السبت، 16 فبراير 2008

التدوين العربي بين الصحافة والإعلام

كتب في يناير 15, 2008

كان توجه الكتاب العرب نحو الصحافة خلال القرن الماضي، بل ومنذ فجر النهضة العربية قبيل نهاية القرن التاسع عشر، أكبر فرصة مبكرة أتيحت لهم لإثبات الذات والشهرة.

وقد ارتبطت أسماء كثير من رواد الأدب والشعر والقصة والمسرح والسياسة في ذلك الزمن بالعمل الصحفي والإعلامي والاحتكاك به في القرب أو البعد، لما للصحافة من انتشار كبير في أوساط القراء على اختلاف مستوياتهم واهتماماتهم وأذواقهم.

وكانت متابعة الصحف والجرائد العتيدة في ذلك الوقت، كما اليوم فيما يعبر عنه ب (السبق الصحافي)، تسمح بالاطلاع على بواكير أعمال كبار الكتاب والأدباء والشعراء قبل أن يجمعها أصحابها أو المهتمون بها ويخرجوها مرة تلو أخرى في طبعات أنيقة منقحة كلما نفدت أعدادها السابقة من سوق القراءة.

وكلنا نعلم أيضا أن عشاق عميد الأدب المرحوم طه حسين المعاصرين له قد استمتعوا بأحاديثه الأدبية الشيقة عبر المذياع قبل أن تطبع في كتاب مشهور مستقل تحت عنوان ( حديث الأربعاء).

ونفس الأمر ينطبق على محبي شعر محمود درويش الذين يروق لهم أن يستمتعوا بتسجيلاته الصوتية، أوبطريقة إنشاده في الملتقيات الأدبية الدافئة التي تلهب حماسهم ومشاعرهم ليسارعوا، بمزيد من الوعي وربما حتى من غير شعور وبسبب الحماسة الزائدة، إلى اقتناء نسخة واحدة أو أكثر من دواوينه المطبوعة.

ولا زالت الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية التي تطورت كثيرا في أيامنا هذه، تقوم بنفس الأدوار السابقة من حيث الترويج والتسويق للكتب والأعمال والأبحاث والمخترعات والأسماء والشخصيات والمشاهير والنجوم في مجال الفن والدراما والرياضة والطبخ والتجميل والغناء والرقص والخلاعة والتنجيم والشعودة وطب الأعشاب فضلا عن الدعاة من الشيوخ التقليديين ذوي العمائم والوجوه المتجهمة القاسية والدعاة الجدد من الشباب والكهول أصحاب البدل الأنيقة والوجوه البشوشة المبتسمة.

ومن هذا المنطلق الذي شرحناه يمكن أيضا أن نفهم سر التقارب المتزايد بين التدوين والصحافة في الآونة الأخيرة. وهو تقارب يمكن أن نرصده من جهتين:

من جهة تزايد إقبال منابر الإعلام المختلفة على متابعة حركة التدوين العربي والتعريف بها وملاحقة قضاياها السياسية والحقوقية والأخلاقية.

ومن جهة التحاق كثير من المدونين للكتابة ببعض الجرائد الورقية أو الإلكترونية؛ بل إن من المدونين من تخلى عن مدونته الأولى لينشئ بمجهوده الخاص أو بمجهود مشترك مجلة ورقية أو إلكترونية مستقلة.

وهذا في نفس الوقت الذي يزداد فيه تكتل عمل كثير من المدونين في حركات أو تجمعات أو هيئات للم جهود المدونين العرب المشتتة، كما الواقع العربي العام. وقد بدأت صيحاتهم تتعالى أكثر من أي وقت سابق من أجل صيانة عمل التدوين من الانزلاق والتردي في مهاوي السخافة والابتذال بوضع قوانين تنظيمية تحدد حقوق المدونين وواجباتهم وصياغة مواثيق شرف أو عمل أشبه ما تكون بدفتر تحملات الخاص بالشركات والمقاولات.
وتدل كل هذه المساعي في صفوف كثير من المدونين المناضلين على ازدياد الوعي بقيمة العمل التدويني الجاد الملتزم الذي يجدر به هو الآخر أن يحظى بالاعتراف وبالمكانة التي ينبغي أن تليق به في نظر الرأي الخاص والعام، وفي نظر وسائل الإعلام التي قد لا يهمها من التدوين إلا الشق السياسي والأخلاقي الذي قد يتحول إلى نزاع قانوني بين المدون والسلطة إذا ما تجاوز الخطوط السياسية الحمراء المرسومة، أو إلى خلاف بين المدون والمجتمع إذا ما تعلق الأمر بخدش الحياء العام أو التشهير أو التحريض على الفتنة والغواية.

ولكن، ينبغي أن لا ننسى، في هذا السياق، أن معظم المدونين القدامى والجدد قد قدموا إلى عوالم التدوين بمبادرة شخصية حرة وربما بمحض الصدفة.

ومن ثمة، فإن المدون يبقى هو الوحيد المسؤول عن مدونته وهو الوحيد الذي يملك حق التصرف في مسارها ومآلها؛ فله أن يدرج فيها ما شاء ومتى شاء في حدود المقبول والمعقول، وله أن يتخلى عنها متى شاء أو يحذف منها ما شاء.

والمدونة بالنسبة للمدون، وفي نظري الخاص كما أوضحت ذلك في عدة مناسبات، مشروع تنقيبي مفتوح على الدوام في دواخل نفسية المدون وذهنيته ولواعجه، ولذلك فأنا أفضل أن تبقى المدونة نابضة بحس صاحبها ودالة على تطور منحاه الفكري ووجدانه الداخلي تجاه الواقع القريب المحيط به وتجاه العالم بدل أن تتحول إلى معرض خارجي للصور أو نشرة يومية عادية للأخبار والأحداث، أو سردا للطرائف والمسليات والتوافه المثيرة التي تبقى مع الأسف هي الشغل الشاغل لمعظم العرب الذين يرتادون العوالم الافتراضية، كما تدل على ذلك مدخلات الكلمات العربية لمحرك كوكل العملاق.

ومع الأسف فأنا أقرا كثيرا من المدونات العربية ولا أجد فيها آثارا واضحة تدل على شخصية أصحابها إذا ما استثنينا جهد التوضيب والتنسيق.
ورغم التنامي المتصاعد لمدونات الأخبار والمنوعات التي تتصيد موادها من قناتي العربية أو الجزيرة ومن وكالات الأنباء المحلية والدولية، أو حتى من بعض جرائد الرصيف التي تنشر كل ما هب ودب من القصاصات وأخبار السوق والحواري فهي تبقى في الحد الأدنى نوعا من التطفل على موائد الصحف والجرائد الصفراء الرخيصة وفي الحد الأقصى نسخة باهتة لبعض المنابر الورقية أو الإلكترونية المتميزة.

ولو كان في وسع كل من يملك حسابا بريديا عاديا أن ينشئ مدونة لتضاعف عدد المدونات العربية مرتين أو أكثر، وهذا ما قد يجعل من أحكامنا على التدوين العربي حتى اليوم مجرد انطباعات وأفكار واقتراحات أولية في انتظار أن يكتمل النصاب العام.

ليست هناك تعليقات: