الثلاثاء، 8 يوليو 2008

اللغة العربية وعداوة مُـثقفيها لها

مما ابتليت به اللغة العربية عداوة مثقفيها لها. وقد ظهر هذا العداء منذ وقت مبكر من ظهور الحركات الشعوبية زمن الأمويين والعباسيين، كما هو واضح في شعر بشار وأبي نواس وفيما يحمله فكرهما من تحامل وضغينة لكل ما هو عربي إلى درجة قد تصل في بعض الأحيان إلى الازدراء والسباب والشتيمة.

ثم تولد هذا الابتلاء بصورة جديدة ملفتة للنظر مع قدوم المستعمر الغربي وحلوله بقضه وقضيضه على أرض العرب خلال القرن الماضي.

فعندما ربطت الطبقة الجديدة من المثقفين العرب (الأنكلوفونيين) و(الفرانكفونيين) وجودها بوجود المستعمر ورهنت مصالحها بمصالحه كان من الطبيعي أن تفك ارتباطها بالأصل وأن تعلن القطيعة مع ماضيها العربي وتجاهر بالانسلاخ من جلدها الأول لتحل فيها روح الكيان المستعمر بالكامل لأنها ألفت الرضاعة والنهل من أثدائه.

ومن الأسماء الثقافية المنسلخة التي ينبجس لبن العنصرية الغربية البغيضة من بين شفاهها وعلى أسلة أقلامها نذكر سلامة موسى وعبد العزيز فهمي وسعيد عقل وغير ذلك من الأسماء التي خفقت أعلامها وشعاراتها، وعششت وفرخت في الجامعات والمعاهد، وخلقت لنفسها أتباعا وتلاميذ ونظريات قائمة الذات مسنودة بالدعم المادي والمعنوي وبمباركة المرجعيات الغربية الدينية والفكرية والإيديولوجية والفلسفية، وحتى الفنية والأدبية والإنسانية والحقوقية…

فهاهو سلامة موسى المصري يعلن دونما خجل أو مواربة عن رغبته العارمة في التنصل من الانتساب العربي المشرقي للالتحاق بالنسب الغربي الشريف، وقد بلغت به الجرأة حد المطالبة باستبعاد ثقافة العرب وما يمت إليها بصلة عن مجالات البحث والدرس، يقول: كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ...، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا وجهرا، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب ...إن الاعتقاد بأننا شرقيون قد بات كالمرض ... وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب وبعثرة لقواهم ...

وها هو ذا سعيد عقل اللبناني يطالب بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، على غرار صنيع كمال أتاتورك عندما أدار ظهره للعرب وللخط العربي، كما مر معنا في إدراج سابق تحت عنوان:
محنة اللغة العربية مع أساليب الدردشة و (التشات) ...!!

وعلى العموم، فقد كثرت الدعوات وتناسلت الاتهامات التي تمس كيان الشرق الثقافي واللغوي، وطبيعة الرجل الشرقي ونمط تفكيره وسلوكه حتى صار موضع نكتة وطرفة وسخرية في الأدب الغربي وفي إنتاجه الإعلامي التلفزيوني والسينمائي، وحتى في لوحات الرسم والكاريكاتور....

أما اليوم، وبعد أن دخلت أمريكا على هذا الخط العدائي منذ أحداث أيلول سبتمبر المشئومة، فقد جعلت لعدائها لونا جديدا مموها لا يكاد يُرى لمعظم الناس لأنه مخبوء تحت شعارات حالمة منسمة بعطور الحرية والديمقراطية المزعومة التي تدفقت على العالم العربي من بلاد العم سام البعيدة جدا عبر البوارج وحاملات الطائرات. وهنا مكمن الخطورة عندما يكون العداء المبطن معززا ومؤيدا بقوة السلاح.

فقد أرادت أمريكا أن يكون احتلالها للعراق الشقيق مصحوبا باختراق آخر مواز كاسح للعقل العربي وللنفوس العربية من الداخل. وهي، بعد أن أرست ترسانتها العسكرية وأقامت قواعدها الجوية والبحرية والبرية في منطقة الخليج، أرسلت على الشعب العربي كله مددا هائلا من القنوات السمعية والبصرية من فوق عبر بوابات السماء لتعيث فسادا وخرابا في وجدان الأجيال العربية الصاعدة، ولتعيد تشكيلها وقولبتها كما تشاء...

إن ما يبث على مدار الوقت والساعة على محطات (سوا) الإذاعية المبثوثة في كل ربوع الوطن العربي، وقنوات (الحرة) وبعض القنوات الأخرى المحسوبة على أمريكا نهجا وأسلوبا كمجموعة كقنوات ( إم بي سي) وأبو ظبي ودبي وغيرها من برامج التلفزيون الحوارية وبرامج تلفزيون الواقع الأمريكي ومسلسلات وأفلام هوليود وحتى والوصلات الإشهارية للعطور ومساحيق التجميل الأمريكية فضلا عن أجبانها وألبانها ووجبات أكلها السريعة... كل هذا بدأ يؤتي ثماره الخبيثة في وسط كل أسرة عربية من حيث تدري أو لاتدري على مستوى العادات والطباع الجديدة وعلى مستوى اللباس والأكل... والأخطر من ذلك أن يكون التغيير على مستوى الفكر والوجدان.... فهل منا من يتعظ أو يقاوم وينتفض...؟ !!

ليست هناك تعليقات: