السبت، 16 فبراير 2008

حكايات هامشية 1

كتب في يناير 29, 2008

الحلقة الأولى: خواطر وأوراق مختلطة.

لأول مرة سأجرب عبر كلماتي العابرة حظي العاثر في كتابة حكاية خيالية واحدة بعد كل هذا الكلام الواقعي المعقول والجاد الذي قلته على مدار عامين كاملين أو يزيد قليلا من الكتابة والتدوين.

صراحة أخشى أن أجوب لوحدي داخل مملكة الخيال السردي الآسرة العجيبة، وليس معي إلا خواطري المشتتة وذكرياتي البعيدة التي تلوح لي في نهاية الأفق البعيد كلمع سراب خادع أو كرقع مختطلة الأحجام شاحبة الألوان والتفاصيل على قميص درويش مجدوب لا له ولا عليه، منزو على عتبة ضريح بعيد متوار خلف التلال والجبال يطلب الدفء من خيوط الشمس اللذيذة في صبيحة نهار بارد لجسمه وقمله الذي يسكن بين جوانحه وثيابه الرثة، ويلتمس كثيرا من الراحة والسلامة لنفسه بعد أن يئس وتعب من صلاح الناس كافة.

سأحاول أن أنسج هذا القميص السردي ( نسبة إلى السرديات، بمفهوم الحكي، وليس إلى نوع الخروف المعروف كبش الفداء والتضحية، بالمفهوم المتداول عند المغاربة عند حلول العيد الكبير ) مما تبقي لي من رقع الخواطر والذكريات, لكن على مقاسي الخاص وليس على مقاس يوسف أو عثمان أو علي أو أي مشرد أو مطرود أو ذبيح أو مظلوم أو ضحية من ضحايا عالمنا القديم والجديد.

وأنا هنا في هذه الفسحة الافتراضية لا أعرض هذا القميص هنا للمتاجرة والمزايدة العلنية أو السرية ما دمت حيا, ولا أرجو من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، ولا أستجدي إطراء أو تعليقا، وإنما فقط للإمتاع والمؤانسة على حد قول أستاذنا وشيخنا الجليل المغبون في حظه وبخته أبي حيان التوحيدي، وربما، إذا أسعفني التوفيق والحظ، لقليل من الفائدة والمغزى.

وإن كنت أعلم علما يكاد يقترب من اليقين، أن زمن المغزى وما يدور في فلكه من عبرة ونصيحة قد ولى أدراجه، وأنه قد استبدل في عصرنا بمفاهيم أكثر واقعية ومصداقية وإن بدت في إهاب المكر والدهاء أو حملت على أساطيل القهر وبوارج التسلط ومجنزرات الدهم والغزو. وهذا على حد قول من يعتقد بفكرة البقاء للأصلح. وقد كان من الأولى أن يصححوا عبارتهم ويقولوا: البقاء للأدهى والأقوى؛ فمن لم يكن ذئبا محتالا لضعفه في أسوأ الأحوال داهمته وأكلته الأسود على حين انتباه أوغفلة.

فلا مغزى في عصرنا هذا أصدق من طلقة مسدس أو مدفع أو رشاش، أو التلويح، من بعيد، بقنبلة نووية تلوي الأعناق ويذعن لها جبابرة الحكام قبل سائر الخلق، أما لغة السلام والاستسلام فهي أقرب ما تكون إلى صراخ الديك الذبيح، وثغاء النعجة المستكين عند الانبطاح ليركبها فحل الذكور أو رأس القطيع.

ولذلك فمدلول المغزى ما عاد يساوي قدر بصلة عفنة بعد أن كان يساوي قدر جمل أو أكثر في الزمن البشري النبيل.

ثم، بالله عليكم، ماذا يمكن أن تضيف حكايتي الخيالية المسكينة هذه إلى جانب حكايات مسلسلات أمريكا التي أذعنت لبهرج كلامها المزين بألوان كهرباء (لاس فيكاس) الأفهام والعقول، وأتت بفعلها الذميم على الحرث والنسل.

فمن عاد الآن يصدق الكلام أو يثق فيه؛ لقد أفسد علينا طغاة وجبابرة هذا العصر لعبة فن الكلام وسحره.

وهذا جورج بوش الذي جر على أوطاننا كل أصناف البؤس والنحس له في كل يوم من الكلام لون وصنف.
لكن، من منا ومن كل العالم يصدق كلامه المزخرف بالوعود الكاذبة المعسولة (دابا نسقيك يالكمون)، كما نقول نحن المغاربة في كلامنا الدارج.

وهذه أفعال بوش ومن في زمرته وعصابته تكذب في كل يوم أقواله وأقوالهم.
فأقوال بوش وأفعاله خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيان حتى بالمفهوم الرياضي الهندسي الواسع، فكيف يجتمعان على أرض الواقع الضيقة المحدودة بالقهر والحصار والاستعمار في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، وفي كل بقعة أرض يطأها بأقدامه وبعسكره وبقضه وقضيضه. وهذا ما يصدق عليه بالحرف الواحد قول إخواننا المصرين:( اسمع كلامك اصدقك، أشوف امورك استعجب.. !!

دعنا من بوش وشره وليذهب مع أقواله وأفعاله إلى الجحيم، ولنبدأ حكايتنا الخاصة من بداية البداية.
وهذا هو موضوع الحلقة الموالية

ليست هناك تعليقات: