الخميس، 14 فبراير 2008

يوم الخبز العربي

كتب يوم الإثنين,كانون الأول 18, 2006

الخبز أول ثمرة من ثمار التعاون بين مجهود الطبيعة ومجهود الإنسان؛ فالطبيعة من جهة بِرِّها وعطائها ووفائها بالغيث والدفء والحرارة، والإنسان من جهة سعيه وكده في تعلم شؤون الفلاحة والزراعة.

وقد تم ذلك التعاون منذ زمن موغل في القدم قبل أن يتعلم ذاك الفلاح البدائي المدعو باسم (الإنسان) شؤون السياسة والرياسة، وقبل أن يخترع ألقاب الفخامة والجلالة، وقبل أن تقوى لديه نوازع الاستعباد والاستئثار، ويكتشف بنود ومواثيق الاستغلال والهيمنة والاستعمار…

يُخيل إلي، أحيانا، أن الخبز هو حبل السُرًّة الطبيعي الممتد بين جسم الآدميين المغاربة ورحم أمهم الأرض، أو هو ذاك الذي يحل محل الحبل المعلوم بين الأم الحقيقية وجنينها بعد أن يرى نور الوجود وتنبت له الأسنان والأضراس والقواطع، ويتعلم فنون القضم والبلع.

وقد تخلو موائد الفقراء المغاربة من الأكل الناعم ومن كل شيء تقريبا، ولكنها لا يمكن أن تخلو أبدا من بعض كِسر الخبز اليابس ومن بعض الفتات المبلول بالماء والملح وبضع قطرات من الزيت ( الرفيسة): وأقصد هنا بالرفيسة رفيسة الفقراء لا رفيسة الأغنياء المعلومة التي تحضر فيها قطع اللحم هبرا هبرا…

وللمغاربة الكادحين ولع خاص بالخبز، وخاصة إذا اقترن وجوده بوجود الشاي والزيت والزيتون، ولهم مع الخبز طقوس خاصة تكاد تقترب من طقوس التبتل والعبادة؛ فلا تعجب مثلا إذا ما رأيت بعضهم يسارع إلى التقاط كسرة خبز يابسة ( نـْعْمتْ سيدي ربي) ملقاة على قارعة الطريق العام ثم يقبلها بشفتيه مستغفرا ومحوقلا قبل أن يميطها جانبا في زاوية، أو يدسها في جيب من جيوبه الخفية الخاوية.

فحرمة الخبز عند المغاربة من حرمة المكان الموجود فيه، وطقوس العجن عند الأمهات المغربيات في وقت السحر شبيهة بطقوس العبادات، من حيث التوسل وطلب البركات.

ومن حسن حظ الأغلبية من السلالة البشرية الخاملة أنها تعيش وتنتفع بمجهود الأقلية العاملة؛ فهناك عدد كبير من البشر لا يصلحون إلا للأكل والنوم أو الاقتتال. وهم، كما وصفهم ركن الدين الوهراني أحد الأدباء المغاربة المغمورين في الزمن العربي الأول ـ وقد عرضنا له في إدراج سابق قديم تحت عنوان:( نبات الخروع ) ـ أشبه ما يكونون بنبات الخروع هذا الذي ينبت عند الدمن (المزابل)؛ فلا أحد ينتفع به، وحتى الدواب تعافه. وإنما هو فقط يملأ الفضاء ويضيق المكان..

ووضعنا هذا ـ نحن معشر الآدميين ـ يختلف كثيرا عن وضع الحيوانات والطيور والهوام التي تسعى إلى رزقها بنفسها زرافات ووحدانا، وكل كائن واحد منها راع لنفسه ومسخر لمهمته.

تخيل معي لو فـَتحت المطاعمُ والمخابز أبوابها يوما واحدا في السنة للجياع والمتسكعين والمنبوذين والمحرومين، لينعم فيه هؤلاء مرة واحدة في السنة بنكهة الخبز الطازج الساخن، كما هي أخبار العرب اليوم على قناة الجزيرة. ولْـنُطلق على هذا اليوم يوم الخبزالعربي، في انتظار إعلان يوم الخبز العالمي…!!

وكم أعجب للكتكوت الصغير الذي ينطلق توا في طلب رزقه لأنه قد تعلم دروس لقط وفلق الحب بمنقاره الغض الطري قبل أن تنفلق عنه بيضته.

أما الكائنات البشرية المغربية الشهرية ( أقصد الموظفين والموظفات) فدونها ما دونها قبل أن يأتيها الفرج عند الإفراج عن الرواتب، وتتهيأ لها فرصة واحدة في الشهر للحصول على طعام متوسط القبول، يقيم أود الروح ولا يبلغ مبلغ شهوة الأكل الجامحة عند ذوي الحياة المخملية وأصحاب الخدود المتوردة و البطون المتدلية.

وبين ما تراه أعين تلك الكائنات البشرية الشهرية وأشباه الكائنات البشرية من المياومين والعاطلين، وبين ما تشتهيه هي في السر والعلن مما يُعرض على شاشاتنا الفضية على مدار الساعة من شهوات البطن المنوعة والملونة مسافة سفر طويلة تختصرها لازمة الفقراء والمحرومين الأشقياء: ( العين بصيرة واليد قصيرة).

ترى، ماذا سيحدث لأغنيائنا وسادتنا المترفين لو توقفت تلك الفئة القليلة الفاعلة عن الإنتاج والعمل، وامتنعت الأرض عن الإنبات وكفت السنابل والأشجار عن طرح الغلال والثمار, فهل ستعود هناك حاجة إلى الحديث عن المال والسياسة والرياسة والخطب الرنانة ….؟؟!!

لا ثورة على وجه الأرض أقوى ولا أصدق من ثورة الجياع، ولا قرص أجمل ولا أبهى من قرص الخبز الذهبي في العيون الغائرة، من الجوع، عندما يحلق ثمنه عاليا في الفضاء مجاورا لهالة القمر…!!

أيها الفلاحون البسطاء الكرماء ضعوا معاولكم وارفعوا هاماتكم، ويا أيتها الأرض الطيبة فلتجربي أن تكوني، في يوم أو في شهر أو في سنة جحودة وأنانية ومستبدة و(متعصلجة)، كما هو حال حكامنا وساستنا وزعماء أحزابنا ومذاهبنا، ولتمنعي غيثك ولتوقفي حركة النمو في كل زرعك ونبتك، ولا تعودي إلى كرمك وطبعك الأول حتى يعتدل مزاج حكامنا في العراق ولبنان وفلسطين، وفي كامل الوطن العربي من محيطه إلى خليجه على طريق الخير والعدل والمرحمة.

ويا أيتها الآبار البترولية العربية غيضي وغوري في جوف الأرض السحيق، حتى ييأس بوش ويرحل بقضه وقضيضه عن أرض العرب والمسلمين، ويتوارى الصهاينة في جحورهم الضيقة تحت الثرى، ولا تفيضي مرة أخرى حتى يصل ريعك إلى كل مواطن عربي محروم، ولـِتـَكون قسمة الخبز عند الحسابات والرهانات السياسية والاقتصادية متساوية في نظر جميع العرب العاربة والمستعربة…!!

أم هل أنا مجرد ناعق بكلمات عابرة …!!

ليست هناك تعليقات: