لكثير من شركاتنا العربية التجارية والصناعية والمالية والخدماتية على أرض واقعنا العربي المتهرئ؟ أو لتلغي هذه الخدمة من بوابتها إلى الأبد بعد هذا الرحيل الجماعي الذي يعرفه المدونون العرب إلى عوالم البلوغر وورد بريس مثلا؟...

وليعلم أصحاب هذه المواقع العربية أنهم مسئولون أدبيا وأخلاقيا عن هجرة الطيور المغردة إلى الضفة الأخرى حيث الصفاء والسكينة، بعدما أهملوا حديقة التدوين العربي، وتركوها غفلا لتنمو عشوائيا من غير تهذيب وتنقية وتشذيب...

ليست هناك تعليقات: