الجمعة، 15 فبراير 2008

العَـرَّاب

كتب يوم السبت,تشرين الثاني 24, 2007

(العرَّاب) كلمة حديثة في التداول اللغوي العربي المعاصر.
وقد رجعت إلى بعض معاجم اللغة العربية المعتمدة فلم أقف على أي أثر يمكن أن تكون له علاقة قريبة أو بعيدة بمفهومها المتداول اليوم الذي يفيد معنى:( الأب الروحي)، كما تشير إلى ذلك كلمة:( the Godfather) في اللغة الإنجليزية، أو كلمة: ( le Parrain) في اللغة الفرنسية.

ولعل أو ضح مثال يمكن أن ندرجه في هذا السياق عنوان الرواية المشهورة للروائي الأمريكي ماريو بوزو ( العرَّاب) التي تحولت إلى شريط سينمائي متفرد في تاريخ السينما العالمية بطريقة تمثيله وإخراجه المبهر على يد أحد عمالقة الإخراج السينمائي الهوليودي وهو فرانسيس كوبولا. والمسافة الفاصلة بين تاريخ كتابة تلك الرواية المشهورة سنة 1968، وتاريخ إخراجه سنة 1972 لا تتجاوز أربع سنوات…

وأنا لا أقصد، بعد هذه المقدمة الفنية المختزلة، أن أتحدث عن تفاصيل قصة (العرُّاب) في الرواية الغربية، ولا عن أحداث الشريط السينمائي المشهور الذي يحمل العنوان ذاته، ولا عن شخصية (الأب الروحي) في الثقافة الغربية، أو حتى في كثير من المسلسلات التلفزيونية المكسيكية أو البرازيلية التي نادرا ما تخلو من شخصية (العرَّاب) وهو الشخص المتعهد الذي يحل محل الأب الحقيقي في تربية الطفل اليتيم أو المتخلى عنه. وهذا الطفل سرعان ما يتحول في تلك المسلسلات الطويلة إلى بطل يشار إليه بالبنان في الجاه والجمال.
وإنما أريد هنا، أن أتحدث عن بعض تداعيات استعمالات هذه الكلمة في حياتنا العربية المعاصرة.

ومن أهم وأنسب السياقات التي تـُقحم فيها كلمة (العرَّاب) الوافدة على لغتنا حديثا السياق السياسي، حيث يجري الحديث اليوم بشكل عادي مألوف عن (عرَّابي) المؤتمرات السياسية والمفاوضات العربية البينية والدولية.

وبما أن الخلافات العربية البينية أكثر وأعقد بكثير من كل الخلافات الخارجية مع كل عدو أو صديق، فقد وجدت الحكومات العربية نفسها أحوج ما تكون إلى شخصية ( العرَّاب) السحرية لتقريب ما تباعد بينها من مسافات، وتوحيد ما اختلف بينها من أهداف وتوجهات. ومهما كانت قيمة تلك الأهداف والتوجهات في رأي أصحابها أو في رأي من قاموا بإملائها فإنها تظل، في الغالب الأعم، أبعد ما تكون عن مصالح وتطلعات شعوبها .

و(عرَّاب) العرب هذا شخصية هلامية لا شكل لها ولا لون ولا ملامح، وإنما تتلبس الواقع السياسي العربي، في كل مرة، بحسب ما يـُراد له أن يكون، لا بحسب ما ينبغي أن يكون.

وفي هذه الأيام التي تسبق لقاء (أنابوليس) المرتقب ( للسلام ) على الأرض الأمريكية، تجري المفاوضات على قدم وساق بين الشخصيات العربية المنتدبة لأداء دور العراب هذا. وقد تعاون على أداء هذا الدور، في هذه المرة، كل من الرئيس المصري والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني لتسخين الأجواء وتهيئة الظروف المناسبة لمزيد من التنازلات العربية المرتقبة.

ويبدو أن دور العراب بالمفهموم السياسي العربي اليوم يكاد يختزل في نزع الإرادة العربية ممن يملك بعض الشجاعة على الاعتراض والممانعة وقول كلمة: لا في وجه إسرائيل المتصهينة وحليفتها القوية أمريكا الراعي الأكبر لمجمل المخاضات السياسية العربية العسيرة التي تعودت على العمليات القيصرية الدموية الشاقة، وافتقدت طعم الولادات الطبيعية منذ زمان بعيد…

ليست هناك تعليقات: