الأحد، 5 أكتوبر 2008

على هامش اليوم العالمي للمدرس 2

يصادف الخامس من كل أكتوبر تشرين الأول اليوم العالمي للمدرس. وليس غريبا أن يتزامن موسم الدخول المدرسي في بلادنا المغرب وفي كثير من بلاد العالم مع انطلاق الموسم الفلاحي، فكل من المعلم والفلاح حارث وزارع؛ فهذا يخرج عند كل موسم محفظته وكراسه من دولابه وذاك يخرج محراثه وجراره من مرآبه.

لقد تغيرت الصورة النمطية القديمة التي كان يحملها المغاربة في أذهانهم عن المعلم القديم بوجاهته ووقاره ومكانته الاجتماعية وبهندامه ونوع سيارته.

وأذكر أن سيارة (السيمكا) كانت علامة مميزة لفئة المعلمين على الخصوص في فترة السبعينات بالإضافة إلى (الرونو 12) و(الرونو16).

ففي ذلك الزمن كانت وجاهة المعلم الاجتماعية وظروفه الاقتصادية تسمح له باقتناء مسكن لائق وسيارة جديدة من الطراز المذكور أعلاه، وقفة لا تخلو في يوم واحد من هبر اللحم والفواكه وبذلا مفصلة على المقاس عند الخياط وأقمصة منعمة بالمكواة وأحذية ملمعة بالورنيش عند كل صباح وربطات عنق مناسبة ومحفظة أنيقة من الجلد الطبيعي الرفيع.

وعندما نتطلع اليوم إلى أرشيف صور المعلمين الجماعية القديمة نحسب أنهم كانوا من الفئة الدبلوماسية التي مثلت حالة البلاد الثقافية في ذلك الوقت خير تمثيل.

لقد ذهبت أيام (السيمكا) أدراج الرياح، وتبخرت معها ذكريات ذلك النعيم المقترن برجل التعليم كطيف حلم مر سريعا وما تبقى من سيارات المعلمين العتيقة للموتى منهم أو المتقاعدين أو الذين بلغوا من العمر أرذله قد تحول إلى عربات معدلة لتوزيع الخبز ومختلف المواد والسلع بالتقسيط في أوساط صغار التجار والحرفيين.

ولم تعد مواسم الدخول المدرسي مواسم للاحتفاء بالمعلم بل مواسم حكومية تجارية لبيع جديد مقررارتها ومطبوعاتها الموسمية لإرهاق كاهل التلميذ عند كل موسم بالحمولة الزائدة من الكتب والدفاتر، ولإغراق معيل ذلك التلميذ أو كفيله بتكاليف التمدرس التي لم تعد تطيقها غير الأسر الميسورة.

صورة معلم اليوم ليست إلا نسخة شاحبة باهتة لصورة المعلم القديم الأنيق الوسيم كشاة منبوذة في الفيافي بعد أن أصابها الجرب وهزال الموت في أيام الجفاف والقيظ؛ فقد تدحرجت مكانة المعلم إلى الدرجة الأخيرة من سلم العيش، وقد صار شحوب مهنة التعليم علامة مميزة على محيا معظم المعلمين، وبذلك يعروفون عند الخضارين وعند أصغر نادل في المقهى، وحتى عند أصحاب أكشاك الجرائد وأصحاب محلات الرهان واليانصيب الذين يبيعون وهم الربح الوفير بالخسارة الصغيرة، لكن مثلى وثلاث ورباع وهلم مراهنة حتى يفرغ جيب المعلم الحالم المتطلع بشوق إلى انقلاب حاله...

وقد صار أقصى حلم المعلمين الشباب المتخرجين للتو والمعينين في مجموعات مدارس قريبة أو بعيدة أن يهجروا بلدهم الذي سامهم خطة خسف هجرة سرية لا يعلم بها رقيب الحكومة وجمركها في قوارب الموت كأي (حراق) مغامر شبه عامل أو عاطل.

وفي مقاهي الأنترنت وعبر وسائل التراسل الفوري والتشات تجد عددا كبيرا من المعلمين يرمون صنانير الغزل والغرام في بحار الإنترنت في معظم أوقات فراغهم علها تجذب انتباه فتاة أو حتى عجوز أوربية أو أمريكية تنقذهم من دوائر الضيق والضياع والفراغ، وتطير بهم إلى ذلك الفردوس الذي افتقدوه في بلدانهم وفي ظل حكومتهم مثلهم مثل أي عاطل يائس لا يفارقه حلم الهجرة البعيد لملامسة شمس الغرب التي يمكن أن تغير جلده وتملأ جيبه.
---------
إدراجات ذات صلة:
على هامش اليوم العالمي للمدرس (1)

ليست هناك تعليقات: