الثلاثاء، 1 يوليو 2008

التدوين كأفق جديد للتنفيس وإثبات الوجود


ليس الواقع الافتراضي إلا نسخة ثانية حديثة لواقع إنساني حقيقي راسخ على الأرض رغم إنكار المنكرين وجحود الجاحدين الذين لازال بعضهم يتوجس خيفة من محتوى ومضمون العوالم الافتراضية إلى درجة قد تجعله أحيانا لا يطيق الاقتراب من الحواسيب الإلكترونية التي تعتبر لوحة المفاتيح منها بمثابة منصة التحكم والقيادة في حركة السيارة عند الانعطاف أو المناورة، كما أوضحنا ذلك في إدراج قديم تحت عنوان الجَفْوَةُ الرقمية .

وعليه فإن العوالم الافتراضية، وإن كان موقعها في الأثير المعلق بين السماء والأرض، فهي ليست معزولة عن الأرض كما قد يتوهم البعض؛ فكل ما في العوالم الافتراضية من مواقع ومدونات ومنتديات يعمل في الحققية تبعا لحركة أصحابها في حياتهم الخاصة المتقلبة بين صبح ومساء، وبين صحو ونوم، ووفق أمزجتهم ونواياهم، وحسب تكوينهم الحسي والجسمي والعقلي والنفسي.

وقد بلغت العوالم الافتراضية في هذه الأيام حدا هائلا من الكثافة والتكدس والامتلاء رغم أن بداية رحلة الناس إلى هذه العوالم الأثيرية كأفراد طبيعيين أو معنويين ممثلين في شركات ومؤسسات وهيئات خاصة أو عامة، حديثة العهد. إذ لم تمهد سبلها الإلكترونية المعقدة ولم يتح استخدامها للخاصة والعامة على نطاق واسع عبر شبكات الاتصال الأرضي والفضائي إلا مع بداية هذه الألفية الثالثة.

ومن يلج العوالم الافتراضية اليوم يشعر كأنها قد بلغت من العمر عتيا، أو كأنها قد تكونت مع بداية تكوين الأرض في زمنها الجيولوجي الأول. فكل ما يخطر على بالك من هواجس وصور وأفكار تجده مطويا بين ثنايا ها وأكثر.

غير أن ما يميز العوالم الافتراضية عدم وجود حد فاصل بين الأمكنة والأزمنة فيها، لأن وسائلها عند السفر أو الإبحار في أعماقها أشبه ما تكون بسفينة الزمن التي تمكن من اختراق حاجز الحقب التاريخية صعودا ونزولا، كما في أفلام الكارتون الحالمة وسينما الفانتاستيك الخيالية الجامحة.

وبما أن وجود الناس على الأرض محدود بضيق المكان وبضيق الأفق وذات اليد وقهر الزمن والسلطة، فقد أصبحت العوالم الافتراضية ملاذا مثاليا للبوح والتعبير في عالمنا العربي كما في العالم أجمع، سواء بالرمز أو بالصوت أو بالصورة المتحركة أو الثابتة، وسواء باللغة العادية المباشرة أو باللغة المجازية الشاعرة.

وعليه، فإن ما يميز العوالم الافتراضية أكثر أنها صارت الأفق الأرحب المتاح اليوم للتنفيس أكثر من قصيدة أو لوحة أو فصول مسرحية أو مثل أو حكمة أو خرافة رمزية.

وقد لا يهم اليوم أن تبحث عن خل وَفِـيٍّْْ عز وجوده في هذا العصر لتفرغ على مسامعه همك وحزنك، أو عمود جريدة لتلقي لديها ببعض عجرك وبجرك بعد التمحيص والتنقيح لكل ما من شأنه أن ...
يكفي أن تفتح موقعا صغيرا أو مدونة أو تنشئ هوامش افتراضية مفتوحة أو مرموزة تثبت أو تمحي فيها في كل يوم ما تشاء.
ومن تابع معي مخاض كتابة هذا الإدراج من أوله إلى نهايته عرف كم عدد الخربشات التي حذفتها والتعديلات التي أضفتها حتى استوى على هذا الشكل النهائي الذي أرسلته على الشبكة العنكبوتية.

وأنا بعدما مارست التدوين واختبرت خباياه ومشاقه لا أنكر على نفسي ما أستشعره في كل يوم من متعة خاصة عندما أتمكن من إضافة إدراج جديد، ولو كآخر إشارة مني على آخر وجود لي موثق أسفل آخر إدراج باليوم والساعة والدقيقة والثانية.

أشعر كأن عقارب الوقت هي التي تكتبنا وتدوننا لا نحن، أوكأن أناملنا الصغيرة هي وسائلها في ذلك. ولو توقفت أناملنا عن النقر وعيوننا عن مصافحة شاشة الحاسوب لانتفى جزء مهم من حقيقة وجودنا في هذا العصر الذي كلما اتسع وتعولم إلا وضاق وازدحم.

ليست هناك تعليقات: