السبت، 16 فبراير 2008

عام آخر على تجربتي في التدوين 2

كتب يوم الجمعة,كانون الأول 14, 2007

في مثل هذا اليوم الموافق للرابع عشر من ديسمبر(كانون الأول) من عام 2005 انطلقت هذه المدونة التي أطلقت عليها اسم (كلمات عابرة)، لتقطع حتى هذه اللحظة مسافة عامين كاملين.

وعند نهاية هذين العامين القصيرين من رحلتي المتواضعة في التدوين، وبعد أن راجعت محتويات هذه المدونة العديدة أدركت أنني قد كبرت فوق العامين أعواما وعقودا.

فكل يوم نكتب فيه أو عنه هو ربح معنوي مضاعف لنا، لأن الهدف من كل كتابة أو تدوين، كما أوضحت سابقا في الفئة المخصصة لقضايا التدوين، هو القدرة على التحكم في الزمان وتقييد حركته بين دفتي كتاب لتتصفحه جميع الأيادي أو على صفحة حاسوب متوهجة لتتطلع إليه كل العيون.

لا كرم في هذا العصر الذي طغت فيه الماديات والكماليات أنفع من كلمات صادقة مضيئة نرسلها بسخاء عبر السماوات الافتراضية المفتوحة ليتلقفها من شاء.

فالعمر الحقيقي للآدميين هو ذاك العمر المعنوي الذي يتناسل وينمو عبر ما يفرزه الفكر وما تخطه أو تنجزه الأنامل ليبقى، لا ذاك العمر العضوي الجسدي المحكوم بسجن الأرض المحدود بالقهر البشري وبجور الطبيعة وبضيق ذات اليد، ليتقلص تدريجيا في صمت قبل أن يفنى ويطوى.

ميزة التدوين في عصرنا هذا أنه صار أسهل وسيلة لكل المعوزين والمعدمين والفقراء والمحبطين في عالمنا العربي كما في العالم كله، إن أرادوا أن يسمعوا صوتهم، ويصلوا حياتهم المادية الزائلة بحياتهم الفكرية المعنوية الباقية، حيث يمكن أن تنقدح العقول بالعقول، وتتحد الأرواح بالأرواح فيما يشبه حالة تعاقد افتراضي جديد لا تحكمه النزعات والأهواء، ولا تكدر صفوه الأطماع والرغبات.

وكنت سابقا قد أطلقت صيحة مدوية مبكرة شاملة إلى جميع الشعوب العربية لتنتهز هذه الفرصة التي أتيحت لنا من أبواب السماوات الافتراضية، لتسجل حضورها المعنوي الخاص على الشبكة العنكبوتية، بعد أن ظل هذا الحضور المعنوي عبر تاريخنا العربي المجيد حكرا على أصحاب السلطة والسطوة والجاه ومن أحاط بهم من الأجراء والمداحين وبائعي الذمم.

ولهذا السبب تبدو لي حالة التدوين العربي، في بعض الأحيان، كنوع من رد الفعل على فعل آخر فيما يشبه رد الكيل، أو الرغبة الشديدة في التشفي والانتقام من هذا المستبد العربي الذي كان ولا يزال يقف على رؤوسنا ومعه سيف وجلاد وجارية، أو حفنة دراهم لامعة.

الله وحده يعلم كم عدد الأيادي التي امتدت بالخير والحسنى إلى هذا الموقع الأثيري الذي أسكنت فيه كلماتي العابرة منذ سنتين، والله وحده يعلم سر العيون التي نظرت وتطلعت إلى زوايا بيتي الافتراضي هذا المعلق بين السماء والأرض.

ومهما حاول كل مدون من جهد، لتتبع حركة الزوار والقراء الوافدين على بيته الافتراضي، ولإحصاء عددهم، وتحديد أماكن بلدانهم أو مدنهم وقراهم كأشخاص ماديين فإنه لا يستطيع أن يحدد دوافعهم ونواياهم كأشخاص معنويين محكومين بالدوافع الإنسانية النبيلة الباقية، وربما حتى بالغرائز البهيمية الآنية التي قد يكون منها التحرش أوالفضول أو حتى العبث والتخريب.

ومرور الزوار الافتراضيين العابرين بالبيوت الافتراضية التي يكون بناؤها من حرف أو صورة أو صوت قد لا يختلف كثيرا عن مرورنا بالبيوت الحقيقية التي يكون أصلها من حجارة وحديد وإسمنت؛ فمن المرور ما يكون بحكم الصدفة، ومنه ما يكون بحكم الجوار والألفة، ومنه ما يكون للإعجاب والإدهاش بسبب الإفراط في التنميق والزخرفة.

اليوم، وبعد أن تكدس البناء على البناء في عالم الحقيقة، جاء الدور على واقعنا الافتراضي لتتكدس المواقع على المواقع والمنتديات على المنتديات والمدونات على المدونات فيما يشبه وفرة الطعام التي قد تصيبنا بالحيرة أو بالتخمة.

ولنا في واقع (عالم مدونات مكتوب) الذي أنتسب إليه خير مثال لدراسة حالة التدوين العربي التي صارت أشبه ما تكون بمجسم صغير لحالة الوطن العربي الكبرى؛ حالة لا زالت تتردد بين اقتصاد متعثر وأزمات سياسية وثقافية خانقة، وتصدعات كبيرة على وقع الهزات المتلاحقة على أرض فلسطين ولبنان والعراق التي يرتعش لها الوجدان العربي في كل يوم خوفا وإشفاقا على حالة الاستنزاف العربية المزمنة المستعصية.

أو لسنا على بعد أسبوع واحد فقط من عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات، ثم ألسنا على بعد أسبوعين فقط أيضا من الذكرى المشؤومة لإعدام صدام حسين؟؟ !!

هذه الحالة العربية الراهنة المترددة على الدوام بين فرح وترح، وبين نكبة ونكسة، وبين إعدام واغتيال، وبين تفجير وتفجير، وبين نعيم للأقلية وشقاء للأكثرية وبين بين… هي التي تلقي بظلالها الكثيفة علي وعي ولاوعي كل المدونين الأصلاء إلى درجة أنه قد تتعطل لدينا أحيانا، القدرة على الكلام وحتى على التنعم بشهوة الطعام، وقد تحبس أنفاسنا وتجعلنا نضع أيدينا على صدورنا من الخوف والوجل كلما همنا بضبط مؤشر التلفزيون على نشرات أخبارنا العربية.

ليست هناك تعليقات: