الجمعة، 4 يوليو 2008

الصيفَ ضيعتِ العربُ الغاز َوالبترولَ


أصل عنوان هذا الإدراج من المثل العربي المشهور: (الصيف ضيعتِ اللبن ).
وقيل في قصة هذا المثل: إن امرأة عربية جميلة تدعى دختنوس بنت لقيط بن زرارة تزوجت رجلا مسنا ذا مال كثير، ثم اختلفت معه فطلقها في وقت كثرة المرعى ووفرة اللبن. وكان أن تزوجت تلك المرأة بعد طلاقها شابا جميلا فقيرا. فلما جاء الصيف اشتهت اللبن غير أنه لم يكن متوفرا إلا عند زوجها السابق، فأرسلت إليه متوددة في طلبه لكنه أبى وقال قولته هذه التي صارت مثلا يجريه العرب على ألسنتهم كلما ضيع أحدهم الفرصة من بين يديه، فإذا طلب حصول تلك الفرصة المنفلتة مرة أخرى لم يسعفه القدر ولم يواته الحظ ولم يجن إلا مرارة الخيبة وحسرة الندامة.

ولهذا المثل دلالة رمزية عميقة لا تفقد صلاحيتها في كل عصر. فيكفي أن نعوض مادة (اللبن) الواردة في المثل بما يماثلها في كل عصر وأوان من اللوازم الضرورية لحياة الناس، كالصحة والتعليم والحقوق والتنمية قبل الماء والخبز، وقبل الغاز والبترول، وقبل السيف والمدفع الرشاش وحتى قبل معامل تخصيب الذرة والقنبلة النووية...

فالأمر نفسه ينطبق على البترول ومشتقات الطاقة الطبيعية الأخرى الآخذة في النضوب. وهاهو مخزون النفط العربي قد أشرف على النفاد دون أن يتحقق للشعوب العربية المغلوبة على أمرها الحد الأدنى لمطامحها الطبيعية في العيش البسيط الكريم الذي أقصا طرفيه: رغيف خبز وقدح ماء، بله أن تتطلع إلى ما فوق ذلك مما تحقق لدى كثير من دول هذا العالم من الرفاهية والديمقراطية وتطور التعليم وازدهار التقنية رغم أن كثيرا من دول الصفوة في هذا العالم لا تملك بئرا واحدة للغاز أو البترول ولا منجما واحدا للذهب أو الفضة ولا حتى للنحاس أو الحديد..

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة ثمن برميل البترول بشكل جنوني في هذه الأيام لتمتلئ خزائن حكوماتنا العربية الريعية بالمال الذي يحفزها على مزيد من الإسراف في البذخ والعيش المخملي الرطب الناعم تزداد يبوسة المواطن العربي وجفافه إلى حد الانكماش، ويتضاعف شقاؤه بلعنة البترول وتوابعه؛ فلم يصب المواطن العربي من كل هذا البترول المتدفق حتى اليوم إلا ذلك الدخان المتراكم في جو السماء الذي يستنشقه عبر عوادم السيارات والعربات ومداخن المصانع والمعامل ليملأ خياشيمه بالسخام ويعرضه لأمراض تنفسية مزمنة. فيكون حاله كحال من يجالس صاحب الكير؛ فإما أن تتسخ ثيابه بالدخان أو تحترق بشرر النار المتطاير.

ليست هناك تعليقات: