الخميس، 27 نوفمبر 2008

أسلوب حكومة المغرب غير المغرب

يقال في بعض طرائق النقد والتحليل الأدبيين: (إن أسلوب الرجل هو الرجل نفسه). وكلمة الرجل في هذا القول أريد بها التعميم لا للتخصيص؛ إذ المقصود منها الرجل والمرأة والشاعر والكاتب وكل متكلم بلسان قومه أو مبدع في فنه أو في مجال تخصصه، وهذا عندما يكون الأسلوب امتدادا لشخصية صاحبه في نوعية تفكيره، وفي طريقة أدائه أو تعبيره.

وكما يمكن أن نحدث عن أساليب الناس العاديين سواء أكانوا متفرقين أو مجتمعين يمكن أن نتحدث أيضا عن أساليب الدول والحكومات؛ فمنها ما يكون بالأصالة تابعا للتاريخ الوطني ولمجموع عادات البلد، ومنها ما يكون بالتبعية خاضعا لحكم تاريخ الغير ولمجموع عاداتهم أيضا. فماهو يا ترى أسلوب حكومتنا الرشيدة المغربية؟ الجواب هو ما يمكن أن تقدمه الحكاية التالية، وإن بطريقة رمزية:

فعندما ذهبت في الأيام القليلة الماضية إلى مكتب البريد في حينا حي أمرشيش بمدينة مراكش المغربية لإجراء معاملة بريدية عادية طلب مني موظف الشباك رقم:2 قبل إنها معاملتي أداء مبلغ إضافي قدره عشرة دراهم تضامنا مع الحملة الوطنية ضد الحاجـَة، فقلت له: لا بأس، لقد اعتدنا على مثل هذه الأمور كلما ولجنا صيدلية أو مصلحة عمومية...
فسلمني وصل المعاملة مصحوبا بشعار الحملة الوطنية التضامنية مكتوبا باللغة الفرنسية. فقلت له: هل يمكن أن أستبدل هذا الشعار بآخر مكتوب باللغة العربية، فقال لي: لم يوزعوا علينا غير تلك المكتوبة بالفرنسية.

ثم ألقيت نظرة على لوحة المفاتيح التي يستخدمها ذلك الموظف لإدخال بيانات المعاملات، وكانت مكتوبة هذه المرة بالحروف العربية، وسألته: لماذا لا تسلم لي بيانات معاملتي مكتوبة باللغة العربية، فقال لي: لم تجر الأوامر العليا بذلك.

ثم دسست ذلك الشعار في جيبي، ونظرت إلى الوصل وإلى ورقة الطابور التي أمدني بها الحاسب الآلي عند مدخل المكتب وكانت مكتوبة أيضا باللغة الفرنسية، وتطلعت في مرافق مكتب البريد الداخلية التي أعيد تعديلها وتحديثها بما يتوافق مع آخر طراز في التصميم الهندسي المكتبي. ثم قلت في نفسي: لقد تكاملت الصورة في ذهني عن أسلوب حكومتنا المغربية؛ فهي حينما تفكر أو تدبر فإنما تبدأ أول الأمر بلغة موليير التي رضعتها من المستعمـِر الفرنسي أما اللغة العربية المسكينة فهي آخر شيء يمكن أن يخطر على بالها.

وإذا تأملنا في مضمون هذا الشعار: ( لنتحد ضد الحاجـَة ) بفتح الجيم نجد أنه قد ترجم ترجمة حرفية عن لغة موليير، فضلا عن أن معنى كلمة الحاجة فضفاض وغير دقيق فكم من حاجة قد قضتها حكومتنا إما بتركها جملة وتفصيلا، وإما بالمماطلة والتسويف، وكم من حاجات أخرى كثيرة يطمح إليها ناظر المواطن المغربي، وأقلها مثلا الحاجة إلى الحرية وإلى الشغل وإلى تكافؤ الفرص وغير ذلك...!!
وكأن حكومتنا هنا تناقض نفسها بهذا الشعار الذي يمكن أن يرفع في وجه الفقر وفي غير الفقر أيضا، وحتى في وجهها أيضا...

وكان الأولى أن يقال مثلا في هذا الشعار:( لنتعاون) بدل لنتحد، و(على) بدل ضد، و(الفاقة) بدل الحاجة. وبهذا يستقيم هذا الشعار دلالة وأداء فيكون أليق وأنسب للروح العربية.
ترى، متى تبلغ حكومتنا رشدها، ومتى تستعيد وعيها بذاتها على غرار حكومات العالم التي تحترم نفسها وتقدر شعور رعاياها اللغوي وغير اللغوي، وإلى متى ستبقى حكومتنا هكذا سادرة في غيها تمرغ كرامتنا اللغوية الحقيقية في التراب، ضاربة بعرض الحائط مشاعر ملايين المغاربة مقابل حفنة من المتفيهقين في بلدنا بلغة موليير أو بلغة العم سام أو نوح ؟.

317dem
صورة شخصية لشعار الحملة التضامنية الذي سلم إلي في مكتب البريد، مكتوبا باللغة الفرنسية

ليست هناك تعليقات: