الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

محاضن التدوين العربي؛ الورقة الثانية

ليس هنا، في هذه الورقة الثانية، أي مجال للمفاضلة بين هذا الموقع المحتضن للتدوين العربي أو ذاك، فالأمر متروك إلى المدون نفسه؛ فهو الذي يختار الانتساب إلى موقع ما من بين مجموعة عديدة من المواقع المحتضنة ليجعلها مستودعا لبنات أفكاره ومستراحا لممارسة أنشطته التدوينية المختلفة، وذلك بمحض إرادته، وفي حدود معرفته واطلاعه.

ولا نملك هنا إلا أن نشيد بجهود المشرفين على أي موقع يقدم خدمة الاستضافة المجانية التي تدعم اللغة العربية. فتحية إلى كل من عمل في الخفاء على جمع شتات المدونين العرب ونظم حبات عقولهم في سلك واحد، وتكرم بإتاحة مساحة افتراضية ما لغيره كي يصول فيها ويجول.

غير أن محاضن التدوين بهذا المفهوم قد تصبح في نهاية المطاف كالدوائر المغلقة أو الجزر المعزولة النائية في محيط بحر الأنترنت العظيم؛ فمدونات مكتوب أو مدونات جيران أو مدونات وورد بريس أو البلوغر العربيين أو غير ذلك دوائر مغلقة وجزر تكاد تكون معزولة عن بعضها البعض، فالداخل إليها مولود والخارج منها مفقود، كما يقال. والدليل على ذلك أن مدوني مكتوب لا يكاد يعرفهم أو يعلق على إدراجاتهم غير زملائهم المدونين في مكتوب أيضا، والأمر نفسه ينطبق على بقية مواقع الاستضافة المجانية. ولولا وجود محركات البحث التي تقود عموم الزوار إليها بالصدفة لكان واقع عزلتها أكبر وأفدح.

وبعض أصحاب المدونات المستقلة لا يتورعون عن نعت زملائهم المدونين المنتسبين بالألفاظ والمصطلحات التي تشير إلى دلالات التجمعات العربية الحقيقية المعروفة ك(القبيلة) و(العشيرة)، فيتحول موقع مكتوب في أذهان البعض إلى قبيلة عربية افتراضية مثلها مثل أي قبيلة عربية حقيقية عشائرية عتيقة في الأردن أو في الحجاز أو في العراق أو في المغرب الأقصى، ويتحول موقع البلوغر في أذهان البعض أيضا إلى حي افتراضي معاصر مثله مثل أي حي غربي حقيقي يقع في هوامش باريز أو في لندن أو نيوورك أو ساو باولو وغيرها من الأحياء الغربية المكتظة بالمهاجرين والأفاقين والهاربين إليها من كل فج عميق من الضنك والضيق... فلا تسهغرب إذا وجدت أحدهم ينعت مدوني مكتوب بقبيلة مكتوب، أو مدوني البلوغر بحي البلوغر...

ومن حق المدون المستقل أن يستشعر حريته التامة في التدوين ويتنفس ما وسعه الجهد في فضائه الأثيري الخاص، ويحلق في مجاله الافتراضي كيفما يشاء صعودا ونزولا؛ فله حرية امتلاك النطاق، وله حرية التصرف الكامل في كل صغيرة وكبيرة تخص أمر مدونته قلبا وقالبا، غير أن هذا الشعور قد يتحول عند البعض إلى نوع من التعالي الارستقراطي عندما ينظر من موقع التباهي تارة والاحتقار تارة أخرى إلى غيرهم من الدهماء والغوغاء المنتسبين إلى قبيلة آل مكتوب أو آل جيران، أو غيرهم ممن أسكنوا أفكارهم في الأحياء اللاتينية في موقعي البلوغر أو الورد بريس أوفي غيرهما من المواقع الغربية التي تقدم خدمات الاستضافة المجانية, وهي كثيرة ولا يمكن أن تعد أو تحصى، وتتفاوت فيما بينها تفاوتا بينا من حيث شروط الاستضافة ومن حيث نوعية الخدمات والخيارات المتاحة...

فهل يجوز لنا بهذا المنطق أن نتحدث عن شكل جديد من أنواع التمايز الطبقي الافتراضي في بيئة التدوين العربي؛ بين من يمتلكون حرية كاملة في التدوين المستقل وبين من يمتلكون حرية منقوصة في التدوين المنتسب؟.
وأنا لا أستطيع أن أنكر أن بعض المدونين المنتسبين يعملون من حيث يدرون أو لا يدرون على زعزعة الثقة في التدوين المنتسب بما يقومومن به من سلوكات تدوينية غير واعية وغير مسؤولة، وبما ينفثونه من السموم وبما يرمونه من الشراك والحبال الملتوية في الطرق الافتراضية السيارة لإثارة الانتباه واصطياد أكبر عدد ممكن من الزوار..

ولكن، كما أن مواقع الاستضافة المجانية العربية فيها كثير من الغثاء الافتراضي الذي يثقلها بحمولة افتراضية زائدة لا تسمن ولا تغني من جوع فيها قدر مهما من التدوين الجيد الناضج الصالح لقطف الثمار، ولكنه يكاد تضيع في موجة الغثاء ولا يكاد يتميز إلا بصعوبة.
ولكي يتميز جيد التدوين من رديئه لا بد من خلق وسيط جديد من مواقع التدوين يكون صلة وصل بين المدونين المتميزين، سواء أكانوا مستقلين أو منتسبين من جهة، وبين القارئ أو المتصفح الافتراضي النموذجي من جهة ثانية. وهذا الوسيط هو مجمعات المدونات العربي المنتقاة. وهذا هو موضوع الورقة الموالية.

ليست هناك تعليقات: