السبت، 1 نوفمبر 2008

هل سيستعيد المغرب دورته المناخية الممطرة...؟

كنت قد سمعت من أفواه بعض عامة الناس عند نهاية الصيف الماضي هنا في مدينة مراكش أن هذه السنة سنة 2009 ستكون بإذن الله سنة (ماوية) بلغة العوام أي: مائية، نسبة إلى ثروة الماء السماوية الطبيعية وليس إلى ثورة (ماو) تسي تونغ الأرضية الشعبية الاشتراكية الصينية.

وكنت قد قررت الكتابة في هذا الموضوع ضمن فئة: استراحة مراكشية وشؤون مغربية، غير أن ازدحام فكري بقضايا التدوين والمدونات أذهلني عن هذا الموضوع.
وكثير من الكلام الذي يصدر عن العوام قد يعتقده البعض مجرد شطحات جنونية وتهيؤات خرافية غير أن جذوره التاريخية والأنتروبلوجية قد تكون أبعد وأعمق مما قد نظن للوهلة الأولى. فلا شك أن أحكام القيمة التي تنشأ في مرصد العوام عن عادات الناس وأمزجتهم لها نظير مماثل عن عادات المناخ وتقلباته ومزاجه أيضا. وتلك الأحكام نتيجة خبرة ومقاربة فطرية شاملة ومراقبة طويلة لمجريات الأحداث والتطورات المختلفة التي تحصل في الزمان والمكان. والسلف يرث حصيلة تلك الخبرة عن الخلف عبر الكلام الشفوي المشترك دون انقطاع أو انفصام، ثم تسجل نتائجها وخلاصاتها لتنقش على صفحات الذاكرة الشعبية المغربية الجماعية كما تسجل حصيلة مراقبة الأرصاد الجوية في الجداول والخرائط الرقمية داخل دوائر الحاسوب الرقمية الآن.

وإذا رجعنا إلى التقلبات المناخية التي عرفها المغرب خلال شهر أكتوبر الذي أبى إلا أن يودعنا ليلة أمس على إيقاع أمطار الخير التي لا زالت متواصلة إلى حدود هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور من صبيحة فاتح شهر نوفمبر فإنها باعتبار ماكان مألوفا عند مرصد المغاربة الشعبي تعد أمرا عاديا،غير أن نشرات الأخبار الجوية في تلفزيون وراديو المغرب التابعين لوزارة الاتصال والداخلية أبت إلا أن تصف أمطار الخير التي أرسلها رب العالمين لخلقه وبهيمته بالاستثنائية، وكأن المغرب ما اعتاد عبر حقبه الطويلة إلا على القحط والجفاف ضاربة عرض الحائط بأرشيف الذاكرة المغربية عن أيام المطر الطويلة المغربية في فصلي الخريف والشتاء، وعن الخلجان والوديان والجداول التي لم تكن تجف من الماء طيلة أيام السنة كما أذكر جيدا ويذكر غيري من المجايلين لفترة السبعينات وما قبلها من القرن الماضي. فمن حفر هذه الوديان الكثيرة ومن رسم تلك الخلجان والجداول التي لا تعد ولا تحصى على صفحة الخريطة المغربية من أقصاها إلى أقصاها.. أليست حبات المطر الكبيرة والصغيرة...؟؟ !!

إن مصاب بعض المواطنين المغاربة الذين تضرروا في أموالهم ومنازلهم ومواشيهم جراء أمطار الخير وخاصة في منطقة الريف الغربي والأوسط والشرقي وفي بعض مناطق الحوز ودرعة لا يرجع فقط إلى الحمولة الزائدة من السيول التي عرفتها بعض الوديان حتى فاضت وغمرت المنازل والمناطق الصناعية، وإنما لسياسة التعمير العشوائية التي بدأت تزحف أكثر من ذي قبل في اتجاه المنحدرات والمروج وضفاف الأودية في غياب خطة وقائية لتنبيه الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم ومنشآتهم الصناعية من أضرار الفيضانات.
وقد يلاحظ الزائر للمغرب أن معظم القرى الطينية والمدن المغربية الشمالية على وجه الخصوص قد اختطها أسلافنا في أماكن عالية تكون بمنجاة من وصول السيول الجارفة إليها بل إن بعضها معلق في قرون الجبال والتلال العالية بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا بالمشي على الأقدام أو بركوب الحمير والبغال.

ترى هل يكون المغرب بتباشير المطر المبكرة لهذا العام قد دخل مرحلة مناخية جديدة يتصالح فيها مرة أخرى مع السماء ليستعيد عادته المناخية المطيرة المألوفة في ذاكرة المغاربة، وليست في ذاكرة الوزارات المغربية الوصية في التجهيز والنقل وفي تدبير الشأن المغربي العام؟ إذ أبت الوزارات الوصية على التجهيز وتدبير الشأن المغربي العام إلا أن تلقي باللائمة على خيوط الرحمة التي تصل السماء بالأرض تهربا من تحمل مسؤوليتها الكاملة على هشاشة تجهيزاتها من طرقات وقناطر ومعابر مغشوشة. وقد انهاربعضها بسرعة وأصاب بعضها الآخر كثير من التلف في غضون أسبوعين ممطرين فقط، فكيف ياترى سيكون حال منشآت وتجهيزاتنا العمومية إذا استعاد المغرب دورته المناخية المطيرة كاملة غير منقوصة كما يدور في بعض قصاصات الأنباء المناخية الشعبية التنبؤية.. ؟ !!

ليست هناك تعليقات: