الخميس، 4 ديسمبر 2008

أمثال وطرائف (كبشية)

يقال في الأمثال العربية: (تحت هذا الكبش نبش)؛ ويضرب هذا المثل لمن يـُرتاب به أو يُشك في أمره.

وفي الحقيقة، عندما وقفت على هذا المثل في بعض كتب التراث العربي دفعني شغبي في التفكير والتعبير إلى النبش والتعمق أكثر في المواد الثقافية والمعرفية المرتبطة بصاحبنا الكبش هذا، خاصة ونحن على بعد أيام قليلة من عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعلى أمة الإسلام جمعاء باليمن والبركة والسلام.

وفي يوم العيد الكبير هذا تنحر الآلاف المؤلفة من الكباش على امتداد العالم الإسلامي، وتبسط على موائد هذا العيد السعيد أصناف اللحوم الكبشية المطبوخة والمشوية.

وكم ذهلت لحجم ما عثرت عليه من مواد لغوية ومعارف ثقافية منوعة متناثرة في كتب التراث العربي عن صاحبنا الكبش هذا.
ولو قدر لتلك المواد والمعارف أن تجمع وترتب لخرج منها كتاب ضخم فريد في بابه.
وإليكم بعض ما تخيرته من تلك المواد:

أمثال كبشية:
بالإضافة إلى المثل الذي سقناه في بداية هذا الإدراج نذكر ما يلي من الأمثلة الكبشية وما جاورها من عالم الماشية :

(عند النطاح يُغلب الكبشُ الأجمُّ )؛ والأجم هو الكبش الذي لا قرون له، ويضرب هذا المثل لمن غلبه صاحبه أو عدوه بما أعد له من وسائل المقاومة والقتال وهو أعزل.

( كالخروف أينما مال اتقى الأرض بصوف )؛ وهو واضح في معناه.

( ما له ناطح ولا خابط )؛ فالناطح هو الكبش، والخابط هو الجمل، والمقصود بالمثل واضح وهو الفقير الذي ليس له مال قليل أو كثير.

( قوم كبعر الكبش)؛ يقال هذا التعبير للمختلفين من القوم، لأن بعر الكبش لايقع إلا متفرقا.
وقد ورد هذا المعنى كثيرا في شعر العرب.

( ياشاة أين تذهبين؟ قالت: أجز مع المجزوزين )؛ يقال هذا التعبير للأحمق الذي ينطلق مع القوم، ولا يدري ما هم فيه.


أسماء وألقاب كبشية:
تسمي العرب رئيس القوم وزعيمهم كبشا، من باب المدح. ويقال فلان كبش من الكباش إذا قصدوا مدحه بالشجاعة، ونعجة من النعاج إذا أرادوا وصفه بالجبن:
قال أحد شعراء (حماسة) أبي تمام:
نازلت كبشهم ولم
أر من نزال الكبش بدا

والمقصود بالكبش من كلام الشاعر البطل الشجاع. وذكر الجاحظ في كتابه الحيوان أن الكبش مدح والتيس ذم، وجاء بكلام كثير في هذا الباب.

واشتقت العرب بعض أسمائها من الكبش، فالمرأة تسمى كبشة وكبيشة، والرجل يكنى أبا كبشة. وكان المشركون يلقبون الرسول الكريم بابن أبي كبشة، كما ورد في بعض كتب التاريخ والحديث.

ولفظ كبشة من قبيل الأسماء المرتجلة، كما أوضح ابن جني، قال: كبْشةُ اسم مُرْتجَل ليس بمؤنث الكبْش الدالّ على الجنس لأَن مؤنث ذلك من غير لفظه وهو نعجة.
وهو ما ذهب إليه الجاحظ أيضا عندما ذكر أن اسم الكبش لا يتناول النعجة لأنه اسم نوع خاص، بخلاف اسم الدجاج الذي يتناول الديك والدجاجة جميعاً. واستشهد على ذلك ببعض أبيات الشعر ومنها قول لبيد:
باكرت حاجتها الدجاج بسحرة
لأعل منها حين هب نيامها


واشتقت أسماء بعض البروج الفلكية من الكبش كبرج الحمل، لأن هيأته في السماء على صورة الكبش، وقد فصل القلقشندي في كتابه (صبح الأعشى) القول في ذكر تفاصيل هذه الصورة الفلكية الكبشية.
وسمي موضع (منى) بمكة المكرمة بهذا الإسم لأن الكبش مني به أي: ذبح.
ويوم كبشة من أيام العرب المشهورة كأيام داحس والغبراء.
وأطلق اسم الكبش على كثير من الأماكن في العراق ومصر وعلى بعض القلاع والحصون وآلات الحرب القديمة، كما جاء في كتب التاريخ والخطط.

ومن أسماء الكبش التي وردت في القرآن:
الذِّبْحُ: وهو اسم ما ذُبِحَ؛ وفي التنزيل: (وفديناه بِذِبْح عظيم)؛ والمقصود بالذبح العظيم الكبش الذي فدى الله به إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وإنما سمي عظيماً، كما فسره بعض المفسرين، لأنه رعى في الجنة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقيل عنه أيضا: إنه الكبش الذي قربه هابيل فتـُقبل منه.

ومن أسماء الكبش النادرة في الاستعمال، وقد وردت في كثير من معاجم اللغة العربية:
الجُحْجُج: وهو الكبش الضخم.
والشـًّقـَحْطـَب: وهو الكبش الذي له أربعة قرون.
والكَرَّازُ: وهو الكَبْشُ الذي يضع عليه الراعي كُرْزَهُ فيحمله ويكون أجَمًّا من غير قرون. والكُرْز هو خرج الراعي أو جوالقه الذي يضع فيه زاده وزناده.

مفردات كبشية:
ومن المفردات اللغوية الخاصة بالكبش:
ثغا الكبش: بمعنى صاح
وعبَر الكبشُ، تـُرك عليه صوفه مدة سنة.
وكبش أملح: والمُلْحة من صفات الأَلوان: وتعني البياض المشوب بالحمرة أو السواد. والصفة أَمْلَح والأُنثى مَلْحاء. وكل شعر وصوف ونحوه كان فيه بياض وسواد: فهو أَمْلح، وكبش أَمْلَحُ: بَيِّنُ المُلْحةِ والمَلَح. وفي الحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أُتيَ بكبشين أَمْلَحَينِ فذبحهما؛ قال الكسائي وأَبو زيد وغيرهما: الأَمْلَح الذي فيه بياض وسواد ويكون البياض أَكثر.
الوَذحُ: ما تعلق بأَصواف الغنم من البَعَرِ والبول؛ وقال ثعلب: هو ما يتعلق من القَذر بأَلية الكبش، الواحدة منه وَذحة وقد وَذِحَتْ وَذُحاً، والجمع وُذْحٌ مثل بَدَنةٍ وبُدْنٍ؛ قال جرير في معرض الهجاء:
والثغلبية في أفواه عورتها
وذح كثير، وفي أكتافها الوضر

ويوصف الكبش أيضا بالقرن، عندما يكون في أبهى صورة.
والعَفْلُ: الموضع الذي يُجَسُّ من الكَبْش إذا أَرادوا أَن يَعْرِفوا سِمَنه من هزاله، فيقال: جَسَّهُ وغَبَطَه وعَفَلَه. والعَفْلُ، بإِسكان الفاء: شَحْم خُصْيَي الكبش وما حَوْلَه.
ويقال: أعضبت الكبش إذا كسرت قرنه.
والجِزَّةُ: صوفُ كبش أو شاةٍ في السنة. فيقال: قد جَزَزْتُ الكَبْشَ والنعجةَ، ويقال في العَنْزِ والتَّيْسِ: حَلَقْتُهما ولا يقال جَزَزْتُهما.

ومن الأمثلة العربية المرتبطة بالصوف قولهم: ( خرقاء وجدت صوفا ).
وكان الكبش إذا سمن جـُز قفاه، فيقال عنه جزيز القفا للدلالة على سمنه.

طرائف كبشية:
والكلام في هذا الموضوع دسم وغني بالمعلومات اللغوية والثقافية العربية الصميمة، وقد يحسن بنا أن نختمه ببعض الطرائف والنوادر الكبشية:

فمما روي من طرائف جحا التي تدل على حمقه أو تحامقه أنه خرج يوما في ليلة حالكة، فعثر في دهليز منزله بقتيل، فألقاه في بئر هناك، فعلم به أبوه فأخرجه ودفنه، ثم خنق كبشاً وألقاه في البئر، ثم إن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه، فتلقاهم جحا وقال: في دارنا رجل مقتول فانظروا لعله صاحبكم، فغدوا إلى منزله، فأنزلوه في البئر، فلما رأى الكبش، ناداهم هل كان لصاحبكم قرون. فضحكوا منه وانصرفوا.

ومن القصص التي تحكى عن بلاغات النساء ذكر: أن عمرو بن معدي كرب أمر امرأته أم ثروان ان تطبخ له كبشاً فجعلت تطبخ وتأخذ عضوا عضوا حتى أتت على الكبش وأطلعت في القدر فإذا ليس فيها إلا المرق فأمرت بكبش فذبح وطبخته ثم أقبل عمرو فثردت له في الجفنة التي تعجن فيها ثم كفأت القدر، فدعاها إلى الغذاء فقالت: قد تغذيت فتغذ. ثم اضطجع فدعاها إلى الفراش فلم يصل إليها فأنكر ذلك فقالت: يا أبا ثور: كيف تستطيع وبيني وبينك كبشان...!!

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

كل هذا بسبب الكباش :)
أعجبتني الأمثال الشعرية و كذلك الطرفتين، لم أكن أعرفها!
و ما تنسى، الكبش ورائك ليوم العيد..