الخميس، 14 فبراير 2008

فن التعليق على المدونات

كتب يوم الأربعاء,كانون الأول 20, 2006

ميزة التدوين الافتراضي أنه مشروع مشترك مفتوح على الدوام بين المدونين أنفسهم من جهة، وبين قرائهم وزوارهم العابرين والعائدين في كل مرة من جهة ثانية.

ولاشك أن التعليق خميرة التدوين التي تعد بالعطاءات المتجددة، وإشارة تنبيه وأمان للمدون تحفظ له تماسكه وتوازنه عند مروره بأحد منعطفات التدوين الحادة.

فكما يمكن للمدون أن يفتح شهية قارئه ويحفزه على التعليق، يمكن للمعلق أيضا أن يضع علامات مضيئة في طريق المدون، فيكون له رائدا وملهما. فقد يتأتى لكثير من التدوينات التالية أن تتولد من رحم بعض التعليقات السالفة.
وعلى هذا، تكون التدوينات وتعليقاتها في حالة تزاوج مستمرة، بدل أن تظل الواحدة منهما محايدة أو عقيمة.

وكما كنت سابقا معنيا بالحديث عن حركة الكتابة الافتراضية والمدونات العربية أجد نفسي اليوم معنيا أكثر بالحديث عن تعليقاتها المرافقة والمصاحبة، سواء من حيث طبيعتها المعلومة والمجهولة، أومن حيث مضمونها وطريقة صياغتها الأسلوبية، أومن حيث دوافعها وخلفياتها المعرفية أو الانفعالية أو الإستراتيجية أو المذهبية.

فللمدون الحق الكامل أن يقول ما لديه، ولكن عليه في نفس الوقت أن يتقبل ما يقال من خلال التعليقات الواردة في حقه أو عليه.

والتفاوت أمر طبيعي بين إدراج وإدراج آخر داخل المدونة الواحدة، وبين مدونة ومدونة أخرى عند المقارنة والمقايسة؛ فلا يعقل أن يستمر المدونون دائما على نفس الإيقاع والوتيرة. فمن منا لا يعتريه الخلل في حياته العادية ولا يتطرق إليه الملل والنكد. فالمدونون كالبحر في حركة متقلبة بين جزر ومد.
وما يقال عن المدونات في هذا الشأن يمكن أن يقال عن التعليقات وأصحابها أيضا، من حيث الاختلافات والتقلبات.

وربما ذهب بعض المدونين عكس ما أذهب وأرمي إليه، وخاصة عند من يعتبر وجود التعليق كعدمه، أو ممن يسكنون في بروجهم التدوينية العاجية العالية ويعتقدون أنهم قد بلغوا الكمال وحدود الكلام النهائي الذي لا يحتاج إلى تعليق أو ملام، ولذلك فهم لا يجدون أي حرج في الإعراض عن زوارهم المعلقين، ولا يردون تحية من يخطب ودهم بمثلها أو حتى بأقل منها.

ولذلك يحتاج المدون أن يلتفت إلى زواره وضيوفه ما وسعه الوقت والجهد، فيعقب على تعليقاتهم بما يراه مناسبا وضروريا. فالكرم الحقيقي عند العرب لا يعني تقديم الطعام فقط، وإنما الكرم الحقيقي هو الإقبال على الضيف بالحنو وإتحافه بحلو الكلام، وكما أن التدوينات يجذب بعضها بعضا فكذلك التعاليق النبيهة الرزينة يجذب بعضها بعضا. وقد لا يقل أثرها وإشعاعها عن أثر وإشعاع التدوينات نفسها. وإذا تكامل مجهود المدونين ومجهود المعلقين على وجه الصواب والإفادة كان ذلك تمام التمام وغاية الكمال.

ووجود التعليق عند ذيل التدوينة لا يعني تأخره أو تخلفه عنها في القيمة بأي حال من الأحوال.
وكتابة التعليق ككتابة التدوينة لها مهاراتها الخاصة وطقوسها وآدابها وقواعدها العامة، قد نعرض لها في إدراج لاحق.

والملاحظ ، من خلال جرد أولي للتعليقات الواردة على مدونات (مكتوب) خصوصا والمدونات العربية عموما، أن أكثر الإخوة المدونين والزوار يستهينون بقواعد التعليق، وقد لا يعملون بالحد الأدنى من شروطه وآدابه، ربما لأنهم يعتبرون التعليق من ملحقات التدوين وزوائده.

نقول هذا رغم أن أكثر المدونين يعلقون آمالهم العريضة على تعليقات الزوار، كما أن أكثر الزوار يعلقون آمالهم على جهود المدونين. وقد تجد فئة خاصة من المدونين منشغلة بتفقد التعليقات الواردة أكثر من انشغالها بأمر المراجعة والبحث عن الموضوعات المناسبة الجديدة.

وربما قد يكون همها الوحيد منصرفا إلى جلب أكبر عدد ممكن من الزيارات والتعليقات، ولو سلكت في سبيل تحقيق ذلك طرقا ملتوية من الغش والتحايل والتدليس، كما أوضحنا سابقا، وكما نبه إلى ذلك كثير من الإخوة المدونين الغيورين على سمعة التدوين والتعليق معا.

وما أراه شخصيا أن معادلة التدوين والتعليق في واقعنا العربي الافتراضي شبيهة بمعادلة واقعنا الحقيقي الموبوء بأمراض الفساد والنفاق والرياء والمحسوبية والعلاقات الزبونية. ولذلك فهي أحوج ما تكون إلى التصويب والتصحيح.

وأنا هنا لست في موقع الهجوم على أحد من الإخوة المدونين أو المعلقين، وإنما فقط أرجو أن تكون تلك المعادلة معادلة مضبوطة ومستقيمة والتي مفادها البسيط وضع التعليق المناسب في السياق المناسب.

وإذن، ما هو السبيل إلى الرفع من جودة التدوين العربي والتعليق المصاحب له، حتى لا يبدو ذلك التعليق نشازا أو تشويشا ؟!!

وما هو السبيل أيضا إلى إعادة الاعتبار إلى بعض المدونات الجيدة العصامية التي تعمل بصبر وتشتغل في صمت بعيدا عن الضجيج والتهريج والغوغائية. وربما يكون عيبها الوحيد أنها تخلو من التعليق المفيد؟؟!!

ليست هناك تعليقات: