الأربعاء، 13 فبراير 2008

مراكش وحديث الدراجة الهوائية

كتب يوم الأحد,كانون الأول 10, 2006

رغم تطور وتنوع وسائل النقل والتنقل عبر أحياء مدينة مراكش القديمة والحديثة فإن للدراجة الهوائية ميزة خاصة طبعت واقع المراكشيين ونمط سلوكهم العام، حتى غدت جزء لا يتجزأ من حياتهم العادية على الدوام.

وحيثما كنت في مراكش، فالدراجات الهوائية تحاصرك من كل جانب في كل حي أو زقاق، ولذلك تزدحم بها الطرقات والساحات، وتغص بها مداخل معظم المنازل والعمارات.

وقد اعتادت الشريحة الشعبية البسيطة من المراكشيين التحرك والسعي في حاجاتها بواسطة الدراجة الهوائية منذ عقود خلت، لانبساط أرض مدينتهم انبساطا يجعلها تنساب على الطرقات المراكشية المستوية بأدنى مجهود وبأقل تكلفة. وربما يكون في هذا الانبساط أثر كبير فيما يعرف به المراكشيون عموما من بساطة وفكاهة وانشراح رغم الفقر وقسوة الحياة.

ولا فرق في استعمال الدراجة عند المراكشيين بين طفل أو شاب، أو كهل أو شيخ، أو ذكر أو أنثى، الكل يستعمل الدراجة في حاجاته المختلفة. والكل في مراكش يتقن فن الدوس ويعرف أسرار توازن العجلات، وكأن ذلك جزء من مشيتهم الطبيعية أوحركة من حركاتهم الغريزية الفطرية.

والناس في العادة ينتعلون أحذيتهم الجديدة أو البالية، أما في مراكش فيخيل إليك أن الناس ينتعلون الدراجات الهوائية. أعرف أشخاصا كثرا في مراكش لا يمشون على أقدامهم إلا لماما، لأنهم اعتادوا ركوب الدراجات في معظم الوقت …

وأعتقد أن الدراجات الهوائية فيها ما يشبه النعال. ولا أقصد جانب الشكل, وإنما أقصد الغاية منها والمآل، من لدن أول يوم استعمال، عندما تكون جديدة زاهية براقة، إلى آخر يوم استعمال عندما تتآكل وتتداعى على بعضها البعض إلى أن يُزهد فيها و تـُرمى مع النفايات والأزبال.

لا شك أن إيقاع الحياة الشعبية البسيطة الوديعة في مراكش يختلف كثيرا عن إيقاع مدينة الرباط الإداري الحازم، أو عن إيقاع مدينة الدار البيضاء التجاري السريع المحموم، أو إيقاع مدن الشمال كالشاون أو طنجة أو تطوان التي يندر فيها وجود الدراجة الهوائية بسبب ما فيها من مرتفعات ومنحدرات وتلال …

وزوار مدينة مراكش القادمون إليها من هذه المدن أو غيرها عبر سياراتهم وعرباتهم يجدون فيها إيقاعا مختلفا ترتاح إليه نفوسهم ويستشعرون الفرق، ولكنهم قد يتضايقون أحيانا من حركة الدراجين الذين تعج بهم المدينة، خصوصا عندما يرونهم يجازفون ويراوغون ويتسللون بين السيارات، أو يعبرون من أمامها بغتة من غير إشارة أو إنذار، أو يتكئون على جوانب العربات الواقفة عند إشارات المرورالحمراء، أو يتعلقون بها، عند السير، من الخلف…

ولا أحد من السائقين يستطيع أن يتوقع مناورات أصحاب الدراجات عند الانعطاف يمينا أو يسارا، أو حتى عند التوقف المفاجئ، وخاصة عندما تمتلئ الشوارع والأزقة بقوافل الدراجين المختلطة والمختلفة، من التلاميذ والعمال والموظفين البسطاء والمياومين، في أوقات الدخول والخروج الصباحية والمسائية.

غير أن المراكشيين لا يجدون مشقة كبيرة في ضبط حركة سياراتهم على إيقاع سير الدراجات التي تطوقهم من كل جانب وفي كل اتجاه، أما الزوار والغرباء فيجدون صعوبة كبيرة في ذلك.
وكثير منهم يفضل ركن سيارته جانبا وركوب سيارة الأجرة تهيبا من حركة ومناورات الدراجين الفوضوية. وقد يضطر، هو الآخر، إلى استئجار دراجة عادية أو هوائية من محلات كراء الدراجات الكثيرة بمراكش، ولو على سبيل المغامرة والتجريب. وفي بعض الأحوال، قد لا يجد حلا مناسبا لتنقله على وجه الكمال والتمام فيُضطر إلى السير على الأقدام.

ليست هناك تعليقات: