الأربعاء، 13 فبراير 2008

كيف تدون وكيف تكتب ؟!1

كتب يوم الخميس,تشرين الثاني 30, 2006

الورقة الأولى: لماذا لا نكتب؟

أكثر الناس يقرأون ولا يكتبون. وأكثر الكتاب المُـبَرَّزين يقرأون كثيرا ولا يكتبون إلا قليلا.
وإن انعدام فعل الكتابة لدى معظم الناس قد يكون وراءه تهيب أو رهبة من جمهور القراء والنقاد، ولا يعني بالضرورة عدم قدرتهم على إنجاز ذلك الفعل طالما هم قراء مداومون ومتحدثون ومستمعون جيدون في حياتهم العادية والعملية مع جميع أصناف الناس؛ بدء من أفراد العائلة والأبناء والزوجة، مرورا ببواب العمارة والبقال وسائق الطاكسي وزملاء الوظيفة والعمل، وانتهاء بالمدير أو الرئيس أو الوزير وهلم جرا …

والكتابة ما هي إلا امتداد طبيعي لكل أنشطة السماع والحديث والقراءة والمشاهدة التي يمارسها الناس على مدار الساعة، أو هي التتويج النهائي المحكم المنظم لها.
أو هي نوع من الإنصات الجيد الصامت لأحاديث النفس الداخلية ولأصوات الناس الخارجية.
أو هي إملاء يصدر بقوة لاإرادية من ذات الكاتب المنفعلة مع الوقائع والأحدات.
أو هي، بعبارة أوجز، السيطرة على الزمان والمكان وتثبيت حركتهما بين دفتي كتاب من خلال السطور والحروف.
أو هي، باختصار، الحرب المستمرة على الصمت والنسيان…

غير أن لفعل الكتابة ارتباطات وتشابكات أخرى خارجية شديدة التعقيد، وقد تحد من إقدام الناس على الكتابة والتدوين؛ ومن تلك الارتباطات والتشابكات نذكر الخط والإملاء، والنحو والصرف، وعلامات الترقيم، ووسائل الإخراج المتعلقة بتنظيم الفقرات ووضع العناوين المناسبة، والتنسيق والتقديم والعرض والخاتمة، بالإضافة إلى الهوامش التوضيحية والإحالات التوثيقية والصور والإكسسوارات التجميلية من إطارات وألوان وزخارف وظلال وغير ذلك..

وتلك الارتباطات والتشابكات المعقدة تحتاج إلى تدريب وإعداد مسبقين، ولا تحتاج إلى ذلك كله أنشطة التواصل الأخرى من استماع وحديث ومشاهدة لأنها تجري في العادة بطريقة تلقائية، تماما كما يكون حالنا عند تنفس الهواء أو شربنا للماء أو أكلنا للطعام وغير ذلك من مما تستدعيه أمور العادات البشرية وتتطلبه الحاجات اليومية الضرورية أو الكمالية.

اللهم إلا إذا استثنيا من ذلك أداء الممثلين على المسرح وإلقاء الخطباء على المنابر وقراءة المجودين للقرآن الكريم وغناء المطربين وغير ذلك مما يحتاج معه إلى تأهيل وشحذ وتدريب لتقوية الصوت وضبط الأداء.

فالناس عادة ما ينساقون إلى الحديث بسهولة، ولكنهم لا ينساقون إلى الكتابة إلا بصعوبة شديدة. وقد يُـمضي الواحد منا شطرا طويلا من حياته في القراءة وفي الدراسة والتدريس دون أن تتحرك في داخله شهوة التعبير الكتابي، أو يكتشف في نفسه القدرة على التصنيف والتأليف.

وتلك القدرة أو الموهبة كثيرا ما يحجبها الخوف من النقد والتجريح أو المتابعة، أو عدم الرضا عن الذات، أو عدم الرغبة في ترك أي أثر ممتد في حياة الشخص وبعد موته يمكن أن يجعله موضع اتهام أو سوء ظن أو شبهة.

ولقلة الكتاب والمؤلفين والمدونين بين الناس فإن أكثر ما يتحدثون به يضيع في الهواء الذي يتنفسونه، ويـُفتقد في دوامة الحياة اليومية المقلبة قبل أن يضيع نهائيا في غمرة النسيان.

ولحسن الحظ فقد وفرت وسائل التسجيل والتصوير الرقمية الحديثة على الناس إمكانيات لا حصر لها لتخزين المعلومات والمشاهد والذكريات والاحتفاظ بها أطول فترة ممكنة، رغم ما قد يعتريها من عطب وتشويش، أو تلف وخلل.

وتلك الأجهزة التي يصغر حجمها ويتحسن أداؤها وتتضاعف قدرتها يوما بعد يوم، بدأت تحل تدريجيا محل الأقلام والدفاتر، و أخذت توفر على الناس ليس فقط مجهود الكتابة بل حتى مجهود الحديث والكلام أيضا؛ ولذلك تراهم يشاهدون ويطالعون الصور الثابتة والمتحركة أكثر من الحديث والقراءة.

ومما يلاحظ اليوم تضاؤل قدرة التعبير الكتابي والشفوي باستمرار لدى معظم التلاميذ والطلبة بسبب انشغالهم الزائد بتلك الأجهزة التي يحملونها معهم باستمرار, وحتى إلى قاعات الدرس والمدرجات، ويزعجون بضوضائها أساتذتهم وزملاءهم المجدين.

وقد تجد الواحد منهم ضليعا في تحميل أشهر الصور وأحدث النعمات على هاتفه المحمول، وفي وضع برامج القرصنة واختراق مواقع الأنترنت واعتراض البريد الإلكتروني ونهب محتوياته أو تدميره، ولكنه يكون أعجز الناس عن إنشاء جملة صحيحة معبرة ومؤثرة…

وأصعب شيء عليه أن يكتب ابتداء من غير سابق معرفة أو اطلاع، كأن يطلب منه ارتجال حديث، أو اختلاق قصة أو كتابة حوار أو تعبير إنشائي حر…

وألفة الأجهزة الرقمية، على اختلاف أنواعها ورغم وظائفها الحيوية المختصرة للجهد والوقت، بدأت تطغى اليوم كثيرا على ألفة الناس فيما بينهم، بل لقد بدأت تسرق بعضهم من بعض، وتلهي بعضهم عن بعض؛ وأصبح تعلق كثير من الناس بصور نماذج النجوم المصنوعة في السينما وبرامج التلفزيون من ممثلين وممثلات وعارضين وعارضات ورياضيين ورياضيات أكثر من تعلق بعضهم البعض، وأصبح الوقت الذي يمضيه الفرد أمام جهاز التلفزيون أو الحاسوب أكثر من الوقت الذي يفترض أن يخصصه لنفسه ولذويه.
وبدأ البرود الآلي والفتور العاطفي يتسلل تدريجيا إلى النفوس البشرية الشيء الذي يهدد إنسانية الإنسان، ويفرغ محتواها من كل حرارة عاطفية أو نزعة أخلاقية. فهل يتطور الإنسان في اتجاه التنميط الآلي..؟!!

وحتى الأطفال الصغار ما عادت تستهويهم أو تقنعهم حكايات الجدات وسلاسل قصص الأطفال التي أكل عليها الدهر وشرب بقدرما تستهويهم رسوم الأطفال المتحركة والألعاب التفاعلية عبر الأنترنت وأجهزة اللعب الرقمية المثيرة بأشكالها وأحجامها وبأصواتها وحركاتها وألوانها.

وعموما، فقد بدأت جغرافية الصور تزحف على جغرافية الكلام، واختـُـزل جزء كبير من حديث الناس وتاريخهم وواقعهم في الأطياف والألوان ودوائر الكهرباء وشرائح السليكون عوض الحروف والسطور.

وحتى نشرات الأخبار التلفزيونية اليوم، ما عاد لها طعم من غير صور، ولو تعلق الأمر بصور الموت والدم والدمار…!!
وقد تعود المواطنون العرب، منذ سنوات خلت عن احتلال العراق وفلسطين ولبنان، على رؤية بقع الدم وأجزاء الجسد المبتورة الممزقة بالحرب المفروضة من الداخل والخارج وبالعنف البيني والإرهاب المحلي والدولي، حتى وهم على الموائد يزدردون ما لذ من طعام وشراب دون أن تثار مشاعرهم أو تتحرك فيهم ذرة واحدة من حزن أو استنكار أو غضب…!!

وإذن بعد كل ما قدمناه في هذه الورقة الأولى، ما السبيل إلى إعادة الاعتبار إلى الكتابة؟!،
وما هي مقومات الكتابة الناجحة؟!،
وما هو الفرق بين الكتابة الورقية والكتابة الرقمية أو التفاعلية كالمدونات مثلا؟!

عناصر الأجوبة عن هذه الأسئلة هو موضوع الورقة الموالية.

ليست هناك تعليقات: