الاثنين، 20 أكتوبر 2008

سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة

كل مدون يعمل على شاكلته، وكل مدون قد أتى إلى منصة التدوين من حيث انتهت إليه تجاربه في الحياة، بغض النظر عن عمق تلك التجربة أو ضحالتها، وبغض النظر عما تكون لديه من آراء ووجهات نظر أو مواقف حولها، كما أوضحنا ذلك في كثير من الإدراجات السابقة.

وليس البلوغ شرطا ضروريا لافتتاح مدونة أو إنشاء صفحة شخصية على الشبكة العنكبوتية، كما هو واقع الحال عند الرغبة في الحصول على رخصة قيادة سيارة مثلا أو ممارسة أي نشاط أو سلوك خاصين بالبالغين؛ فللأطفال الصغار كما الكبار مواقعهم ومدوناتهم وصفحاتهم التي تتناسب مع عالمهم الافتراضي الخاص الذي يعج باللعب والمرح، وبالألوان والرسوم، وبالخيال والفنتازيا الكرتونية الجامحة المليئة بالخوارق والعجائب.

ولم يعد نشاط الأطفال التعليمي محصورا في فصول القسم، بل أصبح له امتداد آخر في حجراتهم الافتراضية الموصولة مع بعضها البعض عبر إمكانيات التواصل المباشر بالتعليق والحوار، وحيث يمكنهم أن يغيروا ويقترحوا ويتبادلوا الدمى والزخارف والملصقات والإكسسوارات الرقمية وكأنهم ما افترقوا جسديا بعد خروجهم النظامي من المدرسة إلا ليلتقوا ثانية بخيالهم وعقولهم عبر تلك الحجرات التي يجدون فيها متسعا يغنيهم عن حكايات الجدة البائدة وثرثرة وضوضاء التلفاز.
ولم تعد حتى اللعب الحقيقية المصنوعة في معامل الصين أو اليابان بإتقان فائق في الرشاقة والحركة والصوت لتثير شغف الأطفال وشغبهم بقدر ما تثيرهم الدمى الافتراضية التفاعلية التي يستطيعون أن يغيروا في أشكالها وأحجامها وألوانها، وكأنهم هم الذين صنعوها للحظة والتو في مصانع مخيلتهم الصغيرة.

إن الرغبة الجامحة التى تتولد في الإنسان لإنشاء مدونة سواء عند الكبار أو الصغار هي أول سلطة يخضع لها الشخص العادي قبل أن يتحول إلى كائن افتراضي بالتدريج؛ فعندما نتطلع إلى مدونات الآخرين ومواقعهم تتولد فينا الرغبة في محاكاة بيوتهم الافتراضية والبناء على منوالها في التصميم والهندسة والزخرفة والتنسيق، أو في أسلوب الكتابة، أو في طريقة البحث عن القضايا والموضوعات والأفكار.
وعلى هذا، فالمواقع والمدونات والمنتديات في تزاوج مستمر. وكل منها يؤثر ويتأثر بمقادير متفاوتة، إلا أن تكون عقيمة وغير ذات جدوى، فإنها في هذه الحالة تكون من قبيل الغثاء الافتراضي الذي يجرفه وادي السليكون بقوة حتى يتسرب في قعر المحيط الافتراضي العميق.

وقد أصبحت للمحاكاة الافتراضية سلطة لا تقاوم حتى على المدونين المحترفين؛ فهم يسعون باستمرار إلى تطوير مدوناتهم ومواقعهم عن طريق اقتباس كل طريف وجديد في مجال تصميم وهندسة المواقع والصفحات الإلكترونية.
وكم هي قليلة تلك المواقع أو المدونات أو المنتديات التي احتفظت بتصميمها الأول إلا أن تكون علامة مسجلة كما هو الحال بالنسبة لتصميم موقع كوكل وياهو وغيرهما من المواقع العملاقة.
ولو حاولت أن تسترجع النسخ الاحتياطية المحفوظة لدى محركات البحث لكثير من المواقع والمدونات العربية والعالمية لتبين لك أنها تغير جلدها بين عشية وضحاها.

إن أكبر عدوى يشهدها عصرنا هذا هي عدوى تحول البشر من كائنات عادية إلى كائنات افتراضية. وكل واحد من البشر يسعى جهده ليحوز موقعا افتراضيا يتسع له إذا ما ضاقت عليه الدنيا، أو ضاقت به أخلاق الناس.سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة.سلطة التدوين؛ من الرغبة الأولى إلى المحاكاة.

ليست هناك تعليقات: