الجمعة، 15 فبراير 2008

عالم مغشوش

كتب يوم الأحد,تشرين الأول 28, 2007

أصبح طوفان المنتجات الصناعية المستوردة والمهربة التي تغرق أسواقنا ومتاجرنا مشكلا في حد ذاته. ومع أن العرض كثير وفوق الطلب فإن الجيد منه قليل، بل يمكن أن يعد في حكم النادر.

وقد تبدو الوفرة مظهرا من مظاهر الرخاء، خاصة إذا كانت أسعار تلك المنتجات متدنية وفي متناول الشرائح الوسطى والدنيا من مجتمعنا. غير أن المشكلة هنا،لا تكمن فقط في وفرة المُنتجات المغشوشة بالقياس إلى الأصيلة، ولا في صانعها ولا في مستوردها، ولا في بائعها بالجملة أو التقسيط، ولا في الوسطاء والسماسرة المتعددين.

بل الطامة الكبرى تكمن في المستهلك المغربي البسيط نفسه،لأنه لا يملك أية خبرة، ولا أدنى معرفة بطبيعة المنتج واستعماله الصحيح، فضلا عن معايير جودة الإنتاج الدولية المطبقة بشكل صارم في قليل من الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها، وتحافظ على سلامة جيوبهم وأجسامهم وعقولهم من الاختراق والانتهاك.

وهكذا يصبح المواطن المغربي المغلوب على أمره هو الخاسر الأكبر في هذه العملية، وهو الوحيد الذي يتخبط ويغرق في طوفان السلع المغشوشة دون أن يجد من يرشده أو يدله، أو يلقي إليه بطوق النجاة في هذا الخضم التجاري الموبوء بالعلل والأمراض الصناعية والتجارية.

وعلى هذا فإن المستهلك العادي هو من يؤدي في النهاية ثمن الفرق الوهمي القائم بين حدي الجودة والرداءة.
وهذا الثمن المستخلص من جهل المستهلك البسيط، ومن حر ماله الذي أفنى فيه زهرة عمره وزينة شبابه هو الذي يصب خبثا وسحتا في جيوب السماسرة والمهربين والوسطاء التجاريين، وحتى بعض الأمناء والمراقبين والمحتسبين المحسوبين على أجهزة الدولة أوعلى غرفها التجارية والصناعية.

ولك أن تجرب مثلا شراء صنبور ماء عادي من أي متجر أو متعهد أو وكيل تجاري، فإن أول نسخة تُعرض عليك تكون من النوع الرديء جدا، وإذا أظهرت من جانبك ممانعة أو اعتراضا، أو لاحت عليك بعض سِمات المعرفة بالعيوب الصناعية قُدمت لك نسخة أخرى ثانية أو ثالثة … حتى تأتيك في النهاية وبعد جهد ومكابرة النسخة الأصيلة المخزنة في الرفوف الداخلية المتوارية.

ونفس الأمر قد ينطبق على مسمار يلين عند أخف ضربة، أو بُرغي يتلف عند أول استعمال، أو حتى على شريحة من الشرائح الإلكترونية الذكية أو الغبية التي تتعطل عند أدنى تماس للخيوط الكهربائية….

فعدم تقديم المنتجات الأصلية إلى الزبون من أول وهلة علامة قوية على التدليس والغش والاحتكار، إن لم يُبع الرديء منها بنفس قيمة الجيد،( والله يجعل الغفلة بين البايع والشاري)، كما نقول نحن المغاربة في كلامنا الدارج.

وهكذا يتفاقم ظلم المستهلك ماديا ومعنويا مع التجار المحتكرين ومع كثير من الوسطاء الخبثاء المُدلسين بسبب جهله وانعدام خبرته فلا يجني إلا الخيبة والحسرة على ما ضيعه، أو بالأحرى ما ضُيع منه بسبب جهله من جهة، وبسبب الفساد المركب المحيط به من جهة ثانية.

إن جهل المستهلك هو المصيبة العظمى التي يستثمر فيها التجار والوسطاء، ويحولوها إلى أرباح مضاعفة، فلا زال رأسمال الجهل يشكل القسم الأكبر من فوائد تجارنا وسماسرتنا، بل وحتى ساستنا الذين يسيرون شئوننا ويشرفون على مشاريع التنمية والبناء لدينا… !!

ولاشك أن هذا الوضع يعد، في جانب كبير منه، من تبعات عولمة الفجاجة والتسطيح التي نعيشها في هذه الألفية الجديدة ليتعاظم الفرق بين الحدود الدنيا والعليا في كل ما تنتجه البشرية أو تصنعه.

وليت الأمر وقف عند حدود المنتجات المادية الصناعية التي تفنى بسرعة مع الاستعمال لتعاد إلى دورة صناعية أخرى من جديد، لكن بأقل جودة وكفاءة، في كل مرة.

بل إن معدن الإنسانية نفسه في تحول سريع، فما عادت الدماء دماء، ولا النظرات نظرات، ولا الملامح ملامحا، ولا النساء نساء ولا الرجال رجالا، ولا الأطفال أطفالا… !!

فالتلون المصاحب للصناعة الذي نشهده أيضا في السياسة وفي الفكر وفي الأدب وفي الفن يوحي بدخولنا مرحلة جديدة من القيم الجديدة التي تكاد تغرق في الضحالة والتسطيح ….
وحتى أمطار السماء ما عادت غزيرة كسابق عهدها، وما عادت تأتي في أوقاتها المعلومة إلا لماما…!!!
ترى، هل ينطبق الأمر نفسه على مدوناتنا؟؟، أم هي مجرد رجع صدى مغشوش لواقع مغشوش…. !!!

ليست هناك تعليقات: