الأحد، 18 مايو 2008

تلك الكائنات الشهرية الطبشورية


كم أعجب للكتكوت الصغير الذي ينطلق توا في طلب رزقه وكأنه قد تعلم دروس النقر ولقط الحب قبل أن تنفلق عنه بيضته ويسقط عنه زغبه ويتجدد له ريشه.!!

أما نحن ـ معشر المواطنين العاديين ـ وقبل أن يتحول بعضنا إلى كائنات شهرية في محاضن الوظيفة العمومية وينمو على أكتافنا ليس فقط زغبنا وشيبنا وعيبنا وإنما لحم حكوماتنا الموقرة على حد قول إخواننا المصريين بعبارة أخرى معدلة على مقاس هذا الإدراج ( لحم أكتافنا من خير حكوماتنا ) فقدرنا أن نمضي حياتنا ملتصقين بمقاعدنا عند مكتب أرشيف وإدارة أو حجرة طبشور وسبورة أو بجوار تلفزيون وزارتنا في الداخلية والإعلام في انتظار خبر رفع الأجور هائمين حالمين منكمشين متقوقعين كالطائر الذي قص جناحه يحلم بالتحليق بعيدا في الفضاء الحر ولكنه لا يقدر أن يبرح مكانه.

حياة الكائنات البشرية الشهرية في مغرب اليوم كما الأمس تقوم قواعدها الهشة على راتب هزيل ثابت على حاله كعظم يابس قذف به بعيدا إلى كلب ليوفيه حقه من المصمصة، حتى لا يسمع له لهاث فضلا عن نباح أو يرى له تدفق ريق شهوة أو تكشيرة شريرة تكشف عن قواطع وأنياب.

ومع ذلك يسمى ذلك الراتب في القواميس المتداولة بالمصروف وإن كان ممنوعا من الصرف خارج حدود الأسبوع الأول من كل شهر، وفي حدود الضرورات القصوى للبقاء على قيد الحياة ومكابدة العيش المر فضلا عن أن يقي من بعض صروف غدر الزمان والمكان.

وبين طابور المائدة العائلي المعتاد بحضور جميع من تحت السقف لممارسة طقوس المضغ الحافي الجماعي وطوابير الحياة اليومية الأخرى في انتظار حافلة أو أداء فاتورة أو عد أيام التقاعد الباقية واستيفاء أقساط الديون البنكية يمضي شطر كبير من حياتنا نحن ـ معشر الكائنات الشهرية الطبشورية الطابورية (نسبة إلى الطبشور والطابور) في انتظار الذي قد يأتي ولكنه لا يأتي.

فمن أفق رحابة الوطن العربي وغناه بالمتناقضات في تدبير خيرات ما تحت الثرى وما فوقه تنبع عبودية الاغتراب الوجودي المحكوم بقلة ذات اليد لدى الكائنات العربية الشهرية الطبشورية...!!

وحدها الكائنات المخملية في وطننا العربي تكتفي بجر أذيالها الطويلة بدل أن تنجر إلى الوقوف في طابور العيش والرغيف والغاز والماء والكهرباء والحديد والإسمنت والحمام والمرحاض وهلم طابورا ...

وهي فوق ذلك معفية من سؤال منكر ونكير ومن متابعة جدول حصص التدريس والعطل ومراقبة تقويم الأعوام البسيطة والكبيسة وكبش العيد ونكد العطل الصيفة مع إلحاح ومتطلبات الأولاد...

تلك القلة القليلة من الناس الذين خيم السعد ببابهم ولفتهم النعماء بردائها ...اللهم لا حسد لهذه الفئة المخملية التي تسعد بحظها ولا شماتة بتلك الفئة الطبشورية التي تشقى بنصيبها وراتبها... وهذا على على حد قول أبي العتاهية مخاطبا هارون الرشيد:

أتتك الخلافة منقادة إليك تجرجر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها

ولكن، ما أبعد البون بين رسوم الخلافة وطقوسها وبين رسم الأماني والأوهام بالطبشور الأبيض على سبورة سوداء ..!!

ثم ألم يكن الخليفة العباسي المنصور يقول في خطبته: ( أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وسداده، وأنا خازنه على فيئه، أعمل بمشيئته، وأقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه. فقد جعلني الله عليه قفلا؛ إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني.)

وما أظن أننا عن أيام العباسيين وعلى عن حكاية أقفال خزائنهم ببعيدين...!!
ـــــــــــــــــ

إدراجات ذات صلة:
يوم الخبز العربي

ليست هناك تعليقات: