الجمعة، 15 فبراير 2008

مرض الرؤساء عندنا: حقيقة أم أسطورة

كتب يوم الثلاثاء,تشرين الأول 30, 2007

هناك مفارقات كثيرة بين عالمنا العربي والغربي في الثقافة والتاريخ والأدب، وفي السلوك والعادات والطباع….
ومن أغرب هذه المفارقات وأعجبها ما يحاك من نوادر وقصاصات إخبارية حول مرض الرؤساء في بلادنا وبلاد الغرب قديما وحديثا.

وقد يُخيل للمرء أن الزعيم والحاكم عندنا من طينة غير طينة البشر؛ وكأنه تارة، منسوج من حديد صلب مكثف، و تارة أخرى من أثير خفيف شفاف.
إنه الحد الأقصى بين اللين والصلابة، وبين الرحمة والسطوة؛ فهو إذا مشى بيننا على الأرض لا يمشي إلا في موكب عريض يحلق به فوقنا جميعا كجناح الطائر أو كالنسيم العليل الذي ينعش الوجوه الناظرة المنتظرة المتسمرة في الحر والقر على جوانب الطرقات والممرات التي تتشرف بعبور موكب قائدنا وزعيمنا، وإذا أطل علينا من شرفة منبرية عالية أو من وراء زجاج الشاشات التلفزيونية فإنما ليقول بملء شدقيه وأعلى صوته: ( هاأنذا في أتم صحة وعافية )، وأن وطأة قدمي كالحديد تتزلزل من تحتها الأرض وتتداعى لها الحيطان الصماء رهبة أو رغبة.

فظهور الحاكم عندنا دلالة وجود على قوة الزعيم الموجود الذي لا يمكن أن تنازعه قوة… ولو تعلق الأمر بقوة المرض الفتاك، أو بداهية من دواهي القدر التي لا تملك لها أجساد الرعية الباقية أو من بقيتها المقدودة من عظام واهية جوعا وخصاصة أدنى رد أو مقاومة.

وفي تراثنا الثقافي والشعبي أساطير وخرافات كثيرة تظهر زعماءنا وقادتنا أبطالا سرمديين لا يملون من الحرب والنزال، ولا يغادرون صهوات الجياد، ولا يضعون السيوف في أغمادها إلا عندما يجلسون إلى موائد الطعام ليزدردوا ما لذ وطاب من ألوان الطعام والشراب المخصوصة، أو عندما يدخلون مملكة الحريم وتحف بهم السرايا والجواري الحسان …

ويرسم المِخيال الشعبي العربي صورة مضخمة للزعيم والقائد العربي تجعل منه أسدا هصورا تهاب سطوته ويخشى الاقتراب من عرينه، أو حتى مجرد الحديث عنه في السر والعلن. فللحيطان آذان كما كان يقال لنا في الصغر عندما كنا نتلعثم بالكلام في السياسة.

أما ونحن نعيش الآن عصر العلم والإعلام الذي رفع شعار: (الحقيقة والفضيحة ملك للجميع…!!)، فإننا قد نستغرب من الحصار المطبق الذي فرض بقوة القمع على الخوض في صحة الرئيس المصري حسني مبارك. حتى لقد غطى خبر المنع هذا على مرض الرئيس نفسه، وصار الحديث عن مصير الصحفيين الذين سربوا خبر مرضه مقدما عن قصة المرض برمتها، ولاكتِ الخبرَ ألسنةُ الناس في العالم، بين مصدق ومكذب، حتى صار مستهجنا ممجوجا ….!!

يحدث هذا عندنا تماما، في الوقت الذي يظهر فيه الرئيس الفنزويلي تشافيز على التلفزيون الواضح، ليتهم غريمه السيد جورج بوش بمرض الجنون.

ويحدث هذا أيضا في نفس الوقت الذي يظهر فيه الزعيم الإسرائيلي أولمرت أمام العالم كاشفا، بصراحة ووضوح غير معهودين في بيئة حكامنا العربية، عن المرض الخبيث الذي ألم به، مستنتجا كل الدروس والعبر من مصاب سلفه شارون الذي حلت به الجلطة الدماغية وأدخلته في جحيم غيبوبة لم يفق منها بعد إلى وقت كتابة هذه السطور.

إنها فعلا مفارقة عجيبة في عصرامتلأ بثمار التكنلوجيا وبنفعها الوفير الذي أماط اللثام عن أساطير زعمائنا وأوهامهم التي لم تعد تجد لها عشا من قش حتى في عقول العصافير.

ليست هناك تعليقات: