الأربعاء، 13 فبراير 2008

كشكول شهر رمضان 6

كتب يوم الأحد,تشرين الأول 15, 2006

من نوادر الأعراب في شهر الصوم

هذه باقة صغيرة من نوادر الأعراب في شهر الصوم، لا نريد منها التقليل من قدرهم، أو التشكيك في إيمانهم، أو السخرية منهم. وقد التقطناها، كما هي، من بعض كتب الأدب والطرائف التي تداولتها عبر الحقب. وقد وردت في سياقات مختلفة ولمقاصد متعددة، ليس هنا مجال درسها وفحصها، حتى لا نـُضيع على القارئ الكريم فرصة الاستفادة والمتعة.

وربما بدا للقارئ الكريم من تلك النوادر أن انفعالهم قد يسبق تفكيرهم، وأن صراحتهم قد تـَصدِم غير المعتادين على طباعهم، غير أن شفافيتهم التي تصل حد السذاجة كانت تشفع لهم ما يصدر عنهم من قول أو فعل غير متوقعين منهم. ومن هنا تتولد عناصر الدهشة والرغبة لدى الناس في تتبع أخبارهم ومفارقاتهم العجيبة، لأنهم يصدرون في كلامهم عن طبع وأصل محافظ لم يتغير. وتلك هي الحلقة المفتقدة على الدوام بين جيل سابق وآخر لاحق.

وكأن الناس يبحثون من خلال أجوبة الأعراب تلك عن أصولهم الفطرية التي أضاعوها في دروب ومتاهات المدنية الزائفة. وفي هذا عنصر تفوق ينبغي أن يحسب للأعراب لا أن يحسب عليهم.

ولذلك كان الأعراب أكثر الناس تعرضا للسؤال والاختبار من لدن خاصة الناس وعامتهم؛ فحيثما وجد الأعرابي، خارج بيئته المعهودة، انهالت عليه الأسئلة من كل حدب وصوب. فتعددت الأسئلة الموجهة إليهم، وتعدد السائلون والمستخبرون عن أحوالهم، وتنوعت أهدافهم ومقاصدهم منها، حتى تشكلت لدينا معرفة عظيمة وعميقة مصدرها الأساسي أجوبة ومواقف أولئك الأعراب. وقد لا تمثل طرائفهم ومفارقاتهم إلا جزء يسيرا منها.

ومع الأسف، فقد تعلق الناس بطرائف الأعراب فقط وأعرضوا عن علمهم ومعرفتهم الفطرية الغزيرة. وقد رجعت إلى كثير من المواقع والأندية فوجدت أن حديثهم عن الأعراب كله من باب السخرية والتسلية…!!

وهذا الجانب المهمل من علم الأعراب ومعرفتهم وخبرتهم بالحياة والناس موجود في معظم كتب التراث العربي. ويمكن للقارئ القارئ الكريم أن يستخلص منها بنفسه ما يتوافق مع حقيقة الأعراب في البادية ومايظن أنه لا يتوافق مع حقيقة الناس العاديين في المدينة، والعكس بالعكس صحيح أيضا؛ وكأن الصدام والاختلاف في جوهره يكون بين مكان ومكان، أو زمان وزمان، وليس بين إنسان وإنسان؛ لأن الإنسان في جوهره وحقيقته واحد، ولا يمكن أن يتجزأ إلا لعوامل عنصرية أو حقد اجتماعي أو صراع طبقي بغيض، أو لأسباب اعتبارية مجحفة.

فمن أسرار الإنسان العجيبة أنه يمكن أن يتلبس ظروف الزمان والمكان المختلفة، فيأخذ من طباع السهول والجبال والتلال، ومن سلوك الحيوان الذي يألفه، ومن الماء والهواء والحرارة والرطوبة والجوع والشبع.. وغير ذلك من الظروف والملابسات بمقدار الحاجة فتنطبع على مزاجه وتفكيره.

وإذا عكسنا الوضع قليلا يمكن أن تصبح حياة المدنيين نفسها مصدرا لنوادر الأعراب، وحياة أي بلد أو أية دولة مصدرا لنوادر بلد أو دولة أخرى، وهكذا دواليك. وعلى هذا فالإنسانية كلها في تقديري، نادرة من النوادر.

وإليكم الآن، بعد هذه الفذلكة الطويلة، بعض نوادر الأعراب المرتبطة بشهر الصوم:
ـ لزم أعرابي سفيان بن عيينة حتى سمع منه ثلاثة آلاف حديث، ثم جاءه يودعه، فقال له سفيان: يا أعرابي، ما أعجبك من حديثنا؟ قال: ثلاثة أحاديث: حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أنه كان يحب الحلواء ويحب العسل، وحديثه عليه الصلاة والسلام: إذا حضر العشاءُ وحضرت الصلاةُ فابدأوا بالعشاء، وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر.
ـ وقيل لبعض الأعراب: إن شهر رمضان قدم، فقال: والله لأبددن شمله بالأسفار.
ـ وقدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: يا أبا عمرو: لقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبالليل أم النهار؟ قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر؟ قالوا لا. قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تـُضرب وتـُحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمّي وقد زرت مِصرهم
تهّيأ أبا عمرو لـشـهـر صـيـام
فقلت لهم: هاتوا جرابي ومـــزودي
سلامٌ عليكم فاذهـبـوا بـســــلام
فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطـــرٌ
عليّ ولا منّـاعٌ أكـلَ طـعــــام


ـ وأدرك أعرابيّاً شهرُ رمضان فلم يصم؛ فعذلته امرأته في الصوم، فزجرها وأنشأ يقول:
أتأمرني بالصّوم لا درّ درّهــــــا
وفي القبر صومٌ يا أميم طـــويل

ـ نظر أعرابيّ إلى البدر في رمضان فقال : سَمِنتَ فأهزلتني، أراني الله فيك السـلّ! .
ـ وعاب أعرابي قوماً فقال: هم أقل الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرماً على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.

ليست هناك تعليقات: